مصر الكبرى

06:45 مساءً EET

كلية الدراسات السلطوية – القسم الديني

بعد بحث وتمحيص ومتابعة للعديد من الأنظمة اياها في العالمين العربي والإسلامي توصلت الى استخلاص ليس لدي أدنى شك بشأنه. يبدو أن هناك مدرسة خاصة لتعليم السلطوية تقبع في مكان ما من العالم ولا نعلم عنها شيئا، كما أن هناك قسما خاصا داخل هذه المدرسة الرهيبة يركز جهوده على تعليم السلطويين بالتركيز على المنهج الديني ، وبطبيعة الحال فان جل المنتسبين الى هذا القسم الثيو-سلطوي هم حكام العالم العربي والاسلامي.

ظللت أتابع على مدى يومين على شبكات التواصل الاجتماعي وشريط التواصل الذي يظهر على القنوات الاخبارية ردود الفعل الايجابية وعبارات المديح العظيم للرئيس مرسي على غزوته السنية المجيدة لأرض الشيعة الظالمين أنفسهم. وتعجبت من كم الثناء على الرئيس لأنه ذكر اسم الخلفاء الراشدين الأربعة (رضوان الله عليهم) في مستهل خطابه امام قمة دول عدم الانحياز في طهران وسمعت عبارات من نوعية (أيوه يا ريس غيظهم وعرفهم انك أسد من أسود السنة). وتخيلت لو كان احمدي نجاد قد جاء الى مصر واستهل خطابه بعبارات مضادة تهين المذهب السني او تشكك فيه، لقامت الدنيا وقتها ولم تقعد وكان أول رد فعل للمصرين سيصبح (هو جاي يشتمنا في بيتنا). لكنها الرؤية المحدودة والنظر تحت الأقدام والتي ان لاقت صدى لدى العامة فالمفروض ألا مكان لها في عقول وسلوك من بيدهم –بعد الله سبحانه وتعالى- مصير عشرات الملايين من الناس الذين وضعوا ثقتهم فيهم ورفعوهم الى مصاف الرؤساء وتوقعوا منهم الكثير من العقلانية والنضج.ورغم تأييدي له في موقفه الداعم لثورة سوريا وهجومه القوي على الوفد الأسدي في القمة إلا أنني تذكرت زيارته قبلها بساعات معدودة للصين وتعجبت في قرارة نفسي أن الرئيس المسلم السني لم يلم الصينيين لكونهم شيوعيين يرفضون الأديان بصفة عامة أوعلى أفضل الاحوال يعتنقون العقائد والأديان الآسيوية. ولماذا لم ينتقد الرئيس المرسي الصينيين الذين منعوا المسلمين في بلادهم من أداء الصلوات في المساجد ومن صوم شهر رمضان المعظم، كما أن الأوضاع الصعبة التي يعيشها مسلمو الصين خاصة القومية المعروفة باسم الايجور. لكن طبعا أي اشارة لهذا الموضوع في الصين كانت ستحرمنا (النفحة الطيبة) الآتية من كنف التنين الأصفر. اما ايران فقد ذهب اليها الرئيس فقط لمواربة الباب وأراد ان يطمئن الشيوخ (طوال العمر) انه أسد سني لا يعجبه تجرؤ الفرس على ثوابت العقيدة. ولأننا لا نتوقع من الفرس نفحات فكان من السهل اهانتهم في عقر دارهم بالمخالفة لأبسط قواعد الدبلوماسية أو حتى (الأصول وواجبات الضيف نحو مضيفه).أما الكوميديا السوداء والتي تثبت نظريتي عن المدرسة الخفية لتعليم السلطوية فقد بدأت الأخبار في التواتر عنها منذ صباح اليوم؛ لقد رد الايرانيون التحية بأحسن منها وأثبتوا أيضا انهم تلاميذ نجباء في مدرسة السلطوية الدينية حيث أقحموا اسم البحرين ثلاث مرات أثناء الترجمة الفورية لخطاب مرسي والذي لم يأت على ذكر ثورة البحرين أبدا، وحذفوا مقدمته المشفوعة بتحية الصحابة وحرفوا كلامه عن سوريا ليصبح مؤيدا للإصلاح وانهاء الازمة بالتعاون مع الأسد.أما الضحك قمة الضحك فهو تغيير عبارة الربيع العربي الى "الصحوة الاسلامية". ولمن لا يعلم فايران تسوق لثورات العرب على انها امتداد للثورة الاسلامية التي عصفت بالشاه عام 1979وقد سمعت هذا الكلام بنفسي من عدة محللين ايرانيين ويبدو أنها نظرية يسوق لها النظام الايراني بشدة منذ بدء الثورات العربية خاصة فيما يتعلق بمصر. ولعلكم تذكرون يوم الجمعة الرابع من فبراير 2011 وفي خضم أحداث الثورة المصرية عندما أذاعت القنوات الايرانية الفضائية صلاة الجمعة التي خطب فيها المرشد الأعلى للثورة على خامنئي باللغة العربية ووجه التحية لثوار مصر الاسلاميين بل ودعا يومها الجيش المصري لأن يحذو حذو الجيش الايراني ويصطف الى جانب الثوار.فكلية الدراسات السلطوية اياها تعلم قادة المنطقة أن شعوبهم ستنسى الجوع والفقر والمرض المستشرين ببلادهم عندما يرون الرئيس في صلاة أو يسمعون من الوزراء كلمات مطعمة بآيات مقدسة. وتدرب هذه المدرسة الزعماء ايضا على اختلاق أزمات يظهر فيها القائد بمظهر البطل لا لأنه حرر معتقلين او أصلح احدى مؤسسات الدولة بل لأنه تلاسن مع قيادات اخرى من خلال معارك تليفزيونية واعلامية. أما أهم الدروس قاطبة فهو ما يتعلق باختلاق العدو وتضخيمه ان وجد، فالقائد الملهم يصطف الكل حوله ويصبح الوطن أولا وعلى الشعب الاصطفاف مع حكامه من أجل التصدي للخطر القادم لا محالة.ان العلاقات الدولية من أكثر الأمور حساسية ومن الواضح ان ادارة الرئيس مرسي تعاني تخبطا شديدا في صياغة العلاقات الخارجية المصرية المتشعبة وتحديد اولوياتها و مساراتها. ولعلنا نذكر ازمة الرسالة المتبادلة مع الاسرائيليين بين الانكار والاثبات ثم الاثبات مع القول بعدم النشر. لقد انتقدنا مرارا رؤية النظام السابق الذي دار في فلك المعونات الخارجية ورمى بثقله بالكامل في اتجاه الغرب من اجل ضمان المعونات والقروض والمساعدات والمنح حتى أصبحت العديد من الدول التافهة والتي لاترى على الخريطة بالعين المجردة يعمل لها حساب في مصر.. لماذا؟ لان حكامنا لا يملكون مشروعا انتاجيا بل يفضلون الاقتراض والتسول. وهو مايترتب عليه مقاربات من شأنها خطب ود البعض والاساءة الى البعض الآخر فقط من اجل ضمان لقمة العيش.يا رئيس مصر، أرجو منك تركيز مجهوداتك العظيمة في انقاذ الاوضاع الاقتصادية المتردية. أرجو منك مراجعة خطواتك فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية ألف مرة قبل القيام بها. أرجو منك ان تجد لنا بديلا حقيقيا لمشروع النهضة الذي اتضح انه (فشنك). أرجو من سيادتك الانتباه الى القضايا المصرية المصيرية وان كنت مصرا على لعب دور الزعامة الدينية فليس هذا ما اختارك المصريون من أجله.

التعليقات