تحقيقات
حقيقة ظاهرة الزواج من اللاجئات السوريات في مصر
تداول الجميع أخبارا عن زيجات تتم بين مصريين وسوريات مقابل مبالغ ضئيلة جدا، الأمر الذي فتح الباب أمام نقاشات مجتمعية واسعة، وإن كانت كل هذه النقاشات لم تصل حتى الآن إلى رأي عام محدد بخصوص هذه الزيجات، ولكن واقع الأمر فيما يتعلق بالزواج من المواطنات السوريات في مصر يتطلب الإشارة إلى عدة نقاط جوهرية يجب الانتباه إليها حتى لا تتوه الحقيقة وسط ما يتم تداوله ونشره من أخبار:
أولا: أن الأرقام التي تبني بعض الجهات موقفها استنادا إليها، هي أرقام غير موثقة ولا دليل على صدقها، ومن هذه الجهات المجلس القومي للمرأة الذي وجه رسالتين لكل من وزير الداخلية ووزير العدل للمطالبة بوقف زواج المصريين من السوريات، وذكر المجلس في رسالتيه أن هناك 12 ألف حالة زواج من هذا النوع حدثت خلال عام واحد، على الرغم من تأكيد مصادر عديدة أن معظم هذه الزيجات – بغض النظر عن عددها – تتم بعيدا عن التوثيق الرسمي، وبالتالي لا يوجد أي إحصاء حقيقي لها.
ثانيا: أن الصراعات الشديدة بين التيارات السياسية التي تتنافس على السلطة في مصر الآن ليست ببعيدة عن هذه القضية، وضمن الحروب الإعلامية التي يشنها كل طرف ضد الآخر، تم الزج بمسألة الزواج من السوريات، وضخمت الآلة الإعلامية القضية بصورة مبالغ فيها، وأقحم شيوخ المساجد في القضية لدرجة تصويرهم كسماسرة يسعون لإتمام هذه الزيجات، رغم أن مواطنين مصريين أكدوا لوسائل إعلام أنهم ذهبوا بالفعل لأحد المساجد الشهيرة بمدينة السادس من أكتوبر، والتي أشيع أنها تقوم بتزويج المصريين من السوريات، ولكنهم بدلا من أن يجدوا اللافتات التي سمعوا أنها تعرض “زوجات سوريات حسب الطلب” وجدوا لافتة معلقة على المسجد تقول: “ليس لنا علاقة بزواج السوريات ولا غيرهن”!
ثالثا: في الوقت الذي تسعى فيه جهات معروفة إلى تشويه اللاجئين السوريين والحط من قدرهم وكأنهم كان عليهم البقاء في ديارهم حتى يأتيهم الموت المحدق بهم، تقوم جهات أخرى بتشويه صورة مصر والمصريين الذين وضعوا كل إمكانياتهم تحت إمرة أشقائهم السوريين، ولم يشر أحد إلى أنه رغم الظروف الصعبة التي تمر بها مصر سياسيا واقتصاديا قامت بفتح جميع المدارس الحكومية وكذلك المستشفيات بالمجان ليتلقى المواطنون السوريون خدمات التعليم والعلاج مثلهم مثل أشقائهم المصريين.
رابعا: من عجائب الأمور أن تجد في هذه الظروف الحالكة من يستغل مأساة أبناء جلدته ليبحث عن تكوين الثروات من أقواتهم، وهذا ما أثبته مواطنون سوريون اعترفوا بقيام بعض المسؤولين عن التنسيقيات السورية في مصر بنهب أموالها والهرب بها إلى الخارج. في الوقت الذي أكد طبيب سوري مقيم في مصر أن رجال الأعمال المصريين هم الأكثر تبرعا لهذه التنسيقيات. وهناك جهود شعبية كبيرة تبذل لإعانة الأشقاء السوريين بقدر المستطاع في ظروفهم الحالية التي نسأل الله ألا تدوم أطول من ذلك.
خامسا: لا ينكر أحد أن هناك حالات زواج حدثت بين مصريين وسوريات، بعضها تم بصورة طبيعية، وقام فيها الزوج المصري بتوفير كل مستلزمات المعيشة لزوجته كما يحدث حين يتزوج من مصرية تماما، وهذا باعتراف مواطنين سوريين، وبعضها الآخر كانت فيه شبهة استغلال للظروف القاسية التي يمر بها أهل الزوجة، ولكن من الخطأ أن يتم تعميم هذه الحالات القليلة التي وقع فيها استغلال وتصويرها على أنها “ظاهرة”، وخاصة أن كل المجتمعات ومنها المجتمع المصري يشهد من وقت لآخر زيجات بين مواطنيه فيها شبهة استغلال ناتجة عن عدم التكافوء بين الطرفين، وخاصة حين يتعلق الأمر بفارق السن بين الزوجين.
سادسا: أن إحدى المشكلات التي تعاني منها مصر الآن هي عدم تجاوب الجهات المسؤولة مع ما يجري على الأرض بالصورة الواجبة عليها، وفي شأن زواج المصريين من سوريات لم نسمع حتى الآن تصريحا رسميا واحدا ينهي هذا اللغط ويكشف عن الحقائق للناس، وبالتالي ظل موقف الدولة غامضا من هذه الزيجات وخاصة تلك التي تتم بعيدا عن الجهات الرسمية، وهو ما يحمل الدولة المصرية الجانب الأكبر من المسؤولية عن انتشار كل هذه الشائعات والأساطير حول الزواج من السوريات في مصر.