كتاب 11

07:57 صباحًا EET

المال السياسى بعد ثورة 25 يناير

رغم أن مصر تعانى من أزمة اقتصادية طاحنة وهروب للأستثمارات وتضخم للديون وشبه موت لقطاع السياحة  وتدنى معدل النمو وتفشى البطالة وزيادة حدة الفقر مع تراجع واسع فى مستوى المعيشة، وتراجع خطير فى الاحتياطيات النقدية وكذا تراجع فى سعر العملة، وأزمات هيكلية خطيرة فى الاقتصاد،إلا أنه على الجانب المقابل  يوجد أنتعاش بل وافراط فى نمو المال السياسى الذى يصب بالمليارات على الساحة المصرية، وقد قدر وزير المالية الأسبق سمير رضوان المال السياسى الذى تم ضخه فى مصر عام 2013 فقط بحوالى 12 مليار دولار وهى تمثل الفرق بين تحويلات المصريين فى الخارج التى تدور حول رقم 6 إلى 8 مليار دولار سنويا وتحويلاتهم التى قفزت إلى 18 مليار دولار العام الماضى، ولا يوجد تفسير لديه لهذه الزيادة غير الطبيعية سوى تسارع تدفق المال السياسى على مصر،حتى اصبحت مصر مسرحا  عالميا واقليميا هاما لاستثمار المال السياسى فى السنوات الثلاثة الأخيرة. وقد يظن البعض أن هذا المال الموظف سياسيا يأتى من أمريكا،وهذه للاسف معلومة خاطئة تماما حيث أن أمريكا والاتحاد الأوروبى هم الأقل استثمارا فى هذا الصدد داخل مصر.

من أين يأتى المال السياسى إذن؟ وما هى مجالات توظيفه؟،وما هو العائد المرتجى منه بالنسبة لمستثمريه؟.

يأتى المال السياسى من قطر والسعودية والامارات والكويت وتركيا وإيران، ومن التنظيم الدولى للاخوان المسلمين، ومن الكثير من رجال أعمال مبارك، ومن رجال أعمال اخوان أو مساندين للاخوان داخل مصر، ومن بعض مؤسسات الدولة العميقة فى مصر ، والقليل من هذا المال يأتى من أوروبا وأمريكا وكندا واستراليا.ويصب هذا المال فى كل الاتجاهات والزوايا المتعلقة بالعملية السياسية وتوجهات الرأى العام داخل مصر أو وضع مصر على المستوى الدولى، فى محاولة من كل طرف لصياغة مستقبل مصر بالطريقة التى يريدها.

ففى ظل هذه الأزمة التى يعانى منها الشعب المصرى إلا أن حالة الإعلاميين منتعشة ويحصل العديد منهم على الملايين وكأننا فى أمريكا وذلك على الرغم من أن معظم الجرائد والتليفزيونات تخسر مئات الملايين سنويا،فلماذا يستثمر رجل أعمال فى مشروع وهو يعلم تماما أنه خاسر؟. انظر كذلك إلى السلفيين والاحزاب السياسية الدينية وكثير من الشخصيات السياسية والعامة ونشطاء ثوريين شباب،الكل يلعب بالفلوس لعبا بدون أن يسأله احد عن مصدر هذه الاموال، لدرجة ظهور وظائف مربحة جدا أسمها ناشط سياسى وناشط ثورى مع تراجع واضح لدور ومكاسب من يطلق عليه ناشط حقوقى.

هناك صراع فى مصر بين اتجاهين كلاهما يمثل خطرا على الثورة وعلى مستقبل مصر.

الاتجاه الأول يمثل تيار الاخوان المسلمين وحلفاءهم من التيارات الإسلامية الأخرى وكل المتعاطفين معهم من المسلمين المحافظين وكذلك جموع العاملين فى المشروعات الضخمة والصغيرة التى يملكها ويديرها رجال أعمال اخوان ، وعدد لا بأس به من البلطجية يمكن لهذا الطرف توظيفهم بالمال مع مساندة ودعم من تنظيمات الإرهاب الإسلامي عالميا،وهؤلاء ليسوا بالاعداد الهينة إذ  أنهم فى تقديرى يقتربون من خمسة ملايين شخص.

يستخدم هذا الاتجاه آليات التعطيل والتخريب والتهديد. تعطيل الأقتصاد والحياة السياسية ودورة الحياة العادية لدى المصريين حتى تسقط مصر اقتصاديا على المستوى الدولى  من ناحية أو يحدث انفجار من جراء الفقر والجوع وتدنى مستوى المعيشة من ناحية أخرى، والتخريب يهدف إلى تخريب كل شئ فى مصر يقع تحت ايديهم،والتهديد بتحويل حياة المصريين إلى جحيم ورعب من جراء استخدام مليشياتهم وجماعات الإرهاب الدولى المتحالفة معهم للعنف أو التهديد به. وقد شبه لى صديق هذا الوضع بحجرة بها مائة شخص واحد فقط يحمل سلاح والباقين عزل فمن الاقوى والاخطر؟ طبعا من يحمل السلاح هو الاقوى والاخطر وهو القادر على تحويل حياة الباقين إلى جحيم؟ فإذا كنا نتحدث عن شخص فما بلك بحوالى خمسة ملايين يسعون للعنف والأنتقام وينطلقون من كراهية كل شئ فى مصر. يستثمر هذا الاتجاه مليارات الدولارات تأتى من قطر وتركيا والتنظيم الدولى للاخوان ومن رجال أعمال اخوان داخل مصر.

الاتجاه الآخر يقترب فى تقديرى أيضا من خمسة ملايين شخص يمثلون رؤوس الفساد والمستفيدين منه فى عهد مبارك سواء فى القاهرة والاسكندرية والمدن الكبرى أو روؤس العائلات الريفية الكبرى ، ومعظم متسلقى وفاسدى الحزب الوطنى المنحل، والانتهازيون والمنافقون الذين يسعون لتحقيق مكاسب مع النظام الجديد، وعدد ضخم من صبيان رجال الأمن منشرين فى الإعلام والاحزاب والمجتمع المدنى، وكذلك المستفيدين من الاستثمارات الضخمة للمال السياسى القادم من رجال أعمال مبارك، وأيضا الكثير من عناصر الجهات الأمنية التى تحن لأيام إذلال وتعذيب المصريين،وهؤلاء قادرون على توظيف عدد كبير من رجال الدين الفاسدين مثلهم، كما أن لهم خبرة كبيرة فى توظيف جيش جرار من البلطجية والمسجلين خطر.

يستخدم هؤلاء آليات التخوين والتهديد والإبتزاز،فكل من لا يوافق على خطابنا السياسى ومشروعنا السياسى هو طابور خامس خائن للوطن ويهدد الأمن القومى لمصر،وقد يصل التخوين إلى تهديد وتهم تطال هؤلاء المختلفين قد تصل إلى السجن بالفعل أو عند الحد الأدنى الإغتيال المعنوى للمخالفين ،والإبتزاز السياسى عبر تصوير كل من يحاول فرملتهم بأنه يدعم الاخوان أو يشجع على عودة المشروع الأخوانى على خطى مبارك نحن أو الأخوان.

هؤلاء أيضا لديهم اموالا طائلة تستثمر فى هذا المشروع. وإذا شبهنا مصر بالتورتة فأن الاتجاه الأول يريد فعص هذه التورتة تحت حذائه انتقاما من الجميع وحتى لا يستفيد منها من ثاروا عليهم،أما الاتجاه الثانى فيريد التهام التورتة كلها وحده وترك الفتات للشعب.

نحن نتحدث عن عشرة مليون شخص لديهم اموالا طائلة للأستثمار فى مشاريعهم،والأهم لديهم خطة ويسعون بنشاط لتحقيقها،أى أننا أمام عشرة ملايين عضو نشط فى المجتمع.يبقى حوالى 80 مليون مصرى يمثلون الاتجاه الرئيسى للمصريين الذين يسعون للأمن والاستقرار وتحسين مستوى معيشتهم،وهم صامتون أغلب الاوقات ولكن الكثيرين منهم خرجوا فى 25 يناير و30 يونيه من آجل مصر المستقبل ومن آجل رفع مستوى الآمل لهم ولابنائهم. هؤلاء مسالمون بطبيعتهم وليس لديهم المال السياسى،ولكنهم مغلوب على امرهم فى هذه المعركة التى تحتدم بين طرفين كلاهما مر وكلاهما يعمل ضد هذا التيار الرئيسى.

نأتى إلى الاستثمار السياسى لدول الخليج فى مصر، وهو له غرض محدد  وهو حماية الأمن القومى الخليجى،فهم يشعرون بأن أمريكا تلاعبت بهم وليست مضمونة، وتركيا لديها مشروع سياسى ضدهم، والاخوان يهددون أنظمتهم،ولهذا يستثمرون فى الجيش المصرى السنى الأقوى والذى له تاريخ فى الوقوف معهم ومساندتهم، وكذلك اتجه بعضهم إلى باكستان ، كما فعلت السعودية ووقعت معها أتفاقية دفاع مشترك، وذلك لكى يكون الجيش المصرى والباكستانى هو الظهير القوى لهم فى صراعهم مع إيران. وهناك أستثمار سياسى أيضا من بعض الجهات الخليجية فى التيار الدينى والسلفى فى مصر وذلك لفرض رؤية دينية وهابية منغلقة ومتزمتة على المصريين.

حتى الجوائز السياسية الكبرى خضعت لما يسمى الأستثمار السياسى ،فهل يعقل أن تحصل توكل كرومان على جائزة نوبل للسلام وأسماء محفوظ على جائزة سخاروف؟، ما قيمة أى منهما حتى يحصلوا على جوائز عالمية كبرى كهذه؟، وماذا فعل أوباما حتى يحصل على جائزة نوبل فى بداية رئاسته لأمريكا؟،ماذا انجز فى حياته حتى حصل عليها ؟،وماذا فعل البرادعى لكى يحصل عليها كذلك؟،ما هو ميراث البرادعى الاخلاقى حتى يمنح هذه الجائزة ولكى يضاف أسمه كمشاركا للوكالة الدولية للطاقة الذرية؟. لقد سقطت قيمة جائزة نوبل للسلام من بين كل جوائز نوبل واتضح أنها مسيسة بأمتياز وتخضع أيضا لما يسمى الأستثمار السياسى ،ولا بد للتشاور مع الولايات المتحدة قبل منحها. أنها جائزة فقدت قيمتها الاخلاقية ولم يتبقى سوى قيمتها المادية. ويبدو والله أعلم أن منح هذه الجوائز لتوكل كرومان ولأسماء محفوظ ولأوباما وللبرادعى كان فى اطار التمهيد لما يسمى بالربيع العربى وتغيير وجه الشرق الأوسط إلى وجه إسلامى.

والسؤال هل هناك آمل أن ينجو المصريين من كلا الاتجاهين لصالح التيار الرئيسى من الشعب المصرى؟. لست متفائلا فى ذلك….. ولكن من يعلم؟ ومن يستطيع التنبؤ بسلوك المصريين؟.

Magdi.khalil@hotmail.com

التعليقات