كتاب 11
صفعة سعودية للجماعة الإرهابية
الحرب على الإرهاب فى نسختها الإقليمية والمواجهة المفتوحة مع جماعة الإخوان وكل الجماعات الإرهابية التى خرجت من رحمها، أنتجت مثلثا استراتيجيا جديدا، سيكون نواة لتحالف يرسم ملامح المنطقة من منظور عربى ضد كل ما عهدناه من تدخل اجنبى لرسم خرائطنا وتشكيل ملامح منطقتنا العربية. هذا المثلث العربى يأتى كردة فعل تاريخية وطبيعية ضد مثلث آخر شرير يتمثل فى جوار غير عربى طامع فى أراضينا.
هذا المثلث هو مثلث إسرائيل وتركيا وإيران، وبهذا الترتيب. مثلث يسعى بطرق شتى وبمحاولات اختراق مختلفة ومتعددة للهيمنة على أراضينا وثرواتنا وحتى ثقافة شعوبنا. ظهور هذا المثلث الاستراتيجي العربى المضاد متمثلا فى التحالف السعودى الإماراتى المصرى هو المضاد الحيوى الناجع الذى يقينا شر هذا الفيروس الثلاثى الفتاك. مثلث ضد مثلث.
بعد الدعم المادى الذى تلقته مصر من الشقيقتين السعودية والإمارات بعد ثورة 30 يونيو التى أنهت حكم الإخوان فى مصر وإلى الأبد، ظن البعض ان الدعم المادى هو سقف هذا التحالف، ولكن الناظر إلى الصورة ثلاثية الأبعاد لمواقف كل من المملكة العربية السعودية والإمارات يدرك أن لهذا التحالف عمقا استراتيجيا ورؤية فكرية حاكمة تجعله تحالفا يكتب له البقاء على المدى الطويل.
القرار الذى اتخذه الملك السعودى عبدالله بن عبدالعزيز والذى وضع جماعة الإخوان ومعها جماعات التطرف الأخرى على قائمة الإرهاب يمثل رؤية حاكمة لنظرة التحالف الجديد لشكل المنطقة العربية بعد جماعات التطرف. من هنا تكون قرارات الملك عبدالله بن عبدالعزيز التى جرمت جماعة الإخوان ومعها كل الجماعات التى خرجت من رحمها وآخرها القاعدة، ثمثل دعما استراتيجيا لمصر يفوق الدعم المادي. قرارات العاهل السعودى تقول ببساطة إننا حلفاء فى مواجهة الفئات الضالة وجماعات الإرهاب التى تتخذ من الدين ستارا لتقويض الاستقرار فى بلداننا لخدمة قوى غير عربية طامعة فى منطقتنا العربية، وفى الموجة الجديدة لدى بعض الشباب المشككة فى قضية العروبة، ارجو ألا يساورك شك فى أننا منطقة عربية، لا تركية ولا إسرائيلية ولا إيرانية أو حتى امريكية. منطقة عربية بثقافة عربية يتكالب عليها مثلث شر غير عربى ضد مثلث خير بازغ يتمثل فى تحالف مصر والسعودية والإمارات.
توقيت تجريم جماعة الإخوان وكل الجماعات التى خرجت من رحمها فى كل من المملكة العربية السعودية والإمارات أمر بالغ الأهمية. هذا التجريم جاء بعد أن اعلنت مصر جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا، وهو دعم استراتيجي لو تعلمون عظيم. فعندما فشلت جماعة الإخوان فى مصر بعد مواجهتها مع مصر الناصرية، هرب قادة التنظيم إلى دول الخليج التى كانت حينها لا تدرك خطورة هذا التنظيم الإخطبوطى الشرير. واستفادت الجماعة من سماحة اهل الخليج واستغلت اموالهم كما استغلها المتطرفون فيما بعد بدعوى انهم ينافحون عن الإسلام. وبعد أن تيقن قادة الخليج أن الإخوان ينقبون عن النفط مثلهم مثل شركات البترول الكبري – بمعنى أنهم يريدون السيطرة على دولة نفطية لتمويل المشروع الجنونى للخلافة – لم يكن أمام السعودية والإمارات سوى طرد هذه الجماعات وتجريمها وحرمانها من كيس نقود الخليج. تجفيف الينابيع المادية فى الخليج مصحوبا بتجريم سلوك هذه الجماعات يحرمها ايضا الزخم الشعبى فى تلك البلدان. فإذا كان القرار فى مصر الذى صنف الإخوان كجماعة إرهابية هو طلقة فى جسد التنظيم، فإن ما قامت به كل من السعودية والإمارات هو طلقة فى الجيب (قطع شريان التمويل)، تشل الجماعة عن الحركة وتحاصر التنظيم العالمى للإخوان ماديا.
التوقيت أيضا يأتى قبل زيارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى المملكة العربية السعودية. والفارق هنا كبير بين باراك أوباما وعبدالله بن عبدالعزيز بالنسبة لنا كمصريين. فرغم الضغوط الامريكية على السعودية بعدم الاعتراف بما حدث فى مصر فى 3 يوليو للدرجة التى وضع فيها العاهل السعودى ومعه الأشقاء فى الإمارات أمام خيار فإما أن يختاروا أمريكا أو مصر، اختار الملك عبدالله ومعه أبناء زايد مصر، رغم اهمية الولايات الأمريكية لأمن الخليج واستقراره، ولكن الرسالة كانت واضحة.
قرار الملك عبدالله ضد الجماعة الإرهابية هو اختبار لمدى جدية باراك أوباما فى أخذ المصالح العربية فى الاعتبار عندما يأتى لمناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين. أيضا قراره فى هذا التوقيت جاء صفعة لمفتى الإرهاب الشيخ يوسف القرضاوى، (ولقب الشيخ هنا من الشيخوخة لا لمرتبة دينية)، الذى ناشد الملك عبدالله ألا يدعم مصر. سأل القرضاوى وجاء جواب الملك عبدالله صفعة لكل التنظيم الإرهابي.
قرار المملكة العربية ومعها الإمارات العربية المتحدة فى دعم مصر وتجريم الجماعة الإرهابية، يجعل الخليج كله فى كفة وقطر وحدها فى كفة. وربما لهذا السبب نرى قطر تتراجع قليلا، حيث باتت كدولة مارقة بالنسبة للإجماع الخليجي فيما يخص مصر ويخص الجماعة الإرهابية. ليس لدى أدنى شك فى صلابة الملك عبدالله بن عبدالعزيز عندما يتخذ موقفا فهو رجل معروف بصلابته، وأعتقد أنه سيواجه باراك أوباما بحقيقة الموقف فى مصر من منظور المثلث الاستراتيجي العربي. فقط علينا أن نتذكر كيف أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز أمر الوفد المرافق له بأن يغادر مزرعة بوش فى تكساس فى لقائهما الشهير فى ابريل 2002، أى بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر بستة اشهر تقريبا. هذا المشهد ذكره جورج بوش الابن فى كتاب مذكراته.
أتيحت لى فرصة لقاء الملك عبدالله بن عبدالعزيز ثلاث مرات فى لقاءات بهدف إجراء حوارات مع جلالته لصحيفة “الشرق الأوسط”، واستمر كل لقاء لأكثر من ساعة وربما يستشف المرء من لقاءات كهذه سمات شخصية القائد الذى يحاوره.
الملك عبدالله بن عبدالعزيز كما رأيته شخصية قائد يعرف ما يريد لا يتردد، يقود ولا ينقاد. ورغم تقدم السن إلا اننا لم نر بعد كل تصورات هذا القائد العربى لأمن المنطقة أو لوضع المملكة من الداخل. قال كثيرا خارج المصرح به للنشر، يكشف عن شخصية عربية مستنيرة وواعية ومدركة لحدود إمكانات المملكة العربية ودورها فى العالم العربى والإسلامي، وما تستطيع ان تقوم به وما لا تستطيع.
ليس لدى أدنى شك فى حب الملك عبدالله لمصر ودعمه لها. وأذكر فى لقاء كان يعرض عليه أحد الوزراء البيان الختامى لجلسة مجلس الوزراء وجاء فيه اسم مصر مجردا، فصححه وقال: اكتب الشقيقة الكبرى مصر.
وفى لقاء قريب فى الشهر الماضى مع ولى عهد المملكة صاحب السمو الملكى الأمير سلمان بن عبدالعزيز كان واضحا وحاسما فى كلامه عن دعم المملكة لمصر واستقرارها ورفاهية شعبها، بما لا يترك مجالا للشك بأن مصر فى قلوب هؤلاء الرجال من أبناء الملك المؤسس.
لدى أمل كبير فى بلورة هذا المثلث الاستراتيجي العربى المدعوم بدول عربية أخرى مثل المغرب والكويت والبحرين والأردن لينقل منطقتنا برمتها من عالم التطرف والاحتراب الأهلى إلى عالم المدانة والتقدم والحضارة.