أفضل المقالات في الصحف العربية
انت مين يا عم؟
قرأت مؤخرا مقالة لطيفة في «دنيا الوطن» عن شخصيات تاريخية مشهورة ثمة شكوك بحقيقة وجودها فعلا.
مثل الملك آرثر المحفور في ذاكرة الجزيرة البريطانية، بصفته القائد المنتصر على الساكسونيين في القرن السادس الميلادي، وقيل إنه قتل بيد واحدة 960 من أعدائه. ومثل الفيلسوف الإغريقي فيثاغورس. والحكيم الصيني، مؤسس علم الحروب، سون وو. يعتقد أنه عاش في الصين بين العامين 771 و476 قبل الميلاد. وقد تكون شخصية المسرحي والشاعر الإنجليزي الأشهر ويليام شكسبير هي أكثر الشخصيات التي ما زالت مثيرة للجدل حول حقيقتها. ومثله البطل الإنجليزي الأسطوري نصير الفقراء، أو اللص النبيل روبن هود.
وغير ذلك من الشخصيات في كل الثقافات والحضارات، وعندنا في التراث العربي والإسلامي نماذج من هذه الشخصيات، بعضها مقطوع بعدم وجودها الحقيقي، وبعضها شبه مقطوع به، وتراكمت عليها القصص والتسالي، بحيث صارت الشخصية مجرد حامل لرسائل وأحلام وخيبات الإنسان. مثل مجنون ليلى العامرية، والظريف الحكيم جحا، وفي الجاهلية لدينا أساطير تروى عن شخصيات خرافية ذات صفات غرائبية مثل شق وسطيح، وفي عصور متأخرة شخصية أبو زيد الهلالي، وحمزة البهلوان.
القصص والحكايا تختزن ذاكرة الشعوب، وهي شفرة مكثفة يودع فيها الإنسان رسائله ويكتب من خلالها فكره، والشخصيات المؤسطرة هي تعبير عن أحلام الإنسان أو عن خيباته، تماما مثلما تكون شخصيات سوبرمان أو باتمان أو سبايدرمان بالنسبة للأطفال، وإياكم والسخرية من أحلام وعوالم الأطفال، فهي الأصدق والأكثر تحررا من قيود الكبار.
في عصورنا الحالية هناك شخصيات حقيقية الوجود لكن أعيد نحتها وصياغتها بشكل بعيد عما جرى حقا. إما قدحا وإما مدحا. شخصيات لو قدر لها العود مجددا للحياة لشطبت ثلاثة أرباع الكلام المحكي عنها، وقالت: أيها القوم عمّن تتحدثون حقا؟! خذ لديك مثلا: جمال عبد الناصر، المشير عامر، الملك فاروق، أسمهان، في مصر، وعبد الكريم قاسم والملك غازي ونوري السعيد، بل وحتى صدام حسين، ومحمد باقر الصدر، في العراق.
على ذكر العراق فشاعر العراق الراحل معروف الرصافي له لمحة كاشفة هنا حول أكاذيب صناعة الرمز وتضليل المتلقي:
وما كُتُبُ التاريخِ في جُلِّ ما رَوَتْ – لِقُرّائها إلا حديثٌ ملفّقُ
نظرْنا بأمر الحاضرين فرابَنا – فكيف بأمر الغابرين نُصَدّقُ؟!
ليس الغريب أن تتوارث الشعوب أساطير الماضي وشخصياته، فهذا تراث إنساني عام وله دلالاته. الغريب بل المثير أن تخلق الأساطير خلقا أمام عينيك وصاحبها موجود يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، أو يصرخ من جوف قفص المحكمة مثل محمد مرسي بوجه القاضي: «انت مين يا عم؟»!