مصر الكبرى

08:20 صباحًا EET

تفكيك البناء الديكتاتوري وحرب المواقع

تزايد الجدل خلال هذا الأسبوع حول قرارات الرئيس مرسي ومعاونيه بعد اتمام تشكيل المجلس الأعلى للصحافة والمجلس القومي لحقوق الانسان وتعيين عشر محافظين جدد. وتابعت على مواقع التواصل الاجتماعي وبرامج التوك شو العديد من الأحاديث حول أخونة الدولة واستيلاء الإخوان ومناصريهم وحلفائهم على العديد من المواقع الحيوية والحساسة. كما تساءل الكثيرون عن أهلية بعض المختارين لشغل مناصبهم وان كانت هذه الاختيارات أو تلك تتفق مع المواقف المسجلة والخلفيات المعروفة للشخصيات المختارة.
 
وفي وسط متابعتي هذا النقاش البيزنطي مع احترامي للمنخرطين فيه، كتبت على الحساب الخاص بي على الفيس بوك كلمة قصيرة أعبر فيها عن رؤيتي للموضوع:
"المشكلة مش ان احتمال يكون سيادة المحافظ شقيق حرم رئيس الجمهورية.. لأن البلاد المحترمة بينتخب فيها المحافظين. ومش المشكلة ان وزير الاعلام اخوانجي.. لان البلاد المحترمة أصلا مافيهاش وزراة اعلام. ومش حناقش ليه صفوت حجازي في المجلس القومي لحقوق الانسان ..اللي هو بدعة الهدف منها تقييد المنظمات الحقوقية وأصلا مش موجود في الدول المحترمة. ومش حسأل ايه هي مؤهلات نادر بكار لعضوية المجلس الأعلى للصحافة لأن ده مجلس مختلق عايزين بيه يحطوا الصحافة والصحفيين على مسارات محددة لا يحيدون عنها. لا تناقشوا الأشخاص والمناصب لكن ناقشوا الأجهزة والمؤسسات ودورها والهدف من وجودها. "
 
وأذاعت قناة البي بي سي العربية مساء الثلاثاء حلقة من برنامجها المتميز أجندة مفتوحة بعنون "أخونة الدولة في مصر بين الحقيقة والمبالغة" استضافت فيها من القاهرة الأستاذة فريدة النقاش الصحفية والناشطة اليسارية المعروفة والأستاذ احمد السبيعي المستشار الإعلامي لحزب الحرية والعدالة، وانضم اليهما في الاستوديو الدكتور مأمون فندي استاذ العلوم السياسية ومدير المعهد العالمي للدراسات الاستراتيجية وكذلك الناشط السياسي الشاب فادي جورج اسحاق عضو مجموعة مصريون متحدون في لندن.
 
كانت الأستاذة فريدة النقاش طوال الحوار تهاجم حزب الحرية والعدالة بضراوة وتتهمهم بالسعي نحو أخونة المجلس الأعلى للصحافة الذي- بحسب قولها- كانت آمال الصحفيين معقودة عليه لتصحيح مسار الصحافة المصرية وأجابها الأستاذ السبيعي بطبيعة الحال نافيا لهذه الاتهامات وحاول أن يوضح بالأرقام والأسماء ان التواجد الاخواني في المؤسسات المذكورة ليس بالصورة التي يدعيها البعض والتي يشوبها المغالطة والمبالغة.
 
أما الدكتور مأمون فندي فقد اتخذ خطوة أبعد الى الخلف بقليل وأصر على مناقشة الهدف من وجود مثل هذه الهيئات في مصر من أساسه، بل وأشار الى ان هذه المؤسسات التي استحدثت في عهد النظام السابق ليست سوى كيانات الهدف الحقيقي منها هو عكس ما تحمله من أسماء، وأنها كانت جزءا من حالة وضع اليد التي عاشتها مصر وشهدت غياب دولة القانون. فالقول بأن هذا المجلس يحمي حقوق الانسان وذاك يحمي المرأة والثالث مجلسا أعلى للصحافة ما هو إلا استحدام لميراث سيء تركه لنا النظام السابق فلا يليق بنا أن نسعى الى تجميله وتحسينه وأن نتناسى ان الهدف من وجود هذه الاجهزة يجافي وينافي العصر الذي تتمنى مصر ترسيخ أقدامها به هذا ان كنا نطلب حقا التغيير والديمقراطية. وعلى ذلك فان اولى خطوات التغيير الحقيقي – بحسب الدكتور فندي- تتطلب تفكيك البناء الديكتاتوري لا الاحتفاظ به ومحاولات طلائه وتجميله من الخارج. وقد وافقه في ذلك الناشط الشاب فادي جورج وأيد وجهة نظره في رؤيته للعديد من الاجهزة ومنها وزارة الاعلام بطبيعة الحال والتي يعد الاصرار على وجودها أمرا مؤسفا الا انه أضاف أن الشعب المصري ليس بجاهل او قاصر وأن القوى السياسية أيا كانت لن تستطيع فرض ارادتها عليه مع اعترافه بأن الكثير من اتهامات اخونة الدولة يشوبها المبالغة كما ان عزوف الاخوان عن تطمين الناس والاعتراف بالخطأ حال حدوثه يفسح المجال للمزيد من التشكيك والاحتقان والاستقطاب في الشارع المصري.
 
واعود هنا الى طرح الدكتور فندي عن ضرورة تفكيك البناء الديكتاتوري، فالعديد من المؤسسات العاملة في الدولة أصبحت مصدرا لحيرتنا. وان المرء ليتسائل عن سبب غض النظر عن الكثير من أجهزة الدولة ومؤسساتها المترهلة والتي تستحق اعادة النظر في وجودها من الأساس وليس فقط تعديل الوجوه المنتمية اليها. اللهم الا اذا كان النظام الجديد يخطط –حاشا لله- لاستخدامها بالطريقة نفسها التي استخدمها بها النظام السابق بعد عمل بعض الرتوش الخفيفة وتعيين الموالين له في مناصب عليا بتلك الأجهزة المعيبة.
 
ويحضرني هنا أيضا المصطلح الذي صاغته الأستاذة الدكتورة رضوى عاشور أستاذ الادب الإنجليزي بجامعة عين شمس بعد أشهر قليلة من قيام الثورة عندما تحدثت عن حرب المواقع. قالت الدكتورة الفاضلة في حوار تلفزيوني أن صلاح الأحوال في مصر يقتضي انتقال الثورة وحملات التطهير من ميدان التحرير الى كل مواقع مصر، فعلى عمال كل مصنع أن يصلحوا من شأن مؤسستهم وعلى أساتذة كل جامعة أن يراجعوا قواعد العمل بها وعلى كل مجموعة اعلاميين أن تحاول تطهير مؤسستها وهكذا. وبذلك- حسب الدكتورة رضوى- تكون الثورة قد نجحت في تحقيق أهدافها من خلال الانتقال الى المواقع المختلفة في طول مصر وعرضها لأن الهدف من الثورة لم يكن فقط الإطاحة برأس النظام والسلام.
 
وعندما أضم الطرحين معا، طرح الدكتور فندي عن تفكيك البناء الدكتاتوري ودعوة الدكتورة رضوى الى حرب المواقع والتطهير الجزري، أجد أن كلاهما قد أصر على أن هذا هو السبيل الوحيد لإعلاء دولة القانون وهو السبيل الوحيد لاستمرار الثورة بصورة فاعلة ومنتجة وجزرية. ويحضرني هنا أيضا التشبيه الذي استخدمه الدكتور فندي عن كون المصريين قد غيروا سائق العربة وهو الدكتور مرسي وتوقعوا نتائج مختلفة رغم أن قانون المرور وسعة الشوارع واهتراء العربة وغيرها من المعوقات مازالت كما هي، فبأي منطق نتوقع تغير النتائج.
 
فكم من الأجهزة في مصر اختلقت فقط لتمكين النظام من الترويج لفكرة بعينها وكم من الأجهزة نبيلة المقصد مخترقة وبحاجة الى تطهير. ترى هل يلزمنا في مصر مناقشة السيرة الذاتية لأعضاء هذه الأجهزة الهلامية أم أنه يجب علينا مناقشة "مسئوليات الوظيفة" التي سيقوم عليها هؤلاء. كم من مؤسسة مبشرة متواجدة بمصر الحبيبة تحتاج الى عملية تنظيف سريعة من الأورام السرطانية التي تمرضها وتخترقها.
 
ان القضية يا سادة اكبر بكثير من توزيع المناصب، فالقضية قضية مسار. هل تهدف الادارة الجديدة الى الوصول للحكم وبها ونعمت؟ أم أن الهدف هو تفكيك البناء اليكتاتوري لدولة اللا قانون؟ هل توقف مسار التطهير عند عتبات أجهزة بعينها أم أن المراجعة الشاملة ستطلق حرب المواقع لتساعد جسد مصر على التحرك الى الامام.
 
نرجو أن يتم ذلك بعيدا عن الأخونة والسلفنة والبردعة والفتحنة والحمدنة والحزمنة وغيرها. نريد هدما وبناء من أجل مصر لا من أجل فصيل سياسي يعلم الله ان كان سيستمر في الحكم بعد أربع سنوات من الآن أم لا. نريد بناء من أجل اولادنا وأحفادنا مع مراعاة عدم أخذ المقاسات على قد النظام الجديد. نريد أن نفكك الارث المشئوم وان نطلق حرب المواقع من أجل مستقبل أفضل…..للجميع.

التعليقات