مصر الكبرى
نجوى عماد تكتب … عفوا .. لقد نفذ رصيدك الاجتماعى
لامشاعر في ( البيزنس) .. كانت هذه هي الحكمة القديمة التي آمن بها الكثيرون … لكن الواقع الآن يفرض تغييرات سريعة في قواعد نموذج التنمية الاقتصادية الاجتماعية … يجعل من الواجب أن تعيد منظمات الأعمال اكتشاف القلب والمشاعر لتعمل جنباً إلى جنب مع العقل المنطقي والتجاري الذي سيطر وحده على مجريات الأمور خلال الفترة الماضية.
منظمات الأعمال تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى أن تبني رصيدا من تعاطف المجتمع معها، وأن تتحصن بغطاء اجتماعي يحصنها في زمن الأزمات، قبل أن تلفظها المجتمعات التي تعمل في محيطها .لقد اطلقت العولمة، ومعها الثوره التكنولوجية، ومن قبلهما الثورة الصناعية طاقات القطاع الخاص وشركاته .. فاستفادت من ذلك كيانات اقتصادية مختلفة وانطلقت لكي تتطور وتصبح شركات عملاقة وعابرة للقارات. لقد أصبح لهذه الشركات موازنات توازى – و أحيانآ تفوق – موازنات دول بكاملها ، و بالتالى صارت لها سطوة كبيرة فى العملية السياسية و صناعة التشريعات .. وهو ما أدي الي نشوء أوضاع بعيدة عن تحقيق العدالة الاجتماعية و خدمة المواطن البسيط … أوضاع تخدم هذه الشركات وربما لا تخدم قطاعات كثيرة مهمشة في المجتمع.وأدى هذا إلى خلل فى التوازن الإقتصادى الإجتماعى، ونتج عنه عدة أزمات مثل أزمة الانهيار الاقتصادى فى 2008، والأزمة الاقتصادية العالمية الحالية … مما دفع الحكومات … بما فيها حكومات الدول الرأسمالية مثل الولايات المتحدة الأمريكية – إلى التدخل لنجدة الشركات والبنوك التى انهارت وأفلست – وتبخرت معها مدخرات وأصول ملايين البسطاء – … وقامت الدول بتمويل مبادرات الإنقاذ من أموال دافعى الضرائب – البسطاء أيضاً. و هنا ظهرت نتائج هذه المفارقة – أن الشركات وطبقة معينة تستمتع بثمار النمو الاقتصادي الزائف – ثم يدفع الفقراء ثمن فاتورة الإنقاذ … وألهمت الثورة المصرية حركة احتلوا وول ستريت Occupy Wall Street (OWS) بما لها من رمزية كبيرة، وتمددت الحركة وانتشرت في دول ومدن كثيرة فى العالم.و أصبح من الواضح أننا ننظر إلى مستقبل سيتغير فيه شكل الاقتصاد وهياكل الملكية، مع اتجاهات لإعادة تقسيم كعكة القيمة المضافة على مختلف الأصعدة. وإذا لم تبدأ الشركات اليوم فى التفكير فى شكل هذا المستقبل ، وتبداً على الفور في بناء رصيد اجتماعي جدي، سنرى موجات للتحول فى السياسات الاقتصادية، وتوجهات لتقليص دور القطاع الخاص لصالح أشكال أخرى من الملكية الجماعية.ان هذا يتطلب الآن من الشركات بصورة فردية وأيضاً بصورة جماعية – من خلال منظمات ومنتديات الأعمال – أن تنظر لكيفية بناء رصيدها الاجتماعى لدى المجتمعات المختلفة، ويتطلب أيضآ أن تصبح المسؤولية الاجتماعية أعمق بكثير من مجرد وسيلة دعائية أو أداة من أدوات الإعلان الفج لتحسين صورة الشركات بصورة سطحية.يتطلب الامر أن تنتمي الشركات بحق كمواطن للمجتمعات التي تعمل فيها وأن تشعر بآلام و آمال أفراد هذه المجتمعات، وأن تبدأ بدورها فى أداء واجبات ومسئوليات المواطنة وخدمة هذه المجتمعات لتحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال توسيع إتاحة الفرصة، سواء بالاستثمار فى مشروعات تحسين التعليم أو المساهمة فى تطوير البنية الأساسية، لتصبح مواطنة الشركات Corporate Citizenship أعمق من مجرد فكرة تخصيص بعض الموازنات الهامشية لبعض المشروعات الشكلية التى تحسن الصورة العامة للشركة. بل على الشركات أن تبدأ فى الإمساك بدفاتر لحساب رصيدها الاجتماعي كما تمسك بدفاتر حسابية لمختلف أصولها وأرصدتها المادية والمعنوية، وأن تبدأ فى بناء هذا الرصيد الإجتماعى بطرق مبتكرة تؤدي لنتائج ملموسة على الصعيد المجتمعي. على الشركات أن تدرك أن رصيدها الاجتماعى يوازى فى الأهمية رصيدها البنكى، لأنه أيضآ سوف يحدد فرص بقائها ونموها. لم يعد كافيآ أن تمتلك الشركات الأصول المالية، بل يجب أيضآ أن تبني في أرصدتها الاجتماعية والعاطفية، وتضع أسسا متينة لعلاقات صداقة بينها وبين المجتمعات التي تعمل بها، علما بأن الصداقة الحقيقية تقوم على التعاطف والتضامن، والإحساس بمشاكل المجتمع و التجاوب معها، بتخصيص الوقت والجهد والاهتمام للمشاركة في حل مشاكل المجتمع، وأيضاً تخصيص الميزانيات التي يمكن أن توجه لمشروعات وحلول حقيقية، تتناسب مع حجم اهتمام الشركات بالمجتمعات الذى تعمل فيها، ويتطلب أيضآ مشاركة واسعة وجدية لتحديد أوجه الإنفاق، ونحن مثلاً ننصح الشركات أن تبدأ فى تكوين ما يشبه لجان لتسيير مشروعاتها الاجتماعية، ينضم لها مفكرون وكتاب وأكاديميون وشباب ومسئولون من المجتمع المدنى، بجانب مسئولي تلك الشركات، لتتكامل الخبرات والجهود، وتولد شراكة حقيقية بين المجتمع والشركات، لتحديد أولويات التنمية وكيفية إدارة مشروعات المسئولية الاجتماعية، و يتطلب هذا أن يكون هناك تركيز أكبر على خرائط الاحتياجات وقواعد بيانات تتيح المعلومات المطلوبة للدراسة والتخطيط والتنفيذ لهذه المشروعات بنجاح وكفاءة على أرض الواقع.أيضآ لوحظ أن بعض الشركات تقوم بتخصيص موازنة معينة لمشروعات المسؤولية الاجتماعية و تقوم بتخصيص أضعاف هذه الموازنة للدعاية الفجة المبالغ فيها حول هذا المشروع أو ذاك. مما يؤدى أحيانآ إلى تأثير سلبى لدى المجتمع، لأن المتلقى يدرك فورآ أن الشركة غير جدية فى مسؤوليتها الإجتماعية بل تستخدم المشروعات لمجرد الدعاية والطنطنة لها، فبناء علاقات الصداقة المخلصة لا يأتى من خلال الكلام الأجوف أو الإعلانات الراقصة، بل يأتى من خلال السلوك والعمل الذي يعكس بصدق عمق المشاعر، ويقوم التواصل المباشر ورؤية النتائج على أرض الواقع بدور أفضل من أي كلام في توصيل رسالة الصداقة للمجتمع الذي يتحدث بدوره عن الإنجازات وقصص النجاح في الشراكة بين الشركات والمجتمع بتلقائية وصدق. وهذا فقط بعض مما يجب عمله … حتي لا ينفذ رصيدك الاجتماعي، ومعه مختلف الأرصدة الأخرى …
نجوى عماد : خبير العلاقات العامة