مصر الكبرى
سلفي أصلي وسلفي تايواني!
 
لعل المشاهد المؤلمة والمزعجة، وفي الكثير من الأحيان المذهلة، التي حصلت من أتباع حزب النور السلفي في الثورة المصرية، وتحديدا الذين كانوا يؤيدون مرشح الرئاسة عن التيار السلفي حازم أبو إسماعيل، تجعل الواحد يصاب بالحيرة الشديدة؛ فأتباع الفكر والتيار السلفي أساسا لا يؤمنون بفكرة العمل السياسي والتحزب ويبعدون عن كل ذلك تماما، وهناك أيضا في مبدأ الفكر السلفي طاعة ولاة الأمر طاعة كاملة والانصياع للأوامر والقرارات والتعليمات.
ولذلك كان الحراك الذى قيل إنه غير متحضر والذي حصل من المرشح الرئاسي المستبعد حازم أبو إسماعيل وأنصاره أساسا في فكرة «استغلال» السلفية كشعار ديني نقي وتوظيفه سياسيا (سبقه في ذلك الأمر حزب النور حينما أعلن تأسيس حزب سياسي سلفي). وبعد أن تم الاعتراض القانوني الرسمي من قبل الجهة المعنية بإدارة الشؤون الانتخابية في مصر وأسقط حقه في الترشيح بعد أن تم الكشف عن أن والدته المتوفاة كانت تحمل الجنسية الأميركية، وهو مخالفة صريحة جدا لشروط الترشيح، احتج أبو إسماعيل وتوعد بالرد وإظهار الحقيقة وخرج أنصاره بالآلاف «معترضين» على القرار الواضح والمدعم بالوثائق ولم يستطع أبو إسماعيل إثبات عكس ذلك وتوعد مؤيدوه بـ«ثورة حتى الموت» و«جهاد أكبر حتى النصر» ودخلوا في مواجهات عنيفة ودامية جدا مع الدولة وتسببوا في أذى العشرات وإتلاف العديد من المنشآت.. كل ذلك من دون تقديم دليل مادي حقيقي يثبت أن والدة حازم أبو إسماعيل لم تتحصل على الجنسية الأميركية.
كل هذه التصرفات والغوغائيات والاعتراضات والتصعيدات والتهديدات صادمة لكل من يعرفون الخطاب السلفي الحقيقي البعيد عن ذلك. فعلى الرغم من تبني حزب النور وأنصار حازم أبو إسماعيل «المظهر» السلفي في أسلوب إطلاق اللحى والملابس التي يرتدونها والديباجات التي يستخدمونها في حواراتهم والشعارات التي يرفعونها في مقابلاتهم واجتماعاتهم والاستشهاد بالشخصيات التاريخية والمعاصرة المعروفة والمحسوبة على الفكر السلفي وتبنيهم للمواقف التاريخية المعروفة في القضايا الاجتماعية الكبرى؛ فإن ما حدث في مصر كشف على ما يبدو عن أن هناك أنواعا مختلفة من السلفية، منها ما هو غير مسيّس وآخر اخترقته السياسة بقوة وباتت الموجه الكبير له.
اللعب على العواطف باسم الدين لأغراض سياسية ليس بالجديد في العالم العربي، بل هو ظاهرة عالمية شهدتها مجتمعات صناعية وأخرى ناشئة، وهي معادلة سريعة الانتشار وبالغة الفعالية والتأثير وتختصر الطريق والوقت لطالبيها، ولا شك أنه بعد أن رفعت شعارات قديمة في يوم من الأيام تقول باختصار إن «الإسلام هو الحل»، تبين لشريحة غير قليلة من الناس أن رافعي هذا الشعار هم جماعة سياسية وليسوا جماعة دينية في حقيقة الأمر، واهتزت الثقة فيهم وانقسم المجتمع في رأيه حول ما يقومون بقوله وعمله، وبالتالي كان هناك «فرصة» مهمة لراغبي استثمار التعطش الكبير الموجود داخل المجتمع في التغيير، وذلك بالاستمرار في الطرح الديني ولكن بتقديم «صورة» مغايرة والدخول ضمن خطاب وفكر ظاهره أكثر تمسكا بالدين في الشكل والقول، وبالتالي يبدو للمتلقي أنه «خال» من الشوائب والمنغصات التي قد تولد الشكوك والافتراضات وتخيف الناس منهم وتبعدهم عنهم.
ولكن الكثير من المنتمين للمدرسة السلفية التقليدية يعتبرون ما يحدث الآن «باسمهم» على الساحات السياسية ما هو إلا عبث وهوى كبيران، والضرر أكبر من النفع، والتصدع الذي أصاب الخطاب السياسي الهزيل أصلا للمجموعة السلفية في مصر جراء بعض المواقف «الغريبة» والتي اهتم بها الإعلام والشارع وحولها إلى مجال للسخرية والنكتة، سيجعل من المهمة السياسية لهم صعبة في ظل وجود منافسة قوية من الآخرين على الرغم من المفاجأة العددية للكثيرين من الحضور السلفي في الساحة المصرية، ولكن يبقى ذلك غير كاف.
ويبقى المشهد مثيرا للمتابعة.. كيف سيتخطى التيار السلفي السياسي في مصر الإخفاق الذي أصابه، ورهانه اليوم على قوة دعم لعبد المنعم أبو الفتوح مؤثرة للفوز بمنصب الرئاسة في مصر كداعم للمرشح بعد أن فقدها كمرشح مباشر، وهي مسألة ستعيد ترتيب المجموعة السلفية في مصر بشكل جذري.