تحقيقات

04:42 مساءً EET

بي بي سي: الأزمة المالية في قطر تقلل سقف طموحاتها

لم يكن يعرف الكثيرُ من المراقبين الشيخ تميم بن حمد آل ثان، أمير قطر الجديد، عندما خلف أباه الشيخ حمد.

وكان ينظر للأمير الشاب، البالغ من العمر 33 عامًا والذي تخرج في أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية البريطانية، باعتباره محافظا وحذرا، وهي صورة على النقيض من الصورة اللامعة التي عرف بها أمراء الخليج.

وورث الشيخ تميم بلدًا تعثرت طموحاته لأن يكون قوة إقليمية -بل وعالمية- بعد أن كان يملك آمالًا كبيرة.

فقد جاء دعم قطر للحركات الإسلامية في بلاد الثورات العربية: تونس، وليبيا، ومصر، وسوريا، بنتائج عكسية، كما أدى إلى توتر العلاقات بينها وبين حلفائها في الغرب والخليج على حد سواء.

وفي نفس الوقت علت أصوات المحافظين في قطر في معارضة لما يرونه استيرادا كاملا للثقافة والمؤسسات التعليمية الغربية.

لكن الأمير الجديد سعيد الحظ لأنه على الرغم من صرف مئات المليارات التي تحاول تلبية عدد من الطموحات إلا أن خزائن الدولة لا تزال ممتلئة.

ويعد الناتج المحلي الإجمالي في قطر، التي يبلغ عدد سكانها مليوني شخص، يقدر عدد القطريين بينهم بـ 275 ألف شخص، هو الأعلى على مستوى العالم، كما تتمتع بأدنى مستوى للبطالة.

وكان جهاز قطر للاستثمار، وهو صندوق ثروة سيادي تابع للدولة، يملك أصولا تقدر بـ 115 مليار دولار في نهاية عام 2012.

وفي ظل وجود هذا القدر الكبير من المال من السهل توقع أن القطريين سيقومون “بالصرف، والصرف، والمزيد من الصرف”، أي استخدام كل ما لديهم من ثروة.

وبالفعل لقد استطاعت قطر شراء عدد من البنوك حول العالم، ونواد لكرة القدم في أوروبا، وعقارات في قلب العاصمة البريطانية لندن حيث تقع أحد أكثر العقارات الأعلى سعرًا في العالم.

كما تدعم قطر مجموعات متمردة مسلحة تسعى لإسقاط حكام ليبيا وسوريا، كما ضخت البلاد مليارات الدولارات فيما بدت وكأنها محاولة غير مجدية لدعم حكومة رئيس مصر الإسلامي المعزول محمد مرسي.

ومن ناحية أخرى خصصت الإمارة المليارات أيضًا لتمويل برنامج قطر الوطني للأمن الغذائي الذي يهدف إلى تحقيق أقصى استفادة من أراض البلاد ومواردها من المياه.

 دعمت العائلة المالكة في قطر الكثير من المشاريع العلمية والثقافية والتعليمية دعمًا ماليًا كبيرًا

ولا يجب أن ننسى أيضًا فاتورة إقامة كأس العالم لكرة القدم لعام 2022.

وكان طموح الإمارة في البداية هو تجهيز 12 ملعبا مكيفا، وبنية تحتية موسعة لتسهيل التنقل، بل وبناء مدينة جديدة بالكامل، وقد قدر بعض الخبراء تكاليف ذلك بـ 200 مليار دولار.

كما أنفقت الدولة أيضًا أموالًا طائلة على الثقافة والفنون والتعليم، وتدير كل من الشيخة موزة، زوجة الأمير السابق الشيخ حمد، وابنتهما ميساء، مؤسسة قطر، وهي بمثابة إمبراطورية ذات قوة ناعمة تهدف لتعزيز صورة قطر الدولية.

وتترأس الشيخة موزة المؤسسة التي تأسست عام 1995 بهدف “تحويل اقتصاد دولة قطر إلى اقتصاد قائم على المعرفة عبر الارتقاء بالقدرات البشرية.”

كما أشرفت الشيخة موزة وابنتها أيضًا على إنشاء متحف الفن الإسلامي الذي افتتح في 2008، والذي يضم أحد أكثر المجموعات الأثرية الفريدة على مستوى العالم.

لذا يبدو أن العائلة وغيرها كانت تعتقد أن الأموال لهذه المشاريع المستمرة لن تنتهي، ولكن عندما تولى الأمير الشاب حكم البلاد بدأت بعض المخاوف بالظهور على الساحة.

وكانت مؤسسة قطر قد قلصت في سبتمبر/أيلول الماضي من خدمات إذاعتها الطموحة التي تُبث باللغتين الإنجليزية والعربية.

وبعدها بأربعة أشهر، سرّحت مؤسسة الدوحة للأفلام عشرات العمال وأرجأت افتتاح مهرجان “قمرة” السينمائي، الذي كان مقرر عقده في مارس/آذار من العام الجاري.

 يضم متحف الفن الاسلامي في الدوحة مجموعة فريدة جدًا ومميزة على مستوى العالم

وبعد أن أعلن برنامج قطر الوطني للأمن الغذائي أنه يأمل في أن تنتج بلاده 70 في المئة من غذائها بحلول 2023، يستهدف البرنامج حاليا نحو 40 في المئة الإنتاج المحلي.

ويأتي ذلك في الوقت الذي ابتعد فيه الشيخ فهد العطية، الذي يعد القوة الدافعة لهذا البرنامج، والذي كان يشغل رئيس البرنامج التنفيذي.

ويصف خبراء تراجع الدوحة هذا بأنه “قرار رشيد”.

واعتبر جيم كرين، الخبير في شؤون الطاقة بالخليج، برنامج الأمن الغذائي “قرارا خاطئا”، وقال إن “استثمار البرنامج في مجال الزراعة لم يكن له أي معنى”.

وأضاف كرين أن احتراق الغاز الطبيعي المستخدم في تشغيل محطات تحلية المياه، التي يمكنها توفير المياه اللازمة لري المحاصيل الزراعية في الصحراء، يزيد من انبعاثات الكربون الهائلة والموجودة بالفعل في قطر.

وتابع: “سيزيد الأمر من ارتباك قطر، خاصة أنها تحتل المركز الأول من حيث نصيب الفرد من الكربون في العالم”.

لكن مدير إدارة الاتصال في برنامج قطر الوطني للأمن الغذائي، جونثون سميث، قال إن البرنامج لا يزال يأمل أن تعمل أنظمة تحلية المياه بالطاقة المتجددة وحدها وليست بالغاز الطبيعي.

وأضاف أن سيناريو الـ 40 في المئة من الإنتاج المحلي من الغذاء “يستخدم نفس المساحة التي تستخدمها عملية الإنتاج الحالية، بالإضافة إلى أقل من ثلث كمية المياه، لتوفير 5 أضعاف المواد الغذائية”.

اعتبر الكثير من أهل قطر معدل التغييرات التي كان يجريها الأمير السابق سريع جدًا

وقال الدكتور كريستيان كوتس أولريخسن، الباحث فى الشأن الخليجي، إن قطر بحاجة إلى الابتعاد على نحو حاسم عن سياسات عدم الادخار التي تنتهجها خلال السنوات الماضية.

وأضاف أن “المشكلة التي يواجهها أمير قطر، الشيخ تميم، هي التزام بلاده باستضافة كأس العالم 2022 وإنفاق عشرات المليارات على البنى التحتية التي يتطلبها إقامة المونديال”.

ويأتي ذلك في الوقت الذي لم يعد يتكلم فيه القطريون عن بناء 12 ملعبا، بل تقول “اللجنة المحلية لقطر 2022” الآن إنها تعطي الأولوية حاليا لبناء ثماني ملاعب.

وعلى الرغم من تقليص عدد الملاعب في مثل هذه الدولة الصغيرة، فإن دعم الشيخ تميم للمونديال لا يزال قويا، وسيعتبر أي حديث عن الانسحاب منه ضربة قوية لصورة قطر الدولية.

وفي حين تبتعد قطر عن أي مشاريع ستكلفها الكثير، فإن هذا المونديال التي يعد الأول من نوعه بالنسبة لها سيظل عبئا على الشيخ تميم أن يتحمله.

لكن تخفيض تميم للنفقات في مجالات أخرى سيكون عاملا جيدا بالنسبة للشارع القطري، الذي يعتبر وتير التغيير التي أرساها والده ووالدته سريعة جدا وتبعث على الراحة

 

التعليقات