كتاب 11

11:20 صباحًا EET

«إخوان مصر».. والعودة المستحيلة لحكم ما كانوا مؤهلين له

رغم مرور نحو ستة أشهر على فقدانهم حكما لم يحافظوا عليه كالأحزاب البرامجية الفعلية، التي تعتمد على الحقائق ولا تقضي أوقاتها في المراهنة على الأوهام، فإن الواضح أن الإخوان المسلمين في مصر ومعهم تنظيمهم العالمي مستمرون في الإصرار على «العودة» إلى ما قبل الثلاثين من يونيو (حزيران) الماضي ومستمرون في عدم إدراك أن أمورا كثيرة قد تغيرت، وأن عليهم بدل كل هذا العناد الذي يستند إلى مراهنات وتقديرات خاطئة أن يبادروا وبسرعة إلى مراجعة مسيرتهم المتعثرة التي أوصلتهم إلى هذه النهاية المأساوية التي وصلوا إليها.

قبل أيام أجرت نقابة الأطباء المصريين، التي بقوا يسيطرون عليها لنحو ثمانية وعشرين عاما سيطرة كاملة ومن دون منافس ولا شريك، انتخابات جديدة كانت خسارتهم فيها مدوية ومدمرة، حيث لم يحصلوا إلا على مقعد واحد من اثني عشر مقعدا قياديا من مقاعد هذه النقابة الهامة جدا التي بقوا على مدى هذه الأعوام المشار إليها آنفا يعدونها إقطاعية مغلقة، والتي أعطتهم عددا من قياداتهم التي برزت خلال فترة إسقاط الرئيس الأسبق حسني مبارك وقبلها وخلال آخر انتخابات رئاسية وحتى ما يوصف بأنه الثورة الثانية الجديدة التي أعادت البلاد إلى المسار الصحيح بعد أن أخذوها وانحرفوا بها إلى حكم التنظيم الواحد والديكتاتورية الحزبية.

لقد كانت انتخابات نقابة الأطباء بالنتائج التي أفرزتها أكبر وأوضح مؤشر على أن الثورة الثانية الجديدة التي جاءت استجابة ضرورية من قبل القوات المسلحة المصرية لإرادة الشعب المصري قد جبت ما قبلها، وأن «الإخوان» الذين كانوا ارتكبوا أخطاء مدمرة خلال عام حكمهم سيرتكبون «الخطيئة» النهائية والقاتلة إن هم واصلوا إصرارهم على استعادة الحكم الذي فقدوه من خلال العنف والإرهاب والسعي لإقحام مصر في الفوضى على غرار ما يجري الآن في سيناء وفي بعض مدن قناة السويس وفي العاصمة القاهرة نفسها والمدن الجنوبية الرئيسية.

والمشكلة بالنسبة لـ«الإخوان المسلمين»، الذين ثبت أنهم بعد ثمانين عاما يتقنون الهدم ولا يتقنون البناء، أنهم بدل أن يلتقطوا الحلقة الصحيحة، بعد حكم عام واحد وصل إليهم بالطرق الملتوية، ويبدأوا بمراجعة مسيرتهم ويتحلوا بفضيلة النقد والنقد الذاتي البنّاء أصروا على ركوب رؤوسهم واستجابوا لـ«حاضناتهم» الخارجية العربية وغير العربية، ولجأوا إلى العنف والإرهاب وهم يرفعون شعار رابعة العدوية الذي أصبح يعني بالنسبة إليهم وإلى حلفائهم الإصرار على أنهم سيسترجعون وضع ما قبل الثورة الجديدة الأخيرة، وأنه سيجري إخراج محمد مرسي من سجنه بالقوة ليعود إلى الكرسي الذي شغله في فترة رمشة عين في قصر الاتحادية الشهير والمعروف.

لقد كان على هؤلاء، لو أنهم ليسوا حركة جامدة لا قدرة لها على التلاؤم مع الواقع المستجد، أن يبادروا فورا بعد فقدانهم الحكم تحت ضغط الشعب المصري وليس بانقلاب عسكري كما يدعون ويقولون، أن يتلاءموا مع مستجدات ما بعد ثورة الثلاثين من يونيو (حزيران) وأن يتركوا السلبية وراء ظهورهم، وبدل أن يضعوا أنفسهم في مواجهة الدستور الجديد ومقاطعته والسعي لإسقاطه، فليبادروا إلى وقفة مع الذات وإلى الاستعداد للانتخابات الجديدة، وقبل هذا كله أن يقفوا وقفة جادة فعلية وحقيقية ضد الإرهاب، بدل احتضانه، ليؤكدوا للشعب المصري أنه بإمكانه المراهنة عليهم مرة أخرى؛ لأنهم تخلوا عن حساباتهم العقيمة السابقة واستفادوا من التجربة ووضعوا أنفسهم على الطريق الصحيح!!

بعد سقوط حكمهم القصير العمر ظن الإخوان المسلمون أنهم يحظون بالتفاف شعبي وجماهيري مصري سيجعلهم، بدعم من بعض الدول العربية والإسلامية وأيضا من الولايات المتحدة التي كانوا يعتقدون قبل اتضاح الكثير من الأمور اللاحقة أنهم حصان مراهناتها الرابح، قادرين على العودة إلى حكمهم الذي فقدوه والذي ثبت أنهم اختلسوه اختلاسا وأنهم لا يستحقونه بل وغير مؤهلين له أساسا، لكن وقد ثبت أن معظم هذه المراهنات هي مجرد أوهام وبخاصة بعد فشلهم الذريع في انتخابات نقابة الأطباء الأخيرة، فقد كان عليهم أن يغيروا الاتجاه بسرعة، وأن يوجدوا مكانا لهم بحجمهم المتواضع الجديد في قطار ثورة الثلاثين من يونيو الذي بات مؤكدا أنه سيأخذ مصر إلى مرحلة تاريخية جديدة في مسيرة القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة.

إن المفترض أن هؤلاء قد أدركوا معنى التصريح الذي كان أطلقه وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري الذي قال فيه ومن دون أي لبس إن الإخوان المسلمين قد سرقوا ثورة الشعب المصري التي قام بها غيرهم، والمفترض أيضا أنهم أدركوا أنهم فقدوا قاعدتهم الشعبية إنْ في مصر وإنْ في الدول العربية والإسلامية التي فيها وجود لـ«إخوانهم» في «التنظيم العالمي»، وبالتالي فإنهم سيفقدون ذات يوم بات قريبا مساندة بعض الدول العربية لهم ماليا وإعلاميا، وإنهم بالتأكيد وفوق هذا كله سيفقدون ذات يوم بات قريبا أيضا مساندة ودعم رجب طيب أردوغان لهم، الذي هو ينتظر الآن مستجدات ما بعد الانتخابات المقبلة ليعيد ترتيب أوضاع حزبه وفقا لمستجدات أوضاعه الداخلية والإقليمية والعربية والدولية!!

ثم إن ما لا يعرفه الإخوان المسلمون وهم يغرقون في أوهام استعادة الحكم الذي فقدوه والذي ثبت أنهم لم يكونوا مؤهلين له على الإطلاق، أن الأحزاب التي تعود إلى الحكم إنْ في أوروبا وإنْ في الولايات المتحدة وإنْ في إسرائيل والعالم كله، هي ليست من نمط ولا طينة حزبهم هذا الذي هو في الحقيقة لا يختلف كثيرا عن الأحزاب القومية التي حكمت في بعض دولنا العربية، وعن الحزب الشيوعي الذي يحكم الآن في الصين والذي حكم في الاتحاد السوفياتي السابق وفي دول أوروبا الشرقية، فهذه الأحزاب، والمقصود هو الأحزاب الأوروبية والأميركية، هي أحزاب برامجية غير «عقائدية»، تؤمن بالتداول على السلطة، وهي تقدم لشعوبها حقائق وإنجازات فعلية، ولا تنشغل بالمراهنات على أمور غيبية لا يمكن تحقيقها حتى بعد مئات السنين.

ثم إن المفترض أن «الإخوان المسلمين» يعرفون أن المرة الوحيدة في تاريخنا العربي القريب التي استعاد فيها حزب سياسي حكما كان فقده هي استعادة حزب البعث العربي الاشتراكي لحكمه بانقلابه على الرئيس العراقي الأسبق عبد الرحمن عارف في عام 1968 وحيث استمر في هذا الحكم الجديد حتى الغزو الأميركي الأخير في عام 2003، وهذا كان في ظروف غير هذه الظروف وفي أوضاع غير هذا الوضع، وقد دخلت منطقتنا في واقع غير واقع ستينات القرن الماضي بعد ثورات الربيع العربي، وبعدما دخل الكون كله في القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة.

كان الحكم في العراق في عام 1968، عندما انقلب البعثيون عليه واستعادوا حكمهم الذي فقدوه في عام 1963، هو حكم عبد الرحمن عارف الذي كان أكثر الأنظمة العراقية ضعفا منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى.. وحقيقة حتى الآن وكان حزب البعث «العراقي» في ذلك الحين هو القوة الرئيسية في القوات المسلحة العراقية، وكان قد خرج توا من تجربة تنظيمية وسياسية مكلفة استفاد منها كثيرا وكانت ظروف ما بعد هزيمة يونيو عام 1967 تختلف عن هذه الظروف، ولذلك فقد تمكن هذا الحزب الذي بات يفقد كل شيء من استعادة كل ما كان خسره قبل نحو خمسة أعوام واستمر بالسلطة كما هو معروف، بعد سلسلة تصفيات داخلية، نحو خمسة وثلاثين عاما متتالية.

ثم لعل ما لا يعرفه الإخوان المسلمون أن قيادة «البعث» العراقي التي كان على رأسها أحمد حسن البكر والتي كان من رموزها كل من صدام حسين وصلاح عمر العلي، قد شاركت كلها بمدنييها وعسكرييها في الهجوم على وزارة الدفاع ورئاسة الأركان العراقية، وأنها ألقت القبض على عبد الرحمن عارف من دون أي مقاومة تذكر، وحقيقة فإن الأوضاع الحالية في مصر تختلف كثيرا عن تلك الأوضاع العراقية، وإن الجيش المصري في ظل هذه القيادة المتمكنة والمتماسكة وفي ظل كل هذا الالتفاف الشعبي حول القوات المسلحة المصرية ليس من السهل تمرير أي انقلاب عليه، سواء كان بصيغة العنف والإرهاب أو بصيغة الانقلابات العسكرية العربية التقليدية.

ولهذا فإنه على الإخوان المسلمين أن يكونوا واقعيين وأن يدركوا أن كل محاولاتهم لاستعادة حكم فقدوه ولم يكونوا مؤهلين له هي محاولات يائسة وعبثية، وأن لجوءهم إلى العنف والإرهاب لاستعادة هذا الحكم ستكون عواقبه وخيمة إنْ عليهم وإنْ على تنظيمهم العالمي وأيضا إنْ على كل حلفائهم الداخليين والخارجيين، وأن إرادة الشعب المصري سوف تنتصر على الإرهاب والعنف لا محالة، وهكذا فإن هؤلاء إن لم يتداركوا أمورهم ويتخلوا عن كل هذه المحاولات العبثية والجهنمية سيواجهون حكم التاريخ قريبا وسيفقدون كل شيء كما حدث مع أحزاب كثيرة قديمة وجديدة كانت تسير على نهجهم هذا، كل شيء، فأصبحت نسيا منسيا بعدما دفعت أثمانا غالية!!

التعليقات