مصر الكبرى

10:49 مساءً EET

مصادر جديدة لإلهام المصريين

وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها عام 1945 مخلفة وراءها أكبر دمار عرفته البشرية بعد أن لقى قرابة الخمسين مليون انسان حتفهم ما بين مدنيين وعسكريين.

كما شهدت نهاية هذه الحرب جريمة كبرى تمثلت في تفجير القنبلتين الذريتين في هيروشيما ونجازاكي. أضف الى ذلك ملايين المصابين والمشوهين ودمار اقتصادي واجتماعي وتخلف ثقافي وفني عانت منه البشرية بفعل ست سنوات عجاف تفرغ فيها العالم لتلك الحرب القذرة ونسي البشر كل شيء عن أنفسهم الا من اعتبروا انفسهم آلات للقتل ومن اعتبروا أنفسهم أهداف في انتظار من يصيدها.وشهدت هذه السنوات الغاء دورتي الألعاب الأولمبية لعامي 1940 وعام 1944 بسبب ظروف الحرب. الا ان المنتصرين قرروا استئناف النشاط الرياضي ومنحوا العاصمة البريطانية العجوز لندن شرف استضافة هذه الألعاب عام 1948. كان مئات الآلاف من الشباب حول العالم وبخاصة في أوروبا يعانون اصابات بالغة أقعدتهم عن الحركة  وهم في عمر الزهور ووجدوا أنفسهم مقيدين بكراسي متحركة وهم في ريعان الشباب بسبب نزوات حكامهم المخابيل من هواة القتل. كان العقيد طبيب بالجيش البريطاني- وهو ألماني الأصل- لودفيج جوتمان يحاول اعادة تأهيل الجنود والمدنيين المصابين بعجز او عطب شديد في العمود الفقري من خلال تقوية وتدريب أجزاء اخرى بالجسد تشعر المصاب أن حياته لم تنته بفعل اصابته وأن جسده يستطيع تعويض ما أصابه من ضرر عن طريق دعم وتدريب الأطراف التي مازالت قادرة على الحركة.أراد الطبيب النابغة أن يمنح هؤلاء المصابين هدفا يستمرون في التمرين من أجله ووعدهم بالمشاركة في دورة لندن إن هم واظبوا على ممارسة الرياضة رغم صعوبة فعل ذلك وهم على كراسيهم المتحركة. وبالفعل شارك الرياضيون البريطانيون بدورة لندن على هامش البطولة، ثم انضم إليهم رياضيون آخرون من دول أخري في الدورات التالية حتي أقرت مسابقات الاولمبياد الخاص او البارالمبياد كمسابقة رسمية ابتداء من اولمبياد روما عام 1960 .نظرت الى صور الأبطال المصريين من ذوي الاحتياجات الخاصة وهم يحرزون الميداليات واحدة تلو الأخرى منذ اليوم الأول لبدء مسابقات دورة لندن البارالمبية، وسعدت بحجم الاهتمام والتغطية الإعلامية لأنشطة البعثة المصرية. ورغم أن هذه التغطية لا ترقي الى المستوى المطلوب الا أنها بلا شك قد تحسنت عن المتابعات التي عهدنا ضعيفة وغير عادلة في الدورات الماضية.نظرت الى هؤلاء الابطال.. لا يتحدون فقط قدرات الجسم البشري الطبيعي المحدودة، بل كان هؤلاء يتحدون جسدا أراد الله به نقصا او عطبا او خللا يبتليهم من خلاله. وتساءلت عن شعب مصر وان كان يستطيع أن يستمد الهاما ما من وجوه وأجساد هؤلاء الابطال الذين رفعوا اسم مصر عاليا رغم معاناتهم الشخصية الخاصة ومعاناة القطاع الرياضي في مصر بصورة عامة. تساءلت عن تحطيم المستحيل في مجتمع ينظر الى ذوي الاحتياجات الخاصة على انهم معاقين أو معوقين وكلتاهما كلمة بشعة كف العالم عن استخدام نظيريهما المسيئين لأصحاب الاحتياجات الخاصة. هل يمثل هؤلاء الشباب والشابات مصدرا لالهام المصريين؟ هل ننظر اليهم ونشعر بالخجل من استسلامنا لردتنا السياسية والحضارية والثقافية؟ هل نكف عن الشعور بانه ليس في الامكان أبدع مما كان وأن هناك ماردا بداخل كل واحد فينا بانتظار التحرك والانتاج.ان كان حال الرياضة في مصر سيء وظروفها متدنية وبرامج التدريب والتمويل شديدة التخلف عن المعدل العالمي.. هذا بالنسبة للأصحاء فما بالكم بظروف اتحادات ذوي الاحتياجات الخاصة. من يطلب من هؤلاء الأبطال أن يصوروا اعلانا تليفزيونا أو مطبوعا؟ من يرعى بطولاتهم ويوفر لهم الغذاء والزي الرياضي المناسب؟ من سيكافئهم بشقق المحافظة وسيارات أحدث موديل. وماذا عن عقود الاحتراف التي لن تأتي ابدا. ورغم كل ما تقدم فقد حققوا في أربعة ايام ما لم يحققه الرياضون الأصحاء في ستة عشر يوما كنا نلهث فيها وراءهم من قناة الى أخرى آملين في ميدالية او حتى مركز متقدم.وفوجئت برسالة تأتي الى من أحد طلابي وهو شاب عمره 22 عاما أصيب في حادث ويستخدم كرسيا متحركا وجدت طالبي النابغة يبشرني بنيته في أن يذهب الى استاد الاسكندرية الرياضي ليعرف أي الرياضات أنسب لحالته من أجل أن يمارسها. أخبرني تلميذي النجيب أن مشاهدته لهذه الصور القادمة من لندن كل دقيقة بمعجزة لا تصدق مثلت له الهاما كبيرا ودفعته الى اتخاذ هذا القرار.كم سعدت بخطوته وتمنيت أن يتحدى كل منا كرسيه المتحرك الذي يقعده عن تحقيق أحلامه ومن ثم نهضة مجتمعه وبلاده.تحية الى أبطال مصر الذين ألهمونا الصبر والإرادة والقوة والرغبة في تحطيم القيود والحدود وكل ما ومن وقف في وجه أحلامهم. تحية الى منتخب الصم والبكم والذي حاز بطولة العالم في كرة القدم ورجع الى مصر دون أن يشعر به أحد. تحية الى من لم يكتفوا بالتمثيل المشرف وأصروا على رفع علم مصر على منصة التتويج الاولمبي. مع العلم ان الدورة مازالت مستمرة ونحن بانتظار المزيد من الميداليات والأرقام القياسية من أبطال مصر. تحية الى فاطمة وأمل وصبحي وشعبان وشريف وسامح وطه ومطاوع. فمنكم نستمد الهامنا .. أخجلتمونا باصراركم على التفوق ونرجو ان يصل صبرنا وكفاحنا يوما الى درجة.. بطل باراليمبي مصري.

التعليقات