كتاب 11

07:56 صباحًا EET

الكل يقتل من يحب

مناقشاتنا وخصوماتنا الأدبية معروفة. عشاق الشعر الحديث وعشاق الشعر العمودي. عشاق المتنبي وعشاق المعري. عشاق الأدب الغربي وعشاق الأدب العربي. كثيرا ما يحتدم النقاش لحد الزعل وتبادل المسبات والطعون. بيد أنني لم أسمع عن أحد يشهر السلاح ويقتل خصمه دفاعا عن رأيه. رغم أنني سمعت بأن بلند الحيدري ونجيب المانع شهر كل منهما حذاءه ليضرب الآخر. ولكن لم يمت أحد منهما في المعركة القوندرية. قد يعود ذلك لضعف وضحالة ما نراه ونؤمن به فكريًّا.

ولكن هذا ما فعله أديبان روسيان، كما قرأت أخيرا. احتدم النقاش بين معلم الأدب الروسي وصديقته بشأن الشعر والنثر وأيهما أفضل من الآخر. اشتد النزاع بينهما أثناء الأكل إلى حد أن التقط الرجل سكينة الطعام وضرب بها صديقته ضربة أفضت إلى موتها.

ذكرتني الحادثة بقصيدة أوسكار وايلد الشهيرة «أنشودة سجن ردنغ». كان يقضي مدة محكوميته عندما استفاق عند الفجر على ضجيج عال من أصوات الصحون والطناجر، وهو ما يفعله السجناء عندما يساق أحدهم إلى المشنقة احتجاجا وتعاطفا معه. سألهم ما الخبر؟ قالوا كان شابا قتل حبيبته. استثاره الأمر فأوحى له بكتابة هذه الأنشودة الخالدة التي قال فيها:

«نحن كلنا نقتل من نحب.

فليسمع الجميع هذا الكلام:

يقتل بعضنا من يحب بنظرة قاسية

وبعضنا يقتل من يحب بالمديح الكاذب

الجبان يقتل بقبلة

الشجاع يقتل بخنجر

ولكننا جميعا نقتل من نحب».

وبودي أن أضيف فأقول: والكاتب يقتل بكتاب. حدث لي ذلك أخيرا. سمعت بأن اده، زوجتي الأولى التي فارقتني قبل خمسين سنة، أصبحت مقعدة طريحة الفراش وتعيش بمفردها. تألمت لمصيرها. وبفكرة العفو والغفران التي آمنت بها طيلة حياتي ذهبت إليها لأواسيها وأساعدها. قالت: سمعت أنك نشرت عدة كتب. سمعت أنك كتبت سيرة حياتك. أريد أن أقرأها. قلت لها: لا، ابعدي عنها. ستؤلمك. فيها الكثير عنك. ورغم تحذيري لها أصرت على طلب نسخة لتقرأها. جئتها بها. رن التليفون في أواخر المساء. قالت: قرأت كل كتابك. وأقلقني ما قرأت. أرجوك تعال لي الآن لأشرح لك. إنني ما زلت أحبك. لن أنام حتى تأتي. ذهبت إليها وجرى بيننا حديث أليم. بعد بضعة أيام أصيبت بنوبة قلبية. أسرعت إليها لآتيها بدكتور قلب. قرروا نقلها إلى المستشفى فورا. وقبل أن أراها ثانية لأقول لها أنا أيضا ما زلت أحبك، لفظت أنفاسها الأخيرة.

التعليقات