كتاب 11
قصر البارون إمبان
يرى هذا القصر كل مغادر لمصر عن طريق شارع العروبة متوجها إلى مطار القاهرة، وأيضا كل من يأتي إلى مصر ويسلك نفس الطريق.. وهو تحفة معمارية رائعة تقع على مشارف القاهرة المزدحمة. ويرجع تاريخ إنشاء القصر إلى أوائل القرن العشرين الميلادي، واستغرق بناؤه ثلاث سنوات، وقد صمم بحيث لا تغيب عنه الشمس من لحظة شروقها حتى آخر ضوء قبل غروبها! وجميع قاعاته وردهاته وحجراته تدخلها الشمس، ويعد أحد أفخم القصور، ليس في مصر فقط، بل في العالم بأسره، وذلك لتصميمه المعماري الفريد، حيث خطط على الطراز الهندي الثري، ويتكون القصر من طابقين، وبه ست حجرات كبيرة وصالتان، وفي الشمال يوجد برج كبير مكون من أربعة طوابق بسلم حلزوني داخلي من الخشب.
وفي مدخل القصر بعض التماثيل الرخامية والحجرية التي تمثل أشكالا حيوانية وآدمية. وواجهة القصر والبرج غنية بالنقوش الهندسية والنباتية. ولقد جرى استخدام أثمن مواد البناء في تشييد القصر كالمرمر والرخام والفسيفساء والزجاج الملون، ويشهد الثراء الفني للعناصر الداخلية للقصر على مدى فخامته. وترجع أهمية القصر إلى أنه واكب حركة التعمير التي قام بها البارون إمبان البلجيكي الأصل في حي مصر الجديدة، حيث كان هو صاحب فكرة تعمير وتحويل صحراء مصر الجديدة إلى ضاحية كبرى بعد أن أسس «شركة مصر الجديدة» التي بدأت بتقسيم الأراضي وبناء المساكن وتخطيط الشوارع وإنشاء شركات الكهرباء والمياه والتروماي (المترو) بأسلوب علمي منظم متكامل. ويحيط بالقصر حديقة مساحتها أكثر بقليل من أربعة فدادين، كانت من أجمل حدائق القصور في مصر.
وقد شهد قصر البارون إمبان الكثير من التطورات بعد أن بدأ المصريون يسألون سؤالا واحدا: لماذا نترك هذا القصر مهجورا بهذا الشكل؟ خاصة وهو موجود في أجمل بقعة بالقاهرة (حي مصر الجديدة) واستطاع الدكتور محمد إبراهيم سليمان، وزير الإسكان الأسبق، أن يتصل بورثة البارون إمبان وهم من يملكون القصر وعرض عليهم أرضا في القاهرة الجديدة على أن يحصل على القصر للدولة، وجرى بالفعل تسليمه للمجلس الأعلى للآثار لأنه يعتبر أثرا معماريا فريدا.. وبدأنا في محاولة إحياء القصر وإعادته إلى سابق جماله وروعته كتحفة معمارية جميله وقمنا بالتعاون مع السفارة البلجيكية لدى مصر من أجل ترميم القصر. وبالفعل تقدموا بمشروع ترميم مثالي، وبدأوا في عمل تصور فوتوغرافي لجميع أجزاء القصر من الداخل والخارج وتسجيل كل تفاصيل الزخارف المعمارية، وجرى رفع القصر مساحيا وعمل قياسات لقوة تحمل الجدران والأرضيات تمهيدا لبدء الترميم، وفي نفس الوقت اتفقنا مع «شركة الصوت والضوء» لعمل تصور لإنارة القصر من الداخل والخارج مثلما فعلنا مع إنارة قلعة صلاح الدين الأيوبي والتي أصبحت جوهرة تنير القاهرة، وكنت أتمنى أن أرى قصر البارون إمبان بهذه العظمة.. ولكن للأسف توقف كل شيء وتفرغنا لـ«حدف الطوب» على بعضنا البعض، واستعمال الخرطوش وقطع الطرق فيما يسمى المظاهرات السلمية، والتي يبدوا أننا سنظل نطلق عليها هذه الصفة طالما لم نستعمل بها السلاح النووي!
أدعو كل مسؤول أن يزور باكو عاصمة أذربيجان لكي يرى كيف أنهم أناروا المباني التاريخية حتى أصبحت باكو تضارع أجمل المدن في أوروبا.. القاهرة مدينة ثرية بعمائرها.. فهل يوجد فنان بالحكومة المصرية يستطيع أن يعيد للقاهرة جمالها؟ ويعيد إلينا الأمل؟!