كتاب 11

11:01 صباحًا EET

أنثـى العنـكبــــوت

سبحان الله .. جلست أمام الورقة البيضاء مشدوهاً ، مثل التلميذ الذى فوجىء بأسئلة امتحان لايملك ـ ولو للوهلة الأولى ـ الإجابة عليهـا أو هكذا تخيَّل !! فالجلوس أمام الورقة البيضاء مشكلة المشاكل ، خاصة عندما يكون ذهنك مزدحماً يعشرات الصور التى تريد أن تلتقطهـا بكاميرا الاحساس الصادق ، وخوفاً من أن تبهت فى أعماق الذاكرة ، وتتطلب الغوص من جديد داخل أعماقك .

لمحاولة تجميد لقطة تتفق ومزاجك فى استحضار ( فعل الكتابة ) ، لتخرج السطور على سن القلم الذى ذاق مرارة الحيرة معى ، وتأرجحه بين الكتابة والشطب ، والانتباه الى أن ماوصل الى السطور عبارة عن دوائر ومربعات ومثلثات وخطوط متعرجة ومستقيمة ، وشخبطات لاتنتمى الى الأبجدية فى شىء !! وتنقذنى من حيرتى تلك الصرخات والهمهمات والضوضاء التى تأتينى عبر النافذة المغلقة فى هذا الشتاء الديسمبرى القارس .. لأرى أكُفاً صفراء قميئة بلون الحقد لاتتعدى العشرات ، لكن صرخات حناجر أصحابها يجعلك تتخيل أنها القيامة 

ثم تكتشف الخديعة وانهم مثل رحاة تطحن الحصى ، فتصدر جعجعة أقرب الى حشرجة من أوشك على الموت ، أو كالذبيحة فى ( رفسة ) الشهقة الأخيرة إذا لم يُحكم عقالها .. فانها تترك خلفها آثار التخريب والتدمير لكل ماهو فى طريقها ، من تحطيم واجهات المحال التجارية بالحجارة التى قاموا بانتزاعها من أرصفة الشارع وتكسير أعمدة الانارة وإشاعة الفوضى فى جنبات الطريق .. ليتولى تحت هذا الغطاء من الفوضى بعضاً ممن يحملون السلاح النارى ، ليتم الاطلاق العشوائى على المارة العزل ، وليسقط صريعاً من يسقط ، فلم تأت تلك الشراذم إلا للخراب والتدمير والقتل ، لايعنيهم فى ذلك أرواحاً تزهق ولا منازلاً تُحرق .. بل كل مايعنيهم هو إطاعة أوامر من يحركونهم من وراء الستار كعرائس الماريونيت .

لأرى شخوصاً تتحرك بلا وعى ، لم يتعد كبيرهم العشرين من عمره ، ولكنهم مغيَّبين عن الوعى بفعل الفقر والحاجة الى تلك الجنيهات التى تدفع اليهم ، مقابل دفع حياتهم ثمناً للطاعة العمياء لمن لايعرفون معنى الوطن !! انقشعت تلك السحابة الصفراء من أمامى، وتركت خلفها ماخلَّفت من مصابين وجرحى ، وجلست أفكر فى هؤلاء القتلة الذين يتاجرون بالدين الحنيف والدين منهم براء ؛ ويكرهون الوطن : تضاريساً وبشراً ، ولم يقف الأمر عند حدود الكراهية .. بل يسعون الى تدميره بشتى الطرق وطبقاً للخطة الجهنمية التى غرسها أسيادهم فى عقولهم .. وما أسيادهم إلا عبيداً للقابع فى البنتاجون ، يُملى عليهم خطط السفالة والدناءة والخيانة مستغلاً تركيبتهم النفسية الحاقدة .

فيعيثون فساداً أينما يكونوا .. ليقتلوا الحياة ويدمروا الوطن !! وعرفت فى تلك اللحظة لماذا سقط هؤلاء الخونة بتلك السرعة ، ولم يصُن سادتهم سدة العرش الذى اعتلوه فى غفلة من الزمن ، وبالتواطوء مع من هم أقذر منهم ، وتذكرت على الفور ( أنثى العنكبوت ) التى يهبها ذكرها عشرات ( الأجنَّة ) فى أحشائها .. لتستدير لتقتله شر قتلة 

ثم تأكله جزاء وفاقاً لما منحها ـ بفضل الله ـ من شرف أمومة لاتستحقها !! وهذا بعضاً مماجاء فى مجلة الاعجاز العلمى فى القرآن : ( وقتل الذكر بعد الانتهاء من عملية التلقيح يحدث بين كثير من أنواع العناكب وأكثرها شهرة عنكبوت الأرملة السوداء التي سميت بذلك لأن الأنثى تقتل ذكرها بعد انتهائه من عملية التلقيح. أما بعض أنواع العناكب فتترك الأنثى الذكر ليعيش في العش بعد عملية التلقيح ليقوم الأبناء بقتله وأكله بعد أن يخرجوا من البيض !! ) .. أى أنه الخراب فى كل الحالات سواء على يديها .. أو على يد جيش ( الأجنَّة ) الذين لم يروا لهم أباً يحفظوا له الود ويرعاهم .. أو رأوه وأكلوه !! وتذكرت قول المولى عز وجل فى كتابه العزيز : بســـــــــــم الله الرحمن الرحيم : ( وَإنَّ أَوْهَنَ البُيُوتِ لَبَيْتُ العَنكَبُوتِ ) (العنكبوت الآية 41) 

صــــــــــــــــدق الله العظيم

التعليقات