كتاب 11
الله والدين والسلطة ..ونقاط فاصلة!
فى ظل تلك الأجواء الموَّارة بالاحتقان فى الشارع السياسى المصرى .. وخضوع بعض العقول ــ رغم حمل أصحابها للدرجات العلمية الرفيعة ــ فانه يستوجب علينا مناقشة بعض النقاط التى يجب أن يستوعبها العقل الواعى والمنطق السليم المستنير أو الذى يجب العمل على استنارته ؛ فى مواجهة تلك المعضلات التى باتت بمثابة قنبلة موقوتة فى المجتمع المصرى ؛ بل والعربى إذا جاز التعبير .
تلك النقاط التى تتعلق بالعلاقة بين ( الله ) وتعاليم ( الدين ) .. تلك العلاقة الأزلية التى من أجلها أمدَّ الله جسوراُ بينه وبين عباده .. واصطفى من عباده ( رسُلاً ) ليكونوا بمثابة تلك الجسور التى تمتد بين الله وبين البشرية . وفى الحقيقة أنه منذ خلقت الأرض ومن عليها .. فان الإنسان دائم البحث عن كنه الخالق الأعظم .. ويزداد الايمان بوجوده كلما زاد عجزه عن ادراكه سبحانه وتعالى ؛ ولنا فى موقف الفنان الرسام النحَّات ( مايكل أنجلو ) عظة وعبرة ؛ عندما نظر إلى صخرة كبيرة وقال : هنا يرقد ( موسى !! ) أى انه تخيل أن بداخل هذا الحجر سيدنا موسى عليه السلام .. وبالفعل قام بنحت التمثال من الحجر الذى اختاره ؛ وقام بنحته ببراعة وبكل التفاصيل الدقيقة .. الأمر الذى جعله يتخيل نفسه إلهاً يستطيع أن ينطقه حين يطلب منه الكلام ؛ وحين شعر بالعجز لإحساسه بأن هناك قوة رهيبة هى الوحيدة القادرة على أن تمنحه تلك الهبة الرائعة ..
قام بضربه بمطرقته فكسر ركبته وهو يصرخ فيه : انطق !! وعند الخوض فى تلك الموضوعات التى تعتبر شائكة فى مواجهة فهم بعض العقول .. لابد أن نعترف أنها كانت محل جدل طوال عقود من الزمان .. خاصة فى الـ 1432 سنة الأخيرة من عمر الدنيا ؛ أو بالأحرى هى عدد سنوات ظهور الاسلام وانتشاره على ظهر البسيطة .. وحتى نكون على اتفاق مسبق قبل الخوض فى تفكيك تلك المعضلات ؛ علينا أولاً الاحتكام إلى ماقاله العلامة ( محيى الدين بن عربى ) حين قال : العجز عن درك الادراك .. إدراك ؛ والخوض فى ذات الله .. إشراك !! إذن فنحن نتفق على وجود تلك القوة الهائلة التى تدير الكون دون الدخول فى تفاصيل التفاصيل ؛ ونأخذها مسلمات يعجز العقل البشرى عن اجتيازها ؛ وهى مايسمى فى علومنا الحديثة بالميتافيزيقا أو ماوراء الطبيعة .. واذا اتفقنا على تلك النقطة وهى متفق عليها بالفطرة والطبيعة الانسانية السوية ؛ بعيداً عن تشكيك من يعتنقون الإلحاد واللادينيين !! فسنجد أنفسنا ننتقل إلى محاولة ( تقنين ) تعاليم هذا ( الدين ) الذى هو فى الأساس اعتراف بوحدانية الله فى ملكوته ؛ والاعتراف بأنه ( هو ) المتصرف فى هذا الكون منذ نشأته.. ومنذ خلق ( آدم ) ليكون خليفته فى الأرض .
ثم توالت الأحقاب الزمنية على البشرية .. وفى كل حقبة كان ( الله ) يبعث رسولاً من لدنه يحمل التعاليم التى يجب أن يسير عليها البشر فى تلك الأزمنة .. كوسيلة إلى معرفة الله والوصول إليه وطلب مرضاته وعفوه .. وصولاً إلى ( الجنة ) التى وعد بها بعد مغادرتهم العالم إلى العالم السرمدى الدائم . وهنا كانت البداية لتفرع الطرق والدخول فى متاهات عن كيفية الاقناع والاقتناع بما جاء به هذا الرسول أو ذاك .. وتوقف هذا على مدى قناعة الجماعة وإيمانها بالمعتقد الجديد . ولكن كيف يكون الإقناع والاقتناع لأولئك البشر ؟ لابد من سلطة .. والسلطة تعنى الحكم .. والحكم يعنى القوة والسيطرة ؛ والقوة يتبعها خوف أو نفاق ؛ والنفاق يتبعه عدوانية على من يخالف صاحب القوة والسلطة .. ومن هنا تولد العداء لمن يتوهمون أنهم أصحاب ( صكوك الغفران ) لكل من يخالفهم الرأى .. ثم بدأ بعض العلماء فى التفسير للآيات سواء القرآنية أو الانجيلية .. حسب مايراه صالحاً لامتداد تعاليمه وحسب قوته وسيطرته على العامة والبسطاء والدهماء .
إذن .. لابد أن تكون القناعة بـ ( الدين ) متروكة لكل ذى عقل يفكر فيه بالطريقة التى يراها ؛ وحسب تكوينه الفكرى والثقافى ؛ فالله لايحتاج إلى وساطة (أصحاب السلطة) والقوة والجاه والمال والنفوذ .. فالدين بعيد تماماً عن التقسيم فى العرق والجنس واللون فهذا كله من صنع ( الحاكم ) الذى يريد فرض سلطانه ؛ دون سلطان الله على عباده ؛ وتلك هى التى تشعل الحروب وتفرق الطوائف .. وكل ( حاكم ) يعلم تماماً أنه لن يملك السيطرة على شعبه إلا بإشعال تلك الطائفية العقائدية بين الحين والآخر .
وليس أدل على ذلك من تلك التفرقة التى نشأت فى العالم الاسلامى منذ ( واقعة التحكيم ) ورفع المصاحف على أسنة الرماح فى خديعة كبرى أسماها المؤرخون ( الفتنة الكبرى ) وتفرقت بعدها الأسلامية إلى ( سنة/شيعة/مرجأة /خوارج /…………..الخ ) تلك الطوائف التى لاتمت إلى صحيح الدين بشىء على الإطلاق .. ولكنها كانت تفرقة أطماع فى الحكم والاستيلاء على مقدرات السلطة والقوة . والرعية بحكم تكوينها العقائدى .. ترفض فرض ( تابوهات ) جامدة لاتقبل إعمال العقل والتفكير .. فرفضت عبر كل العصور تلك المقولات التى يحاول ( الحاكم ) فرضها على الرعية لاتباع مايتبعه من عبادات .. كما رفضت الرعية فى الزمان القديم أن يقوم ( إخناتون ) باختياره ( الشمس ) إلهاً يقدم إليه القرابين والأضحيات ويحاول أن تلتزم الرعية من العامة والدهماء به .. ومن خضع لهذا فإنه كان خوفاً لاخضوعاً بقناعة العقل والمنطق ؛ ولأن الرعية رأت أن ( الحاكم ) يسجد للإله الذى اختاره وفرضه عليهم فى ( الظل الرطيب !! ) ويترك الرعية فى هجير الشمس .. ولم يعط القدوة والمثل ليسجد معهم أيضاً فى هذا الهجير ؛ ففطنت الرعية الى أن هذا محاولة من الحاكم للاذلال والسيطرة والإخضاع لرعيته .. دون قناعة حقيقية بما فرضه عليهم . ومن هنا كانت الثورات التى اندلعت ضد ( الحاكم ) و ( الحكم ) .. لتختار من تدركه عقولهم بالفطرة التى جبلهم الله عليها .
واخيراً .. فان ( الله ) جل وعلا .. منزَه تماماً عما يضعه ( البشر ) من أحكام وقوانين تفرض شكل ومفاهيم ( الدين ) الذي يرونه من وجهة نظرهم .. ليس فى سبيل الله ايماناً واحتساباً ؛ ولكن فى سبيل كرسى الحكم وزهوه وسلطته .