آراء حرة
د. عاطف عتمان يكتب : السيسي بين المؤامرة والمبادرة
من السهل جدا فى ظل السيولة الحالية وسهولة الطعن واللعن والتخوين وربما التكفير وإستباحة الأعراض والأموال والدماء، أن تكتب مقالا ناريا ويا حبذا لو تصب جام غضبك على المشير السيسي وما يسمى العسكر ،أو الجنرالات ، وتستغل عته المعاتيه من حملة المباخر ومتمرسي النفاق ولاعقى الموائد فى بهارات الحوار .
ربما يصنع لك مثل هذا المقال بطولة زائفة ،وتجد لك مكان وسط الثورجية ؛ لكنني عاهدت ربى وقلمي الذى لم ينفك حظره ويكتب بعد أن كان معقود عن الكلام لعقد كامل من الزمن ، إلا بفضل 25 يناير التي أوصلت رسالة أن الأمل قائم وأن إرادة الشعوب هي القوة الحقيقية وأن للصبر حدود كما غنت كوكب الشرق . حديث الساعة في مصر إنتخابات الرئاسة وترقب إعلان السيسي عن ترشحه فى ظل مغامرة حمدين صباحي الغير محسوبة سياسيا من وجهة نظري ودهاء أبوالفتوح الذى آثر الإحتفاظ بأخر نتيجة حققها لعلمه أنه أفل نجمه، وستكون مغامرة كتلك ؛ آخر عهده بالسياسة التي تاه فى دهاليزها ولم يجد نفسه حتى الآن . تابعت خطابات السيسي فى عهد الرئيس المعزول مرسى وكانت لي قراءة مختلفة لكل خطاب؛ ومنشورة تلك القراءات بتاريخها وأثبتت الأيام صحة ما ذهبت إليه. فقد كان ما يسمى بالفلول إن جاز التعبير وسدنة نظام مبارك يشنون هجوما على الرجل وربطوا ما بين إسم السيسي والحاج عباس السيسي أحد قيادات الإخوان وإتهموه بالعمالة للإخوان أو إنه إخوان ، وهلل الإخوان وحلفائهم لخطابات السيسى فى غباء سياسي منقطع النظير وأغدقوا الوطنية والعقلية الفذة والإخلاص ومنقذ الجيش وصاحب الخلق والدين على الرجل وساهموا بشكل كبير فى صناعة نجم عبدالفتاح السيسي .
كنت أقرأ ما بين السطور وأشم رائحة الخطورة على مصر من رئيس ضعيف محاط بمجموعة من الهواة والدراويش وأقرأ التحذير الجيش نار لا تلعبوا بيه ولا تعلبوا معاه فى سياقه الحقيقي ، وأحذر من خطورة الوضع وأن إستمرار مرسي بعشيرته وطريقة إدارته يقود للهواية. مرت الأيام وأثبتت أنني كنت أقرأ قراءة صحيحة إلى حد كبير . وتأتى معركة الإنتخابات الرئاسية.
وأرى المشير السيسى يقف ما بين المؤامرة والمبادرة . والمؤامرة ليست من جماعة الإخوان التي أودت بها قيادة متغابية إلى الهاوية؛ فهؤلاء واضحون وخطورتهم محسوبة وغبائهم كفيل بهم وتحقيق أهداف 25 يناير الحقيقية وموجتها الثانية فى 30 يونيو هي العلاج الأمثل لقضية تنظيم الإخوان .وعودة الأزهر أزهرا كفيل بفكر الإخوان .
المؤامرة والخطر الرئيسي على السيسي من حملة المباخر وأصحاب المصالح ودولة الفساد التي نخرت فى عظام الوطن حتى صار فى مؤخرة الدول فى كل شيء إلا حوادث الطرق نحتل المقدمة ، حملة المباخر والدجالين من أصحاب إدعاء الدين والتدين والذين يزعمون أنه مرسل من عند الله لحفظ الدين ويشبهونه بنبي الله الكليم فى ظل صمت الأزهر المريب هم المؤامرة المرة التي تتاجر بالمقدسات فى سوق النخاسة السياسية .
من يضعون صورة السيسى بجوار صورة مبارك المسؤول الأول عن الحصاد المر الذى نتجرعه الآن هم المؤامرة أصحاب المصالح ورجال الأعمال الفاسدين ومن يمتصون دماء الشعب على مدى عقود هم المؤامرة .
هم يدعمون السيسى ويؤلهونه أحيانا ويبالغون فى زعامة لم يصنعها بعد بل غرس بذرتها إما تكون وإما تموت ، ويريدون أن يجعلوه مع ذلك تحت السيطرة ليصنعوا منه شبح مبارك من جديد، متغافلين أن جسد البلاد أصابه فقر الدم والهزال والفيروسات وكل الأمراض ولم يعد يتحمل تطفلهم أكثر من ذلك .
وتسريب ما يقال عن ثروة السيسي ما هى إلا محاولة من أباطرة الفساد وأصحاب صالات العهر لإبتذاذ سياسي مفضوح . النخب الفاسدة وعاهري الإعلام ومافيا رجال الأعمال المسيطرة على مافيا القنوات والجرائد الخاصة فى ظل إستمرار عقم الإعلام الرسمي وفساده هم المؤامرة الحقيقية على السيسي وعلى الوطن وعلى أي وطني شريف يريد الخير لهذا الوطن الذين يريدون السيسى مبارك الجديد فى ثوب مختلف يحمى إمبراطوريات فسادهم وعند أول فوران شعبي يكتفون بصفحة على الفيس بوك ويتبرأون منه ويلبسون القميص الأحمر للقادم فهذا عهدهم.
لا الغرب ،ولا أمريكا ،ولا الفاسدين، ولا اللصوص ،يتمنون رئيس مصرى قوى يتمتع بالقوة والدعم الشعبي لأن هذا هو الخطر الحقيقى على مصالحهم ؛هم يريدون تعدد مراكز القوى ومواطن ضعف ينفذون إليه منها عند اللزوم . هؤلاء هم المؤامرة الحقيقة التي يجب أن ينتبه لها المشير السيسى ومازالت المبادرة فى يديه وأمامه فرصة تاريخية لتسجيل إسمه فى التاريخ ليس كناصر ولا السادات كما يردد بعض الهتيفة. ليس من العيب أن يتلمس رسالة عبدالناصر وحنكة ودهاء السادات لكنه لابد أن يكون هو هو وليس مسخا ويرفع شعار لن أعيش فى جلباب أبى.
السيسى تجاوز النخب والأحزاب لحب شعبي حقيقي وملموس لكنه لن يدوم إلا إذا روى هو بذرته بأفعاله وصنع محبته بنفسه وأسس لزعامته فى نفوس الناس بإنحيازاته الواضحة لهم . الحكم الرشيد برئيس لكل المواطنين معارضيه ومؤيديه مهما كان فكرهم رئيس يفرد أجنحته على الجميع وفى يده سيف القانون يسلطه على رقاب من يعبثون بالوطن وأمنه.. يقول علماء التنمية البشرية إن مقومات الزعامة رسالة ورؤية ؛ فلابد للسيسي إن أراد مجدا وصناعة زعامة حقيقية باقية أن يدرك أنها لا تأتى عبر إعلامنا القبيح بل عليه تحديد رسالته بوضوح وإختيار الرؤى الواضحة والمناسبة لتحقيق لتلك الرسالة . إن الإستقواء بالشعب والإلتحاف به هو الضمانة لأن الشعب هو صانع الزعامة .
ويبقى السيسي رهين المؤمرات الصديقة أو المدعية لذلك وهذا مكمن خطورتها وما بين المبادرة التي يملك زمامها ويبقى التاريخ هو الحكم .