آراء حرة
د. أماني فؤاد تكتب : المقيم والعابر .. في حياة المرأة والرجل
كيف تستطيع المبدعة الروائية أن تغوص في التابوهات المجتمعية الجنسية دون الوقوع في شرك الابتذال ؟ وأن تعالج أدق تفاصيلها النفسية والعاطفية لدي كل من المرأة و الرجل ، دون خشية من زوابع الانتقاد من كهنة حراس القيم الأخلاقية و الدينية ، و محاذير العادات والتقاليد في المجتمعات الشرقية شديدة المحافظة ، وشديدة الزيف في تناولها لبعض القضايا الإنسانية ؟ هذا ما استطاعت ” هالة البدري ” القبض عليه “في امرأة ما ”
روايتها التي صدرت في مايو 2001 م ضمن إصدارات روايات الهلال ، لكن حتي الأن يمكن قراءة النص عملا حيويا ومعاصرا لانتماء جوهره السردي للقضايا الإنسانية التي لا يفتأ الفن يجد خصوبتها المتجددة في الديمومة الزمنية ، لا الانقطاع اللحظي . يتميز نص ” امرأة ما ” بلغة شديدة الرقي والانتقاء ، لغة تنزع إلي الشاعرية المكثفة في بعض الفقرات ، ذلك رغم خوضها في أدق المشاعر العاطفية و الجنسية ، والفروق الحساسة للغاية في تفاصيل تلقينا لمشاعرنا ، ودرجة تقبلنا لمن نحيا معهم في دائرة الحميمية ، ونتبادل معهم فاعليات الحياة ، وكيفية ممارسة الحب ، وأليات التعبير عنه
هذا فضلا عن وقوع العمل في منطقة معالجة اجتماعية هي الأصعب من نوعها ، فالعمل يحكي : مأساة فتاة ترتبط برجل دون علاقة حب ، تجمعهم مؤسسة الزواج وتفاصيل الحياة التي تضم الأولاد والأهداف المشتركة ، وتستمر هذه العشرة التي تتميز بالاحترام فيما بينهما ، لكن دون إشباع لعواطف الزوجة أو احتياجاتها ، إلي أن تشعر” ناهد” الشخصية الرئيسية بالعمل بحب يجتاح كيانها ” لعمر” الروائي والصحفي ، المتزوج هو الأخر من “ماجي” ذات الأصول المصرية اليونانية ، والذي كان يربط بينهما حب ، ثم وجود ابنهما شريف .
نجحت الروائية أن تستبطن المشاعر البشرية في مناطقها الشائكة المسكوت عنها ، وأن تصور متغيرات مشاعر المرأة والرجل وفق مراحلهما الزمنية ، وأحداثهما المحورية بحياتهما ، أن تعبر عن كل ما هو متداخل وبيني من مشاعر الأنثى التي مهما لاقت من نجاحات بحياتها يظل الحب عمادا جوهريا يحقق السواء والسعادة الحقيقية بحياة المرأة ، هذا غير جانب الأمومة ، الذي يعد محورا غير هين التغاضي عنه بحياتها متي تحقق . وتواجه الكاتبة السؤال الأصعب في تاريخ المرأة الشرقية حين يعترض طريقها علاقة حب جديدة طرأت علي حياتها ، هل من الامثل الاستمرار زيفا في علاقة مع الزوج ؛ من أجل الأولاد والبيت والشراكة المؤسسية التي بين الطرفين ، أم أنه من الأفضل المكاشفة والمصارحة ؟ ومن ثم تقويض كل هذه الكيانات التي بنيت علي مدي سنوات عمرية متراكمة ، أم أن هناك طريق ثالث ، فيه تتحايل كل من المرأة والرجل علي ارتباطاتهما ، ومحاولة عيش حياة موازية لحاياتهما الأساسية ؟
وهنا تتكشف الكثير من المناطق التي تقع تحت وطأة المحرمات وازدواجية المشاعر ، أو عيش مشاعر لا تتسم بالصدق لدي كل من الرجل والمرأة ، تلك القضايا التي تواطأ الجميع على عدم الخوض فيها أو مواجهتها . تصور “البدري” في تلك المنطقة أيضا حياة التوازي مع الواقع المعلن ، تلك التي تقع في منطقة الأسرار الخاصة بطرفي العلاقة ، العذاب المقيم بنفس كل من المرأة والرجل نتيجة للازدواج ، كما أنها تكشف عن جانب من سيطرة الثقافة الذكورية في المنظومة الأخلاقية للمجتمع ، فتلقي “عمر” لعلاقة “ناهد” بزوجها “مصطفي” تختلف عن تلقي “ناهد” لعلاقة “عمر” بزوجته “ماجي” ، وإن كانا يقعا في المنطقة النفسية ذاتها ، هذا اتساقا مع كوننا كلنا إنسانا امرأة أو رجلا ، هذا فضلا عن كيفية تلقي البطلة لنزوات زوجها مصطفي أو حبيبها عمر ، المتناقض تماما مع تلقي مصطفي أو استشعاره لمجرد علاقة بين ناهد ورجل أخر .
استطاعت الكاتبة أن توائم بين جوهر ومضمون عملها والبناء الفني الروائي الذي اعتمدته لنصها ، فقد اتكئت علي تقنية تعدد الأصوات ؛ لتستطيع أن تنقل الواقعة وما كوَّنها واحاط بها من مشاعر من أطرافها الأربعة ، والتي يمتلك كل طرف منها ثقافته ، ونوع عواطفه ،وموقعه في المجتمع ، الذي يهب حقوقا للبعض ويمنعها عن الطرف الأضعف . هذا مع تنوع إيقاع الرواية الزمني في السرد ، ففي أول النص كان هناك استرسال لعرض أطراف تلك الحكاية ونقل الأبعاد النفسية لكل طرف وخاصة مشاعر ناهد وعمر ، وفي الثلث الأخير اعتمد العمل علي الإيقاع السردي السريع الذي يشبه الومضات ، كأنها مشاهد سينمائية تعتمد علي تقنية المونتاج المتسارع ، لتنقل التطورات المتباعدة زمنيا في لقطات متسارعة ، لكنها تحمل المخزون العاطفي الرئيسي المعبر عن أبعاد العلاقات المتشابكة ، وتنوع تداخلها لدي كل شخصية من شخوص النص ، ويظل السؤال أين هو حدود المقيم والعابر في حياة المرأة والرجل ، وهل هناك اختلاف في تلقي الحياة والحب لدي كليهما أم أن المجتمع بثقافته الذكورية هو من صنع تلك الاختلافات بما يمكن أن يمنحه من حرية للرجل ويسلبها من المرأة ، بل ويضعها في منطقة المحرمات التي قد تصل لأن يستحل قتلها والإجهاز علي حياتها ، ووصمها هي وكل طرفها بالعار ؟