كتاب 11
العولمة.. وتطور الكائن السياسى
فى قلب الأزمات تتجلى المأساة.. وينطلق الحس فى جوف ذاته .. ويترجل الفكر من صهوة جواده ليجسد شيئا فى الواقع غير الكلمات .. ولما كانت الأزمات تتطور مؤشراتها سلبا وإيجابا وفقا لفكر وأسلوب إدارتها وأدواته ومدى قدرته على السيطرة على خيوط حركة الواقع .
. فإن الفكر السياسى الواعى القادر على تقديم الحل السياسي يظل الفارس الحقيقى التى تسير على خطاه الرائدة باقى الحلول (القانونية ـ الأمنية ـ الإقتصادية ـ الإجتماعية ـ الثقافية … الخ ) بشكل أقل كلفة فى الأشخاص والأموال .. وكنا نعرف أن الفكر السياسى بهذا المعنى لايولد إلا داخل الحاضنات السياسة من رحم الكائنات السياسية حتى تلاحظ ,, إلتباسا فى ملامح الفكر السياسى على عقب تحور ملامح الكيانات السياسية فى قوالب الإيدلوجية تارة وفى قوالب الإحتلالات الدولية العسكرية والإقتصادية والإجتماعية والثقاقية تارة أخرى .. لدرجة تبادلت فيها كافة مؤسسات الدولة أدوارها .. حتى منظمات المجتمع المدنى تبادلت ادوارها فلقدت أدت الكيانات الأجتماعية أدوارا سياسية وأدت الكيانات السياسية أدوارا إجتماعية لدرجة توقفت معها المسيرة السياسية وإنهار البنيان السياسى .. وفى عرس سياسى جديد لزيجة كائنات غير سياسية .. تلقينا مولودا سياسيا مشوها تنكر نسبه كل الكائنات السياسية.. ليعود لصاحبة ذات الرحم المؤجرة التى فيها نشأته.. وبين حبات العقد السياسى المنفرط تختلط الأنساب ويلتف حبل الصفات الوراثية على جيد جيناته خالقا شفرة وراثية جديدة لكائنات سياسية جديدة .. ولفترة ليست بعيدة كان من اليسير فى مثل هذه الظروف التى ينفرط فيها العقد السياسى وفى وقت أيسر قراءة هذه الشفرة الوراثية وتحديد الصفات وعقد الزيجات السياسية المتكافئة واستقبال كائن سياسى صحيح .. لكن الملاحظ فى الآونة الأخيرة .. أخطاء كبيرة فى قراءة الشفرات الوراثية الجديدة أو عدم قدرة على القراءة لدرجة تتعدد معها القراءات لذات الأمشاج المتكررة .. لا أحد ينكر أن لدينا علماء فى العلوم السياسية .. والأنظمة السياسية .. وفلاسفة وقامات سياسية .. لهم تاريخهم العلمى والفكرى والسياسى طيلة سنوات ورحلة عمر زاخرة بيد أن نقلة نوعية فى الواقع السياسى سبقت كل ذلك بخطوة .. وثمة طفرة وراثية طرأت على جينات الكائن السياسى .. غيرت فى شفرته الوراثية بحيث .. تبدو قراءتها دائما غريبة عن هويتها .. تترك مجالا للريبة فى طوابير عقدها المنفرط .. نشأت الكيانات السياسية على أسسها الديمقراطية لتعبر عن أعضائها .. فى الماضى و إلى وقت قريب .. كان الكائن السياسى ينمو داخل حدود الوطن .. يتنفس من ذات هوائه السياسى .. ويرث ذات ملامحه .. ويرتبط بحياته وجودا وعدما من خلال حبل سرى طبيعى لاتنتقل عناصر ذاته إليه إلا من خلاله .. ويرتبط بذات الجهاز المناعى ويدعم الكيان كله ذات الأجهزة التى تقوم على وظائفه الحيوية وتضمن بقائه.. بيد أن نهايات القرن العشرون وبدايات القرن الواحد والعشرين شهدت طفرة نوعية تكنولوجية .. جعلت الكائن السياسى ,, من حيث الحدود الجغرافية يحيا داخل بقع جغرافية لاتدور داخل الكرة الأرضية فى موقع ثابت على الخريطة وإنما تدور فى دوائر حول ذاتها متقاطعة مع دوائر كل الحدود .. بحيث تدخل كل الأفق العالمية وتمر بكافة مياهها الإقليمة والدولية وتتلاصق مع كافة الحدود البرية .. وعلى المستوى الأقتصادى .. لم يعد الحبل السرى متصل بجسد الوطن فقط .. بعد تلاصق الأجساد الدولية وإلتحامها بشكل يبدو جليا فى الشركات العملاقة العابرة للقارات والممتدة أوعيتها الدموية داخل الأجساد الوطنية .. وعلى المستوى سيادة الدول فقد ادخل الفضاء الإلكترونى كل الدول فى جوف فضاء عالمى واحد لا سيادة لدولة فيه على فضائها الإلكترونى .. وفى إطار الفعل ورد الفعل الدولى .. داخل هذه الدوائر المتقاطعة تبدو الحركة على المستوى الإستراتيجى حركة إحترافية معقدة بين كل هذه الخيوط الممتدة والمتقاطعة لترى الأقدام موضعها وعلى أى خيط تقفز وأى خيط يشد قدمها اليسرى .. منطقيا أن يكون للكائن السياسى الحديث ذات ملامح شفرته الوراثية التى جمعت كل جيناته السياسية فى رحم العولمة .. لكننى أعتقد أنه بات من الضرورة بمكان .. أن يسبق الفكر السياسى الواقع الحالى بخطوة لحظية سريعة بسرعة العصر ليشهد طبيعة ومواضع اقدامه .. ويرسم أهدافه فى ضوء معطيات دولية .. ويتفهم ما طرا من تطور على طبيعة الكائن السياسى و سوف تندهش النظرة السياسية عندما تقرأ أن طالعها سيكون من أفضل ما يمكن .. ولا سيما أننا نحتل مكانة القلب فى جسد هذه العولمة ,,