مصر الكبرى

11:29 صباحًا EET

قبل ما نستخدم كلمة لازم نتأكد من مردودها على ذهن المتلقي

قبل ما نستخدم كلمة لازم نتأكد من مردودها على ذهن المتلقي
 

إيه رأيك في اليمين محافظ؟

كويس. ربنا يجعلنا من أهل اليمين، وهو مين يكره المحافظة والالتزام غير الناس اللي عايزة تمشي على حل شعرها.

وإيه رأيك في اليسار؟

اللهم إني أعوذ بك من أن أكون من أهل الشمال. ربنا يجعلنا من أهل اليمين.

لأ مش ده قصدي. أنا قصدي اليسار السياسي.

سياسي ولا مش سياسي، كله بُعد عن الصراط! ربنا يحفظنا ويجعلنا دائماً من أهل اليمين ويجعل أيامنا خضرا.

آه، علشان كدة علِّمت على الدائرة الخضرا في الاستفتاء، علشان تكون أيامنا خضرا؟    طب إيه رأيك في الأحزاب الإسلامية؟

ومين يكره الإسلام غير كافر؟

لأ أنا قصدي خلط الدين بالسياسة.

ياريت. ما هو لو احنا لو بنتقي ربنا في كل حاجة كان بقى حالنا غير كدة.

طب وإيه رأيك في الليبراليين والعلمانيين؟

الكفرة ولاد الـ****

 

"اليمين المحافظ"، "التيار الإسلامي"، "خلط الدين بالسياسة" كلها تعبيرات لها مردود إيجابي لمن يجهل المصطلحات السياسية ولم يقرأ عن التاريخ السلبي للتيارات اليمينية والدينية في مختلف الدول. وكلمات مثل "يساري"، "ليبرالي"، "علماني" لها مردود سلبي في الأذهان. هذا هو الوضع الحالي في مصر: المردود السلبي للمصطلح لا يصل لكثير من الناس بل وقد يكون له وقع إيجابي في الأذهان. لمعالجة على هذا الوضع، هناك حلان:
حل طويل الأجل يعتمد على حملات من التوعية السياسية، وهو حل طويل الأجل لأنه ينبغي أن يسبقه محو الأمية والقضاء على البطالة ورفع المستوى الاقتصادي للمواطن.
وحل قصير الأجل يعتمد على التعامل مع الجهل السياسي الحالي بواقعية، بمعنى أنه على المتحدث إن أراد التنبيه إلى جوانب سلبية أن يستخدم تعبيرات لديها مردود سلبي في ذهن المتلقي لا ذهنه هو فالكلمة التي لها مردود سلبي في ذهن المتحدث بناءً على معرفته وقراءاته ليس بالضرورة أن يكون لها نفس المردود على ذهن المتلقي الذي ليس لديه مقدار المعرفة الكافي لإدراك الجوانب السلبية للتوجهات اليمينية "المتطرفة"، فهذا هو سبب الخوف من هذه التيارات: تطرفها، سواء كان توجه هذا التطرف يميني أو يساري لا يهم. المشكلة تكمن في الفكر الإقصائي الذي يرى أن اقتناعه بصواب رأيه وحجته يعطيه الحق في تكميم أفواه من ينطقون بالـ"باطل" من وجهة نظره. فالشخص المتطرف فكرياً لا يؤمن بالتعدديه وأنه لا يوجد رأي صائب أو خاطئ فلكل رأي أو حل جوانبه السلبية وجوانبه الإيجابية (Pros and cons) ومن هنا تأتي حتمية المتابعة والتقييم. الخطورة تكمُن عندما يُمَّكن المتطرف فكرياً من السلطة ويبدأ في تنفيذ سياساته القمعية الإقصائية ويسن القوانين والتشريعات ويضع الإجراءات التي تسمح له بتقنين تطرفه حتى يصبح منهاج دولة، سواء كان هذا التطرف يمينياً أو يسارياً. وخطورة التطرف الفكري القائم على الدين تكمن فيما يلي:
أولاً، قدرته التدميرية القوية المنبثقة من اعتماده على الكذب، فعندما يتمكن إنسان من تبرير كذبه على الآخرين لنفسه حتى يتمكن من الوصول لمبتغاه دون أن يشعر بتأنيب الضمير ويقنع نفسه أن ما يفعله ليس ذنباً سيحاسبه الله عليه، ينتهي به الحال بالكذب على نفسه، فيقتنع أنه بالفعل المدافع الأوحد عن دين الله وأنه في جهاد ضد الفئة الضالة.
ثانياً، طائفيته حيث يحل الإنتماء للطائفة محل الإنتماء للمجتمع وتصبح الدولة في حالة التمكن من السلطة مجرد وسيلة لدعم الطائفة ولو تسبب ذلك في انفجار المجتمع. وخطورة الطائفية الدينية تكمن في اعتقاد اعضاؤها أنهم أهل الله ومن دونهم في ضلال. وعلى حد علمي، فإن الطوائف لا تدخل في صراع مع النظام السياسي والسلطة القائمة ولكن تعتمد على إثبات ذاتها دون صدام ولا تكشر عن أنيابها إلا عندما تمكن من السلطة التي ترى فيها الوسيلة للقضاء على "الطوائف" الأخرى والعمل على منع تداول السلطة وبالتالي ضرب الديمقراطية, وكل الطرق لتحقيق ذلك تصبح حلال، وتبدأ الفتاوي المبررة للكذب والتزوير وادعاء أن من يخالفهم هم أعداء الله.
ثالثاً، محاربة الفكر والمنطق، فهذه التيارات تدرك أن تنمية المهارات الفكرية والعقلية من شأنه أن يقضي على مبدأ السمع والطاعة الذي يقوم عليه التطرف الديني، لأنه ببساطة مع التفكير والتحليل والتقييم الدائم لأداء الأشخاص يدرك الإنسان أن السمع والطاعة للخالق وليس لبشر مثله وأن قول "كلكم راع ومسئول عن رعيته"، لا يعني أن هذه الرعية قطيعاً يوجهه الراعي كيفما يشاء، فرعاية البشر تختلف عن رعاية الغنم والماشية.
رابعاً، وهذا هو الأخطر إن من تبعات التطرف الديني عندما يمكن من السلطة ويجد الناس أن أحوالهم ساءت على الرغم من القائمين على أمور البلاد أناس تحرص على شعائر الدين والتقرب إلى الله بالنوافل، قد يؤدي ذلك إلى كفر الناس لا بهؤلاء الذين نصبوا باسم الدين للوصول للسلطة وتلاعبوا بإيمان وأحلام الناس ولكن قد يصل مع الأسف إلى الكفر بالله، مثلما يحدث في الغرب، فعندما كنت اسأل شخص أثناء رحلاتي عن سبب رفضه للإسلام اكتشف أنه يرفض سلوكيات المسلمين ولكنه لم يقرأ عن الإسلام. أخشى أن يصل الحال بالناس في مصر إلى نفس النتيجة، فاستسقاء الإنسان دينه من شخص بعينه قد يؤدي إلى لفظه الدين في حالة اكتشافه أنه كان يتم التلاعب به.
أعتقد أنه علينا أن ندرك أن المصطلحات السياسية المتعارف عليها قد لا يكون لها بالضرور نفس المردود الذهني المتعارف عليه وأنه يجب اختيار الألفاظ التي تسمح بإيصال الرسالة لذهن المتلقي بصورة سليمة. ليس الهدف التلاعب بأذهان الناس مثلما تفعل التيارات الدينية التي تستخدم المفاهيم الإيجابية كالحرية والعدالة والنهضة وشرع الله وإعلاء الدين لفرض هيمنتهم ولكن إدراك أن التواصل ليس مجرد تعبير عن الرأي ولكنه عملية بين طرفين وعلى المتحدث أن يختار الألفاظ التي يستطيع المتلقي استيعابها، علشان أنا متأكدة إن فيه ناس كثيرة فاكرة إن اليمين المحافظ دي حاجة كويسة.

التعليقات