مصر الكبرى

10:45 صباحًا EET

فن الماكياج

بناء على رغبة العديد من القراء الذين نصحوني بالكتابة في موضوعات عن المرأة وتفيد المرأة بما اني انتمي إلى –والعياذ بالله- النساء. فلماذا ومن أنا لأدخل أصلا في متاهات السياسة ووجع الدماغ المترتب عليها؛ لذا قررت أن أكتب لكم اليوم عن فن المكياج.

تعرف دائرة المعارف البريطانية مستحضر التجميل cosmetic بأنه : أي من التحضيرات التي توضع على الجسم البشري-عدا الصابون بأنواعه- لأغراض التجميل، الحفظ، تبديل المظهر، التنظيف، التلوين، الترطيب… أو لحماية البشرة او الشعر او الأظافر او الشفاه أو العيون او حتى الأسنان.
وترجع دائرة المعارف البريطانية أصل الماكياج الى الألفية الرابعة قبل الميلاد في مصر القديمة. فقد استخدم أجدادنا المساحيق والحلي والاكسسوارات وكذلك الأصباغ والشعر المستعار للأغراض المبينة في التعريف أعلاه.
ولأننا لا ننفصل عن أجدادنا حتى وان حاولنا فقد رأيت أن في مصر اليوم استخدام مذهل للمكياج بأنواعه وبدرجة لابد وأن الأجداد يفخرون بنا بسببها وينامون مبتسمين في قبورهم ونحن نحمل منهم مشعل الإبداع في هذا الفن الذي لا تستقيم الحياة بدونه.
لم لا وقد استخدمنا اكسسوارات منها رابطات العنق السوداء ونحن نجلس في استوديوهات مكيفة اشارة الى الحداد على شهداء مذبحة بورسعيد. لا ليست بورسعيد 1956 بل مذبحة استاد بورسعيد في فبراير الماضي. كان الكباتن الجالسون في الاستوديو بارعين وهم يرتدون شعر مستعار- مكياج أيضا- فاقع لونه ويعلنون ان الحداد انتهي لأن بيوتهم خربت ولأن المعلنين أشهروا إفلاسهم ولأن الشهداء "كفاية عليهم كده" ورد الكابتن ذو النظارة المذهبة – لاحظ المكياج- بأن الناس دي قبضت فلوس وخلاص بقى خلي المركب تمشي.
واستخدمنا صبغات الشعر بدرجات مبتكرة ولامعة عندما وضعتها المذيعات الفاتنات أثناء إقناعنا بان المستقبل للشباب. فكل مذيعة من السيدات اللاتي تجاوزن الستين تحرص على صباغة شعرها- أو ماتبقى منه- بألوان هي درجات من صفار الشمس الى صفار البيض وأحيانا صفار عصارة المعدة. ثم تخرج علينا تشخط بقوة في الحكومة وتغلظ لها القول لمنح الفرصة للأجيال الجديدة. ثم تنظر الينا بعدساتها اللاصقة- واخد بالك م المكياج- وتقول وهي ترفع سبابتها اليمنى محذرة بالتهديد والوعيد: الشباب الشباب ..ثم الشباب
وأعجبت جدا بمقدمي البرامج ذات الفقرات الانسانية لأنهم غالبا ما يستدرون تعاطفنا مع سيدة تسكن في منزل يحتاج ألفين أو ثلاثة من الجنيهات لإصلاحه، ورغم صعوبة طلب المذيع الشهير وغصته وهو يجمع هذا التبرع ودموعه – التي يخاطر بأن تفسد كيلو البودرة ورطل كحل العيون- نجد أنه لا ينسى الاكسسوار المتمثل في ساعة ثمنها كاف لإصلاح قرية باكملها لا منزل السيدة المسكينة فقط، لكن الرجل يتقاضى الملايين سنويا من اجل ان يبكي في  برنامجه الإنساني العظيم هذا وليشتري الساعات والذي منه لا لينفقها على الحالات التي يعرضها في برنامجه. فهذا الرجل – وآخرون- بالطبع واحد من الناس وراعي الحالات الإنسانية الأول الذي يستفز مشاعر الموظفين الذين يشاهدونه ليتبرعوا ولو بجنيه حتى يلاقوا ربهم وقد أدوا ماعليهم نحو الإنسانية المعذبة.
ومن أهم الخطوات التجميلية التي يحرص عليها بعض السياسيين المصريين: تلميع وتبييض الأسنان واستخدام حمرة الخدود. وتنتشر هذه العادة التجميلية العظيمة بين كل من احترفوا كلمة عفا الله عما سلف ومصر محتاجانا كلنا. فتجد السياسي أو رجل الاعمال الهارب يتصل بقناة ما ويرتب معها موعدا ثم يبيض أسنانه ليبتسم ابتسامة المسامح كريم وصافي يا لبن وانسوا الفلوس اللي طلعت ومش داخلة تاني، ثم يحمر خديه علامة على الخجل من الجماهير واعترافا بما جنت يداه واصراره على التوبة عن ذنبه ويتحفنا اثناء اللقاء بعزمه ان ينشيء حزبا سياسيا يخوض غمار السياسة الجديدة به. ولزوم التجميل أيضا يبشرنا الفتى الضال بأن حزبه سيضم كل اطياف المجتمع وانه لن يقتصر على رفاقه التائبين عن ذنوبهم فقط.
ومن الاستخدامات الحصرية المصرية لفن الماكياج الوظيفة التى أطلقت عليها دائرة المعارف اسم الحفظ. ومن يباري المصريين في الحفظ والتحنيط. والحقيقة ان المصريين ومن باب حسن العشرة يستخدمون التحنيط بكثرة بعد اضافة المحاليل المناسبة. لذا فقد قام رئيس البلاد المنتخب والفريق المعاون له باستخدام محاليل مكونة من شخصيات جديدة ووجوه مألوفه لتحنيط اجهزة الدولة وآثارها الإدارية والقانونية التليدة التي تمنينا جميعا أن ننسفها نسفا. فقانون الطواريء يمر حاليا بمرحلة التحنيط عن طريق حقنه بسوائل ذات صبغة دينية ممزوجة بخوف الجماهير من الانفلات الأمني، والمجالس القومية لحقوق الانسان والمراة وغيرها تم تحنيطها بتغيير الشخصيات القائمة عليها رغم أن بعضهم قد يسبب عفونة في جسد تلك الأجهزة البالية أصلا. وهكذا مازال المصريون يظهرون أفضل ما فيهم عن طريق الاحتفاظ بالكراكيب لأطول فترة ممكنة.
ألم أقل لكم ان فن الماكياج مهم وحيوي. ألم أقل لكم اننا حفظنا ميراث الأجداد على درب التجميل.
وهكذا التزمت معكم بوعدي عن الاهتمام بشئون المرأة. وأعدكم بسلسة مقالات عن فن الطهي في العالم على ان أبدأ مقالي باحدث وصفات الكوسة والقرع باعتبار أن الطريق الى العالمية يبدأ من الإغراق بالمحلية.

التعليقات