مصر الكبرى

04:01 مساءً EET

أحمد حمدي يكتب … قطر .. وزعامة صاحب الكرة !

أذكر في فترات الطفولة السعيدة .. وقت أن كنا نلعب الكرة علي أرض فضاء جوار مدرستنا التعيسة , أن كان دائماً صاحب الكرة هو الفرد الذي لا يستطيع أحد إقصاءه عن اللعب مهما تدني مستواه أو تعاظم مستوي الجالسين المتفرجين خارج الساحة , سواء كان وزنه زائد أو مثالي .. يمرر الكرة أو يطمع بها .. يسدد الكرة أم هي التي تسدده ..

كل ذلك لا يهم , المهم أنه أتي بالكنز الذي أتاح للجميع فرصة الإستمتاع بساعات من المرح .. حتي وأنني في فترات عدم إكتمال لياقتي البدنية , كنت لا أقدم علي اللعب بدون الكرة الخاصة بي حتي لا يستطيع أحد التفهو بجملة ( روح العب بعيد يا حبيبي ) !
   لا أدري لماذا تذكرت تلك اللحظات وانا اقرأ خبر الإجتماع الثلاثي الذي جري في القاهرة بين السيد نبيل العربي أمين عام جامعة الدول العربية , والأخضر الإبرهيمي مبعوث الأمم المتحدة للوضع السوري , والسيد حمد بن جاسم رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري لبحث تداعيات الشأن السوري ..
   الحقيقة أنني أفهم أن اللقاء في القاهرة لدور مصر المحوري في المنطقة , وأفهم أن يحضر السيد نبيل العربي بصفته أمين عام الجامعة وتحت يده تصورات ممثلي جميع الدول العربية بخصوص الشأن السوري .. لكن ماذا عن حمد بن جاسم ؟! ولماذا حمد بن جاسم ؟! ولماذا لا يحضر الإجتماع أحد من وزراء خارجية الدول العربية سواه ! لا أدري حقاً كنها الصفة التي يحضر بها هذا اللقاء علي الأرض المصرية سوي أننا حقا علي طريق الزعامة القطرية في المنطقة ..
  من الواضح جلياً خطوات قطر الحثيثة للوصول إلي حلم الزعامة العربية التي تنشدها منذ سنوات باستخدام منبرها الإعلامي المميز (علي المستوي التقني) , فبدأت بمعاداة الأنظمة العربية السابقة التي نتفق جميعا علي أنها تستحق المعاداة , ولكنها بطبيعة الأمر كانت تقف عائقاً أمام تحقيق أحلام قطر في الزعامة .. فلو أنك تقف في الصفوف الخلفية ولا تقوي علي التقدم إلي الأمام , فلابد وأن تفكر في طعن من يقف أمامك .. أو علي الأقل سحبه خطوات إلي الوراء .. فمن يعلم ماضيك الدنئ لابد أن يقف أمام مستقبلك المضئ !
 وبعد أن فرغت قطر (أو إقتربت) من إزاحة تلك الأنظمة التي أؤكد ثانياً أنها تستحق الإزاحة , ظهر إنحيازها في مساندة فصائل بعينها في ثورات الربيع العربي .. مما يؤكد أن تلك الفصائل هي الكرة التي يمتلكها أمير قطر من أجل التواجد القوي علي الملعب السياسي .. فالرؤية القطرية تري أن إمتلاك حكام عرب يمثلون ثورات شعبية , مع قناة فضائية بإمكانات عالمية , مع ما يقرب من ربع إحتياطي الغاز الطبيعي الدولي , مع علاقات أمريكية إسرائيلية قوية , وعلاقات إيرانية جيدة .. لابد وأن تنتج زعامة إقليمية !
   ولكن .. لابد أولاً أن نستقر علي مقومات الزعامة في منطقة , فمن المؤكد أن الجانب الإقتصادي يشكل عاملاً حيوياً في صنع الزعامة .. إلا أنه ليس كل شئ , بل ويشارك أو يتفوق علي قطر في هذا الجانب عدد من دول الخليج العربي .. أما عن القوي الناعمة التي تمتلكها قطر , فمن المؤكد أن قناة الجزيرة كان لها دوراً هاماً في تأجيج وتمكين ثورات الربيع العربي .. إلا أنني أعتقد في إنخفاض مستوي مصداقية القناة لاسيما في الشارع المصري حتي وإن كانت الجزيرة خير حليف للمواطن المصري أثناء الثورة .. فالمُتلقي يدرك جيداً أن من يستميت بقوة في الدفاع عنه والإنحياز إلي صفّه دون وجود مبررات واضحة لتلك الإستماتة أو هذا الإنحياز , لابد وأن وراءه أمراً ما غامضاً ولا يصب في مصلحته بكل تأكيد ..
  فلا يوجد شخص علي الحياد يؤمن برغبة قطر في دعم ديموقراطية حقيقية ومساندة حق الشعوب في تقرير مصائرها , وهي الدولة التي تولي أميرها الحكم بإنقلاب علي والده , ولا تملك برلماناً شعبياً أو حتي بوادر تحقيق ديموقراطية حقيقية داخلها .. وأعتقد أن رجل الشارع العربي الفطِن قد توصل إلي تلك الحقيقة , بإستثناء بعض المنتمين إلي الأنظمة البديلة التي تقف من وراءها قطر لتنفيذ مشروع الزعامة الجديدة ..
  أعتقد أن بتغيير الأنظمة العربية (قطرية الهوي والولاء) عبر الإنتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة , مع سابق تجربتنا مع السياسة الخارجية الأمريكية في مساندة الرابح أياً ما كان .. مع تلاشي دور قناة الجزيرة في توجيه الرأي العام كما كان في السابق ..  ستفقد قطر الكرة التي تمنحها مقعداً مميزاً في ساحة اللعب ..
   فقد يلفظ اللاعبون كرة القدم بأسرها , ويتجهون إلي البلياردو ! ووقتها لن تجد قطر صاحبة الأنامل المرتعشة سوي جمع الكرات الملونة من أركان الطاولة .. بعد إنتهاء الوقت المحدد !

التعليقات