تحقيقات
إيقاع سريع للزمن سجل عاما جديدا لثورة 25يناير
إيقاع سريع للزمن سجل عاما جديدا للثورة ، حيث استقبلت مصر اليوم السبت الذكرى الثالثة لثورة 25 يناير بعدما استردها ممن انقضوا عليها ، وإحياء المصريين لذكرى ثورتهم هو بمثابة رهان على وطنيتهم وفطنتهم ، لكي يخرج هذا العيد للعالم لائقا بثورة كانت مفراداتها وحصنها المنيع مصريتها التي حمتها من وقوع تداعيات تفقد البوصلة اتجاهها.
عاد الوطنيون من الشعب الذى ينشد الاستقرار للميادين اليوم ، لاستحضار روح الثورة ، وفتح فصل ديمقراطى جديد يجب احترام نتائجه ، عودة فرضت على الجميع الهتاف باسم مصر والتكاتف لكي تعيش “ثورة سلمية” أثارت أعجاب وفخر العالم على مدى التاريخ ، ثورة تنفستها مصر وعكست عراقتها مؤكدة أن المصريين يرون ثورتهم بعين التاريخ وأنهم لن يقبلوا بالاستبداد مرة أخرى ، ولن يتنازلوا عن المكانة التي اكتسبتها بلادهم على مر الزمان.
ستظل الثورة تنبض في وجدان التاريخ والمصريين ، ولن يخرج قطارها عن القضبان ، لن تموت مهما انحدرت في الذاكرة ، فثورات الشعوب تبقى دوما وأبدا خالدة ، وذكراها تجدد مبادئها حيث تشهد مصر ربيعا عربيا مستمرا للعام الثالث على التوالي ، وأحداث مصيرية تحدد مستقبلها طيلة الأعوام المقبلة وثورة أخرى يخرج من رحمها لتسقط دولة الاستبداد باسم الدين.
الشرعية الشعبية التي حظيت بها احتفالات الثورة اليوم رغم أحداث العنف التى عاشتها مصر أمس أثبتت أن المصريين لن يرهبهم العنف الذى عجز رغم قوته على إرغام الشعب على قبول العودة لحياة الذل والعبودية ، وأن الشعب هو الحارس والحامى لثورته وان الساسة ليسوا سوى أناس فوضهم الشعب وإن لم يكونوا على مستوى التفويض سحبوا منه الثقة.
لقد اثبت تنظيم الإخوان انه تنظيم إرهابي بجدارة ، أعضاؤه يعادون الشعب ، ويقتلون جنوده في إرهاب واضح وصريح ، وبطريقة يستنكرها العالم ، لقد قضى إخوان 2013 ” في ثوبهم الجديد ” على تنظيم حسن البنا الذي لم يكن يتصور أن دعوته التي خرج بها لتكوين جماعة دعوية أن تتحول بعد 80 عاما لتنتهي كجماعة إرهابية محظورة خرجت عنها كل الحركات الإرهابية في العالم المتمسحة بالإسلام.
رجحت كفة من حملوا الثورة لا من انقضوا عليها ، ومن حركوا الأحجار الثقيلة والراكدة إلى أن انتصرت ثوابت القيم والأخلاق على متغيرات السياسة ، ميدان التحرير وسائر ميادين مدن محافظات مصر باتت رموزا للثورة ، ومكان لإشاعة روحها وإعلاء العقلانية مع التأكيد على المواطنة
إيقاع الزمن السريع سجل عاما جديدا فى عمر الثورة ، ووضعها على أعتاب عامها الرابع حاملا رسالة مفاداها أن المعنى الاسمي للحياة هو إرادة الشعب فهي قيمة مضافة لخصائص المجتمع وتتويجا لثورة أذهلت العالم ، ويدعو العام الجديد المصريين لحماية ثورتهم وحراستها وبأن يكونوا قوة إيجابية يستفاد منها بما يليق بقدراتهم وبمتطلبات التنمية ، الأمر الذي يتطلب الالتقاء حول قضية وطنية واحدة ، تحقق حشدا قويا للمشاركة فى البناء والتنمية وتفتح عوامل وآفاق جديدة للتعاون بين فئات الشعب المختلفة في وقت تحتاج فيه مصر لكل ساعد يبنى ولكل جهد يبذل ، تجمعهم روح المحبة والإخاء والرغبة الصادقة في البناء ، بما يدفعهم نحو حياة أفضل وأكثر أمنا واستقرارا ورفاهية.
الانطلاقة الجديدة للثورة في عامها الرابع تتطلب رؤية سياسية حكيمة نابعة من روح مصرية أصيلة وفكر شديد الثراء يستشرف المستقبل ويكاد يحيا فيه ، فكر يحمل كافة القوى السياسية والوطنية مسؤولياتها ، وعليهم جميعا ودون استثناء إعلاء المصلحة العليا للوطن فوق مصالحهم الذاتية باعتبارها الهدف الأسمي للجميع.
مشكلات التنمية لا يوجد من بينها ما هو وليد اليوم ، ولكن الضغوط المتزايدة التى تشكلها باتت متراكمة وعصيبة أكثر من أي وقت مضى ، الأمر الذي يحتم تحديد نظرة شاملة لقضايا المجتمع المعاصرة والقديمة والاستجابة لدعوة الحكومة لمساندتها فى مواجهة الأزمة الاقتصادية.
ومبادئ الثورة يجب أن تستقر في وجدان الأطفال لتتحول لمبدأ في شبابهم وتصبح إطارا لصياغة المستقبل ، “عيش حرية عدالة اجتماعية ” أمور مرتبطة ارتباطا وثيقا بالثورة وقوى الشعب لها دور محوري فى الحفاظ عليها وتحقيقها ، فهم أهم ثروات مصر على الإطلاق بكل ما يملكونه من أحلام ورؤى واستعداد للنضال وقدرة على المنافسة على الساحة الدولية ، وطالما التزمنا بشعارات 25 يناير فلابد أن نلتزم بالديمقراطية وإرادة الشعب.
أعوام الثورة الثلاث تتقاطع في مساحة وتختلف فى أخرى ، والمساحة المشتركة بينها جاءت نتيجة انطلاق شرارة الثورة حين تجمع المصريون فى الميادين في الفترة من 25 يناير الى 11 فبراير 2011 ، دون اتفاق ، تيمنا بالربيع العربي الذي سبقها في تونس فكان دعوة مصرية خالصة جاءت تعبيرا عن حالة اليأس والإحباط من الوضع الاقتصادي والاجتماعي.
سطرت تلك الفترة أياما حاسمة في تاريخ مصر ، وشهدت حراكا سياسيا ايجابيا غير مسبوق ، وضمير جمعي أدى إلى نجاحها ، تلاحقت الأحداث والإرهاصات لحظة بلحظة إلى أن وصلت مصر أمام لحظات فارقة وحاسمة في تاريخها ، وكانت على موعد مع القدر، وسطعت شعلة الثورة بارتفاع سقف مطالبها وتوافق الرؤى فيها فأضفت عليها زخما ، واستجابت كافة أطياف الشعب المصري لنداء الشباب عبر شبكات التواصل الاجتماعي ” الفيسبوك ” للنزول إلى الشوارع ورفع مظالمهم.
نزل المصريون دون اتفاق ، الشباب أولا ثم عائلات بأكملها ، كانت الميدان بيتهم تأكل وتشرب وتصلى وتنام فيها ، وباتت الثورة أشبه بعاصفة كاملة ، استطاعت بشكل إيجابي وحضاري القضاء على 30 عاما من الحكم الاستبدادي ، وجاءت سلمية بانحياز الجيش لثورة شعب… فكانت الفصل المميز في فصول الربيع العربي ، وعنوانا رئيسيا لربيع عربي ممتد ، وعكست بشكل واضح الروح الفدائية للمتظاهرين ، والمتمثلة في العيش بكرامة أو الموت في ظل إطار سلمى ، اكتفى خلاله الشباب بالدفاع عن أنفسهم ضد وابل قنابل الغاز المسيلة للدموع والرصاصات المطاطية التي أطلقتها قوات الأمن المركزي.
شعلة الثورة الأولى بصمات ناصعة البياض على صفحات تاريخ مصر ، و فرحة المصريين بثورتهم جاءت تعبيرا عن تطلعهم لإقامة دولة مؤسسات حقيقية يحتشد فيها الشعب في كيان واحد يحول الوطن إلى مصنع بناء المستقبل ، وحين تحل ذكرى الثورة ومصر تقترب من الاستقرار بعد اقرار دستورها الجديد وفى انتظار الدعوة الى الاستحقاق الثانى من خارطة الطريق.
والمساحة المميزة بين دوائر الأعوام الثلاثة قبعت فيها ثورة 30 يونيو التى حافظت على أهداف ثورة يناير من الإنجراف الى الهاوية ، واستمرار الاحتفال بالثورة دليل على مدى ما تحظى به من أهمية وعلى مدى الالتزام بالسعي من اجل تحقيق أهدافها ، وهى القيم التي تشارك فيها المصريون جميعا ، وجمعت تحتها حركات وجهود كافة الفئات والطوائف.
ويتطلع المصريون وهم يحتفلون بالعيد الثالث لثورتهم الى صنع المستقبل الواعي بقضايا مجتمعهم والتمسك بأهداف الثورة ، واستخلاص الدروس من الأزمات بما يتيح الفرص لإحداث تغييرات نحو البناء والإصلاح والتجديد من اجل تبنى مسار جديد نحو التنمية المستدامة ، ومواجهة قضايا التنمية ، وتشجيع الشباب على تحويل معرفتهم وخبراتهم الى خطط للعمل ليكونوا شركاء فى صنع المستقبل واعيين بقضاياه متمسكين بأهدافه.