آراء حرة
د. عاطف عتمان يكتب : صورة قامت بسبر غورى وأوقفتنى عاريا متأملا
هذه الصورة البديعة أثارت فى نفسي شجون ذات مذاق خاص وأبحرت فيها بطريقتي… أحدث نفسي ..أنادى عليها ..أناجيها ..أعاتبها ..وأحيانا كثيرة أصرخ فى وجهها فتختبىء منى .. وما إن تبرد أعصابي حتى أعاود البحث عنها وأحيانا تغضب على وتقسو فتهجرني طويلا حتى يضنيني البحث ويرهقني التعب وأكاد أقنط بعد طول غيابها ولكنها تعود تتسلل إلى وترمقني بنظراتها من خلف الستائر المتشابكة عناقا وعراكا .. لاحظت بعض التعليقات على الصورة منها ما ينتقد تلون البشر وتبدل الأقنعة وزيف الوجوه .
أما أنا فقد رأيت فى هذه الصورة نفسي بطينها وروحها بخيرها وشرها بتناقضاتها وصراعها الداخلي وعراك الوعي واللاوعي فيها …. رأيت فيها الحقيقة الواحدة والتي تتغير إليها النظرة وفق زاوية الرؤية ومن نظر من زاوية واحدة فاتته معظم معالم الصورة . رأيت وحدة الصورة وتعدد النظرات وتكاملها .. رأيت الخير والشر فيها ..رأيت السواد والبياض ..الروح والمادة الإزدواجية الناتجة عن طغيان وإستبداد النفس على العقل ..وإستبداد الجهل على العلم …. نظرت فى النصف الأبيض الملائكي وتمعنت فى النظر فلم أجد نفسي فإنتابتني رعشة فخشيت أن يكون مكاني فى النصف المظلم .
بحثت فى النصف الأسود فلم أجد نفسي فتهللت أساريري نظرت للصورة بشقيها وجدت نفسي فيها ومنها ….إنسان ..نعم إنسان .. أشهد على نفسي بالنقصان وأقر بالخطايا وأعترف بالذلل والإنغماس كثيرا فى الهوى.. وأعيش عراكا تغلب طينيتي فيه كثيرا فأميل للسواد وتسمو روحي أحيانا فأتجه للنور أقتبس منها فأعزف سيمفونية تتراقص نفسي على سلمها من اللون البنفسجي الذى يلي هالة النور التي لا تكون إلا للأنبياء حتى الأحمر مرورا بألوان قوس قزح .. مع أنني لون هالتي فى المنتصف يعشق الأخضر ولا ينتعش إلا فى وجوده .. ربما لو دققنا النظر بمفهوم آخر بعيدا عن تلون الحرباء لكثير من البشر …لوجدنا مرآة لذات الصراع الداخلي وإن كل إنسان لديه الصورتان وربما أنظر إليها على أنها العراك ما بين الطين والروح … ما بين القبح والجمال ما بين الخير والشر فى نفس الإنسان .. أراها توضيحا مهما لضيق النظرة والتعصب لزاوية الرؤية .والعلم البشرى النسبي الذى مهما حوى وألم بجوانب فإنه يجهل الأخرى وتظل حقيقة وصوله نسبية ..
وحقيقة إدراكه لكنه الأمور ناقصة .. كل ينتقد الكل ويعيب على غيره بشريته المقترنة بالنقصان والخطيئة ويتناسى ظلمه وخطيئته وأشد الظلم وأخطره ظلم الإنسان لنفسه ….. نتصيد الأخطاء و نشيطن من نكره ونسبغ ملائكية على من نحب ونشعر بالغربة ونتناسى أننا جزء من المنظومة البشرية بكل خطاياها … ربى نصب الميزان وقال من يعمل مثال ذرة ونحن وفقا للهوى ننسف تاريخا من أجل هفوة ونتلذذ بسقطة لمن لا نهواه ونتعامى عن سقطاتنا ولا نشكر ستر ربنا لعوراتنا.. ننبش قبور التاريخ ونتحول لقضاة وجلادين ونقيم خصومات ونصدر أحكام وليت كل منا كان قاضى على نفسه ناصحا لغيره ملتمسا العذر وما خفى عليه من جوانب الصورة … الكل يشتكي المظلومية وأنه حمل وديع وسط الذئاب وصاحب مبدأ وسط الرعاع ولديه وعي وسط المغيبين.! أين الظلمة إذا ؟؟؟ وجدت نفسي فالصورة إنسان أسعى جاهد للنصف الأبيض ولى من النصف الأسود حظ ونصيب وتاريخي وحاضري في الميزان والكفتان ممتلئتان وأطمع فى رحمة المنان أن يثقل كفة الميزان التي تنجيني من الهلاك ..
فأشهدكم أنى إنسان وأنى موصوف بالنقصان … ورحم الله أبو العلاء المعرى حين وصفني فقال .. أشهدُ أنّي رجلٌ ناقِصٌ، لا أدّعي الفضلَ، ولا أنتَحلْ جئتُ، كما شاءَ الذي صاغَني، ومَن يَصِفني بجميلٍ يُحَل فطوبي لمن دان نفسه وبكي خطيئته وأصلح إعوجاج نفسه..