كتاب 11
هجوم غير طيب ضد الشيخ الطيب
يشن أنصار جماعة الإخوان في الكويت حاليا هجوما على شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، بمناسبة زيارته للكويت بدعوة من أميرها.
الهجوم مفهوم، فقد وقف الشيخ الطيب موقفا مؤثرا وحاسما في تخليص مصر من فتنة كانت تراد لها باسم الدين، وبموقفه، وهو واحد من أرسخ شيوخ الأزهر في السنوات الـ50 سنة الأخيرة، حرم الدعاية الإخوانية «الرهيبة» من احتكار الحديث باسم الدين، كما هو ديدنهم، في سوق السياسة.
الشيخ الطيب حمى الإسلام من وحل الاستنزاف السياسي، وأبان بموقفه أن الدين والإسلام ليس ملكا حصريا لجماعة بديع ومرسي والشاطر، ومعهم حازم والزمر وعبد الماجد والظواهري، بل هو دين الأمة كلها على وجه الأرض، وعمره أكثر من 14 قرنا، وليس محدودا بلحظة قرار حسن البنا إنشاء جماعته قبل أقل من قرن من الزمان.
غير أن الظريف في هجوم أنصار الإخوان في الكويت على الشيخ الطيب هو ما قاله الداعية نبيل العوضي، على حسابه بـ«تويتر»، حسبما نقل موقع «سي إن إن». قال العوضي: «أحمد الطيب الذي تستقبله الدولة عندنا يسخر من حديث صحيح للرسول (صلى الله عليه وسلم)!».
والحق أنه من المستحيل أن «يسخر» أي شيخ مسلم من القرآن والسنة، ربما ينقد نصا «منسوبا» للسنة، وهو لا يعتقد صحة نسبته، أو يخالف في طريقة فهمه، هذا أمر آخر. لكنه اللجاج في الخصومة لدى هذا الداعية وأمثاله.
لو سرنا على هذا النهج الهجومي فإن الترابي والغنوشي لديهما كثير من هذه الآراء الجريئة في فهم الدين والفقه، لم تثر حفيظة أنصار الجماعة، بسبب أنهما مع الجماعة سياسيا.
باختصار، استخدام التشويه الديني ليس الغرض منه الحمية للدين، بل الحمية للسياسة باسم الدين.
هذا يذكرنا بقصة تراثية كاشفة.. فهناك شاعر عباسي اسمه علي بن جبلة ولقبه «العكوك» عاش في عهد الخليفة المأمون، وكان الأخير غضب عليه، وسبب الغضب أن الشاعر مدح قائدا وزعيما شهيرا هو أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي.. ومما قاله:
«إنما الدنيا أبو دلف.. بين مغزاه ومحتضره
فإذا ولّى أبو دلف.. ولت الدنيا على أثره»..
ولما بلغت المأمون هذه الأبيات طلبه، فهرب منه، لكن قبض عليه في الأخير، ولما أحضر الشاعر المسكين بين يديه دار هذا الحوار:
المأمون: «ويحك.. فضلت القاسم بن عيسى علينا؟».
الشاعر: «يا أمير المؤمنين. أنتم أهل بيت اصطفاكم الله من بين عباده، وإنما فضلت القاسم على أشكاله وأقرانه».
المأمون: «والله ما أبقيت أحدا.. ومع هذا فلا أستحل قتلك بهذا، لكن بكفرك حيث تقول في عبد ذليل:
(أنت الذي تنزل الأيام منزلها.. وتنقل الدهر من حال إلى حال)
ذاك الله يفعله، أخرجوا لسانه من قفاه». ففعلوا وقتلوا المسكين!
ما يغضب أنصار الإخوان من الشيخ الطيب الآن ليس الدين بل السياسة، والتشويه الديني جزء من الحرب السياسية.