مصر الكبرى
ثقافة الكراهية لا تنتهي !
في عام 1988 افتتح آية الله الخميني المواجهة، عندما أطلق فتوى بقتل مؤلف قصة لم يكن قد سمع أحد براويها ولا بالرواية. «آيات شيطانية» إلى اليوم في الأسواق، وقد حققت لناشرها ملايين الدولارات من مبيعاتها، ومؤلفها سلمان رشدي صار نجما، مع أنه سبق أن ألف قبلها ثلاث روايات مغمورة. العقيد القذافي وآخرون دخلوا على خط الأزمة عندما اكتشفوا أنها تصلح للاستخدام الشعبي.
وبعدها مرت سلسلة من الأحداث والصدامات، مثل الرسوم الدنماركية المسيئة قبل نحو خمس سنوات، وفيلم آخر مسيء في هولندا، والدعوة لحرق المصحف في فلوريدا، وغيرها. واليوم الفيلم المسيء للإسلام اجتمعت فيه إشكالات أخطر مما سبقه، مثل أن منتجه قبطي مصري في وقت يعد فيه وضع مصر طائفيا قابلا للاشتعال بين أبناء البلد الواحد، وأنه صادف زمن ما بعد الثورات، والربيع العربي الذي تغنى الأميركيون به وبأنه سيفتح عالما أفضل من التواصل بين الشعوب لا الحكومات الديكتاتورية.
والذي يعتقد أن الصدام الحضاري، أو الديني تحديدا، سيتوقف في العقود اللاحقة مخطئ، بل إنه سيزيد، ليس بسبب زيادة عدد الراغبين في الإساءة واحتقار أديان الآخرين، فهؤلاء كانوا دائما موجودين، بل نتيجة تعاظم وسائل الاتصال واتساع دوائر الناشطين من كل الأطراف.
مثلا، عُرض قبل أسابيع فيلم عن تاريخ الإسلام، أكثر سوءا من فيلم الـ«يوتيوب» الرخيص، إنتاجا وموضوعا، الذي اندلعت بسببه الحرائق، نفى فيه محققه وجود الإسلام والقرآن إلا بعد أكثر من مائة عام من احتلال العرب لمناطق الشرق الأوسط، لكن لا أحد اهتم به لأنه لم يروج له على الـ«يوتيوب». وهناك فيلم أميركي بذيء آخر أنتج بمقومات عالية، لم يهتم به أحد لأنه خارج الرادار الشعبي والجدل السياسي.
والإساءات ليست حصرا على المسلمين، فاليهود والمسيحيون والهندوس لهم معاركهم ضد المنتجات الأدبية المعادية، لولا أن المسلمين ابتلوا بوجود تنظيمات مسلحة متطرفة تدعي الإسلام والدفاع عنه مثل «القاعدة». فالمسيحيون الكاثوليك أقاموا الدنيا بعد فيلم «شفرة دافنشي» الذي ينكر إلوهية المسيح عليه السلام، وحاولوا منع عرضه. وقبله عرض فيلم «باشن أوف ذا كرايست»، الذي اتهم فيه مسيحيون اليهود بأنهم خلف إنتاجه، واندلع جدل كبير حوله خاصة أن الممثل الشهير ميل غيبسون لعب دور البطل فيه. وهذه جميعها عناوين كبيرة أوقدت خلافات وأوغرت الكراهية في وقت غاية في الاضطراب الفكري والسياسي والتقني.
في المقابل، لا أحد يهتم أو يبالي بالذين يعملون على تحدي مثل هذه الأعمال بأفضل منها، بأفلام أو كتب تدافع عن الدين إيجابيا وتغير الصور النمطية التي انتشرت مع أدبيات الكراهية. الدكتور نايف المطوع، كويتي، سعى لإنتاج تسع وتسعين حلقة من أفلام الكارتون وأفلام وثائقية باللغة الإنجليزية موجهة للنشء الجديد تحدثهم عن تاريخ الإسلام وفضائله. والقلة مثله فعلوا لكن لم تخرج مظاهرات لتشكرهم، وقليل من الناس سعوا لمطالعة فيديوهاتهم على الـ«يوتيوب». والمشكلة أكبر مما تبدو اليوم، هي أكبر من حالة غضب فقط موجهة ضد منتج فيلم مسيء للإسلام. الخلاف والكراهية والتربص يتسع بين الفئات والطوائف المختلفة. قبل أسبوعين اشتهر برنامج تلفزيوني فيه ضيف ضرب ضيفا آخر في جدل بين شيعي وسني، وقد احتفى كثيرون بتلك المساجلة الرديئة التي تعبر عن الاحتقان الخطير بين السنة والشيعة. وعاشت ليبيا أزمة بسبب هدم أضرحة، مما أغضب أهلها الصوفيين وكادت تنشب حرب بينهم وبين السلفيين الذين هدموها. وفي المغرب حرص أنصاف متعلمين على الإعلان عن أن بلدهم كله مالكية ولا مكان فيه للحنابلة. وهكذا نرى كيف يمكن أن تنحدر العلاقات وتتشرذم إن تركت بلا رعاية أو إدراك لمخاطرها المستقبلية، كما رأينا أن النزاع الديني قسم أخيرا السودان، ونزاعات العراق تهدده بالتقسيم كذلك اليوم، وشمال لبنان مهدد بالحرب، والله وحده أعلم بسوريا غدا.