كتاب 11
في وداع «بهنس»
أحزنني خبر وفاة المبدع السوداني الذي لم أشرف بالتعرف عليه من قريب ولا بعيد في شوارع وسط القاهرة متجمدا من البرد، واحزنني وأغضبني كل الغضب ما أطالعه ممن يرثونه الآن ويبدون الندم على أنهم لم يقدموا له شيئا، في الحقيقة “بهنس” لم يمت، لكن إنسانيتكم هي التي ماتت وتعفنت ورائحتها الكريهة أزكمت الأنوف ولم يصلكم خبرها إلا في طيات نعي “بهنس”، أنتم يا جماعة الشعراء والكتبة لا تجيدون إلا مصمصة الشفاة لدقائق بعدها تعرجون إلى أي ماخور.
في وداع “بهنس” أرى القاتل يمشي في جناز المقتول ويبريء ساحته بكلمات جوفاء لا طائل منها، وسجل ضحايانا حافل من ستينيات القرن الماضي وحتى الآن، نحن قتلة مع سبق الإصرار والترصد.
في وداع “بهنس” أرى أننا مشغولون بالمصالح والجوائز و”شيلني واشيلك” تارة، ومشغولون بـ “سوسو ولولو” تارة أخرى لنفرضها على الوسط الثقافي بـ “العافية” والثمن نعرفه جيدا، ومشغولون بـ “تلميع” من يملكون المال ويعدون الولائم التي تملأ البطون بالسحت، ولا آراكم الله مكروها في مثقف لديكم تركه أصدقاؤه يموت جوعا وبردا.
في وداع “بهنس” تذكرت أبناء جيلي ومنهم من يمض على طريق “بهنس” ومنهم من صنع لنفسه صفحة على موقع الفيس بوك وهو بميدان التحرير، ويقدم نفسه على أنه المثقف الثوري، وهو بلا شك أحد الداعمين لنظرية “الصحبة أولى”، أو “لي لي أولى”، أو من “سيرد لي صنيعي أولى”، وهو حال كل الأجيال السابقة والحالية واللاحقة ما دامت وزارة “السخافة” ترعى هذه الممارسات وتحمي الأوفياء لحظيرتها.
نم قرير العين يا الـ “بهنس” وافسح مكانا فكل صباح لدينا “بهنس” جديد نقتله ونزرف الدمع في وداعه ورائحة البيرة تفوح من أفواهنا.