كتاب 11

07:20 صباحًا EET

تساؤلات حول ثورة 25 يناير

فى الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير 2011 الملقبة بثورة اللوتس مازالت هناك تساؤلات كثيرة مطروحة وأسئلة تبحث عن اجابات،وهذا طبيعى فى كل الثورات عبر التاريخ، ففك لغز الثورات وتقييمها بشكل علمى وتاريخى محايد قد يحدث بعد قرون من حدوثها ،ولهذا تتجدد التساؤلات كل فترة فى محاولة لفك الغموض والبحث عن الحقيقة وإعادة التقييم بعد ظهور أى معلومات جديدة،وثورة 25 يناير ليست استثناء من هذا.وفى هذا التوقيت زادت التساؤلات حول ثورة 25 يناير والتشكيك فيها،وفى هذا المقال نحاول الأجابة على العديد من الأسئلة المطروحة،ونبدأ بالسؤال الرئيسى.

• هل هى ثورة؟ وهل اكتملت هذه الثورة؟ .

رغم أن هناك تعريفات كثيرة لمفهوم الثورة إلا أننى أخترت أن امزج ما بين العديد من هذه التعريفات لأصل إلى التعريف الذى اراه شاملا لمفهوم الثورة، حيث يمكن تعريفها على أنها تغيير عميق جذرى وشامل فى الواقع السياسى والاقتصادى والاجتماعى وفى توزيع مصادر القوة وفى بنية التفكير والثقافة، وهذه التغيرات تعيد تشكيل الدولة لفترة طويلة فى المستقبل. فهل حدث هذا مع ثورة 25 يناير؟،الاجابة أن هذا الأمر قد يستغرق سنوات طويلة والمستقبل كفيل بالأجابة على هذا السؤال،فإذا تحقق تعريف الثورة كما هو مبين ،وإذا تحققت أهدافها المعلنة: عيش وحرية وعدالة اجتماعية،وقتها سنقول أنها ثورة حقيقية غيرت وجه الحياة فى مصر،وإذا لم يتحقق ذلك نقول أن الثورة لم تكتمل أو أنها اجهضت أو تغير مسارها أو نقول كما وصفها هنرى كيسنجر أنها كانت مجرد أنتفاضة شعبوية،وبناء على ذلك نقول ونحن مطمئنون أن الثورة لم تكتمل لأن أهدافها لم تتحقق بعد،وعلى الرئيس القادم أن يراعى أنه جاء بعد ثورتين أو موجتين ثوريتين تكمل بعضهما البعض وأن مهمته الأساسية تتمثل فى تحقيق آمال الشعب فى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

• تحت أى نوع من الثورات تصنف ثورة 25 يناير؟.

تدخل ثورة 25 يناير ضمن ما عرف بالثورات الملونة التى ثارت على الأستبداد والفساد وغياب الحريات كما حدث فى جورجيا واوكرانيا وصربيا ودول أوروبا الشرقية وإرهاصات الثورة الخضراء فى إيران،وهذه الثورات الملونة لها سمات محددة منها: اولا أنها ثورات سلمية، وثانيا أنها ثورات كانت القيادة فيها لنشطاء المجتمع المدنى المرتبطين بأمريكا واوروبا الغربية، وثالثا أنها ثورات مدارة وليست تلقائية، رابعا أن جهات عدة فى أمريكا والغرب حكومية وغير حكومية ساعدت على اشعالها، خامسا أن هذه الثورة استثمر فيها المليارات لإشعالها وتهيئة المجتمعات لتقبلها، سادسا أنه تم تسليط الضوء عليها بكثافة من  قبل الإعلام الأمريكى والغربى لتفعيل نظرية الدومينو، سابعا أنها كانت جزء من خطة غربية لعمل تغيير شامل فى دول الأتحاد السوفيتى السابق وبعد ذلك فى الشرق الأوسط، وثامنا أن بعض القيادات الميدانية فى هذه الثورات كانوا على دراية كبيرة بهذه الخطة وجزء آخر من هذه القيادات كانوا مجرد متدربين على نشاط المجتمع المدنى فى الغرب وجزء ثالث كانوا قيادات خلقتها متطلبات اللحظة الثورية، تاسعا أنه عقب اندلاعها عملت أمريكا والغرب بكل الطرق على أن تسير فى الاتجاه المخطط لها حتى ولو كان ذلك على عكس رغبة الجماهير الواسعة التى قامت بها، وعاشرا أنها نجحت بشكل كبير فى بعض الدول ونجحت بشكل جزئى فى دول أخرى وفشلت فى بعض الدول.

• هل لأمريكا وتركيا وقطر والتظيم الدولى للأخوان دور فى هذه الثورات؟.

قلنا أن ثورة 25 يناير تنتمى لطائفة ثورات المجتمع المدنى الملونة ،وهذا النوع بالتأكيد لأمريكا دور بارز فى هندسته ووضع آلياته والتنظير له عبر مراكز بحوثها المتعددة وتدريب كوادره ،ومن ثم فأن أمريكا أنفقت المليارات على هذه الطائفة من الثورات،وهناك عشرات الأدلة على ذلك،وقد استمعت إلى الإعلامى  الأمريكى البارز جلين بيك فى البرنامج الأشهر على فوكس نيوز” مع أوريلى” وهو يشرح دور الحكومة الأمريكية بالتنسيق مع جوجل فى الثورة المصرية.وهل يعقل أن تمنح اليمنية توكل كرومان،عضو حزب الإصلاح الاخوانى باليمن جائزة نوبل للسلام دون أن يكون ذلك ضمن خطة أمريكية غربية؟،من هى توكل كرومان وماذا فعلت حتى تحصل على هذه الجائزة الدولية الرفيعة؟،ومن هى أسماء محفوظ حتى تحصل على جائزة سخاروف التى حصل عليها كبار المناضلين؟.لقد أثبت الغرب أن جائزة نوبل للسلام وهذه الجوائز مسيسة ونزلوا بقيمتها للحضيض،ولن تضيف كثيرا لشخص محترم فى المستقبل بعد أن حصل عليها هؤلاء.

أما بالنسبة لتركيا وقطر والاخوان فجاء دورهم بعد تحديد أهداف هذه الثورات فى الغرب، وهو حكم الإسلاميين لبلادهم لإستيعاب ظاهرة الإرهاب الإسلامى داخل دولها ووقف تصديرها للغرب،فاختارت أمريكا تركيا لكى تكون النموذج  القائد المرغوب تصديره عبر حكم الاخوان للمنطقة وشاركت قطر بثقلها التمويلى والإعلامى فى دفع الخطة الأمريكية،وشارك التنظيم الدولى للاخوان كآلية تنفيذ للخطة وكمنسق مع كل هذه الاطراف.

• هل الملايين التى خرجت للشوارع كانت على علم بكل هذا؟.

بالتأكيد لا،فالملايين التى خرجت للشوارع  ثارت فى وجه الفساد والاستبداد وحكم الشلة ومحاولة توريث الحكم،وفى وجه الدولة الأمنية البوليسية القاسية،ومن ثم فأن هذه الملايين هى التى اعطت للثورة قيمتها وشرعيتها وحددت أهدافها،وثارت مرة أخرى فى وجهها عندما انحرفت عن مسارها.والثورة كانت متوقعة  ومشروعة والدور الخارجى هو محاولة هندستها لتحقيق الأهداف المخطط لها وليست الأهداف الشعبية.فرغم أن ثورة 25 يناير كما سبق ووضحنا كانت ثورة مدارة وليست ثورة تلقائية إلا أن الملايين خرجت بشكل عفوى وتلقائى بعد أن صار كل شئ مهيأ للأنفجار.

• هل ثورة 30 يونيه هى الأخرى كانت مدارة أم تلقائية؟.

ثورة 30 يونيه بدورها كانت مدارة ولم تكن تلقائية ، أما الجماهير فخرجت أيضا بشكل تلقائى فى مواجهة طغيان وتغول اخوانى،الفرق بين الأثنين أن الذين خططوا وهندسوا لثورة 25 يناير كانت اطراف خارجية أما الذين خططوا وهندسوا لثورة 30 يونيه كانت اطراف وقوى داخلية بمساعدة ليست كبيرة من بعض الدول الخليجية. باختصار الذين اسقطوا حكم الاخوان هم القوة الصلبة فى نظام مبارك وهم الجيش،والمؤسسات الأمنية والمخابراتية،وإعلام رجال أعمال مبارك.وكان وقود الثورتين هو الشعب متطلعا لنفس الأهداف التى خرج لها يوم 25 يناير 2011 : عيش-حرية-عدالة اجتماعية.

• ما هى العبرة من الثورتين؟.

دعنا نقولها بصراحة أن الشعب ثار على نظام مبارك وعلى حكم الاخوان،وكلاهما وجهان لعملة واحدة فى الأستبداد والفساد والطغيان وحكم الشلل وتحطيم الآمال ونهب ثروات ومقدرات الأمم ،كما أن الشعب ثار من آجل مستقبل أفضل له ولأبنائه فى العيش الكريم والكرامة الإنسانية والعدل فى كل شئ،وهذه الرسالة على الحاكم القادم أن يعرفها جيدا، محاولة إرجاع العناصر الفاسدة والوجوه القبيحة من نظام مبارك أو من الاخوان والإسلاميين هو تحدى لإرادة هذا الشعب،ولن ترحم الجماهير من يفعل ذلك مهما  إن كان مركزه،ولن تقبل الناس بأن تعود عقارب الساعة إلى الوراء،ولهذا لن يتأتى الاستقرار والأمن لمصر إلا عبر تحقيق إرادة هذا الشعب،وكما أستخدم الإسلاميون إرهاب التكفير يحاول البعض إرجاع إرهاب الدولة البوليسية عبر التخوين الوطنى،وكلا الطريقين محفوف بالمخاطر لأن الناس قد جربت كلا الطريقين وثارت عليهما، والويل كل الويل لمن يحاول الأستذكاء على هذا الشعب ويتصور نفسه أنه قادر على ذلك.

بصرف النظر عن الأبعاد الخارجية والداخلية للثورتين،فالحقيقة المؤكدة أن الشعب المصرى هو الذى ثار، والشعب هو الذى صنع التاريخ واعطى شرعية للثورة، والشعب هو الذى تحمل الثمن من ارواح ابناءه ومن قوته اليومى،والشعب هو الذى ابهر العالم،والشعب هو من صنع الملاحم وفجر البركان،والشعب هو صاحب الثورة وصانعها، والشعب هو الذى غير مسار التاريخ مرة أخرى ليصحح مسار الثورة ويرجعها من خاطفيها ، والشعب هو الذى اسقط خطط الغرب فى حكم الإسلاميين للمنطقة، والشعب هو الذى حول المتعاونيين مع الغرب لأسلمة الدولة المصرية إلى مجموعة اقزام، والشعب هو الحارس الوحيد والحقيقى لثورته.

الشعب هو البطل….الشعب هو المعلم……الشعب هو الدولة

التعليقات