كتاب 11
نظرية: لماذا كره المجتمع المصري النشطاء؟
لماذا مل المجتمع المصري الان من ظاهرة من يسمون بالنشطاء السياسيين ؟ أو لماذا اعرض عنهم أو لفظهم ورأى فيهم رموز سوء بدلا من رموز خير؟ هل هناك من نظرية يمكن ان تفسر هذا الملل الاجتماعي من النشطاء بعد ان كان البعض يرى فيهم رموزا للثورة؟ أم ان التغير في تقييم المجتمع للنشطاء جاء نتيجة حملة إعلامية منظمة على النشطاء ؟ الاعلام دائماً محل اتهام، ولكن هل هناك من تفسير اخر ربما أعمق من قصة الاعلام يفسر لنا كراهية المجتمع النشطاء ؟ كيف تحول النشطاء من كونهم وجها مشرقا للثورة الى وجهها القبيح ؟ وتم رميهم بأقذع التهم، من تآمر على الوطن الى محاولة إسقاط الدولة وإفشالها؟ وصف المجتمع بتقلب المزاج او الجهل أيضاً لا يكفي كتفسير فهو ذات المجتمع الذي احتفى بالشهداء ووصفهم ب “الورد اللي فتح في جناين مصر”، كما قال الشاعر الراحل احمد فؤاد نجم. كيف لمجتمع احتضن واحتفل بالنشطاء أن يلفظهم فجأة كما يلفظ البحر ما في باطنه من غريب الأشياء ويلقي بها على الشاطئ؟ المجتمع المصري لا يعاني من الجهل وانما أعتقد بانه يعاني من شدة الذكاء الاجتماعي ولكنه يستخدم هذا الذكاء بطريقة تعوق تقدمه وتلك نقطة ساشرحها لاحقا. إنما بكل تأكيد ليس مجتمعا جاهلا كما يتصور البعض ولفظه النشطاء يمكن تفسيره من خلال فهم أعمق لطبيعة المجتمع وآداء النشطاء. الناس بشكل عام ينجذبون للعروض الصادقة والمبتكرة والمبهرة التي تحتفظ بانتباههم لأطول فترة، سواء كنا نتحدث عن مشاهدتهم لعرض مسرحي او فيلم سينمائي او يقومون بالمشاركة في حدث تفاعلي. ومن هذا المنظور: هل نجح النشطاء في تقديم عرض للمجتمع المصري يشد انتباهه، ام ان عرضهم كان موجها لجمهور اخر مما افقد العرض جاذبيته المحلية فأدار الناس ظهرهم للعرض؟ وهل ثمة فجوة بين مقطع الفيلم المخصص كإعلان trailer، وبين العرض كنص كامل ؟ ما الذي حدث؟ هذا ما سأحاول تفسيره هنا من خلال قراءة للمجتمع وللنشطاء من اجل الوصول الى تفسير شبه مقنع يقبله العقل السوي.
قبل ان ندخل مباشرة في الإجابة على السؤال: لماذا اعرض المجتمع عن النشطاء؟ لابد من فهم السياق الحاكم للحالة التي نتحدث عنها: النشطاء والمجتمع معا. ماذا تغير بعد الثورة في موجاتها الكبرى في الخامس والعشرين من يناير 2011 الى موجتها العاتية في يونيو 2013 ؟
الدولة التسلطية كعرض مسرحي:
المجتمع المصري قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير كان مجتمعا تسليطا بالتعريف هذا إن لم نقل دكتاتوريا. للمجتمعات التسلطية صفات وسمات وملامح تحدد السلوك الاجتماعي والسياسي وهي سمات كاشفة، وهنا لا أخص مصر فقط فملامح المجتمع السلطوي ظاهرة عالمية تمتد عبر التاريخ من مجتمعات القرن الثامن عشر في أوربا وأوائل التاسع عشر وبعضها بقي في العصر الفيكتوري وكذلك تظهر هذه الملامح عبر الجغرافيا من مجتمعات افريقيا الى أميركا اللاتينية. أولى ملامح المجتمع التسلطي والتي سأركز عليها في هذا المقال هي قدرة المجتمع او الدولة التسلطية على تحويل الحياة الاجتماعية والسياسية فيها الى مسرح كبير. الكل يؤدي عرضا يجنبه غضب السلطة الحاكمة وانتقامها الذي قد يكون قاسيا جدا في معظم الحالات حتى لو كانت المخالفة التي ارتكبها المواطن بسيطة ولنا في قصة الصحافي المصري رضا هلال عظة وعبرة.
حيث رأى البعض ان سبب اختفائه راجع الى انه تطاول في جلسة خاصة على جمال مبارك ورماه بتهمة لا تليق فقرر النظام التخلص منه على طريقة اخفاء القذافي الدبلوماسي الليبي منصور الكخيا الذي وجدت جثته في ثلاجة بعد انهيار النظام. البعض الاخر عزى اختفاء رضا هلال الى شك لدى وزير الداخلية السابق حبيب العادلي الذي كان متزوجاً من صحافية زميلة لرضا هلال وكان الوزير اما يغار عليها او لديه شك في وجود علاقة بين رضا هلال وزوجته. نتيجة هذه الغيرة الشكسبيرية التي جسدتها مسرحية اوثيللو ( ترجمت للعربية عطيل) في علاقة كل من اوثيللو بزوجته ديسدمونا في وجود شخص شرير مثل إياجو ليقتل عطيل محبوبته، الوزير لم يقرر قتل المحبوبة ولكنه، حسب الروايات التي سمعتها في مجالس القاهرة وبعضها تم التلميح اليه كتابة، قرر ان “يفرم” الحبيب . وعندما أقول سمعت روايات في مجالس خاصة او تم التلميح الى هذا كتابة فإنني اقصد توضيح صفة من صفات المجتمعات التسلطية. فالحديث الذي يقترب من الحقيقة لا يقال على خشبة المسرح او امام الستارة من خلال أدوات التعبير الاجتماعي المعروفة من صحيفة الى تلفزيون الى راديو او حتى خطبة جمعة او كلمة في كنيسة وانما يقال خلف الستارة. ماهو على خشبة المسرح الاجتماعي او امام الستارة هو الكلام الذي يرضي السلطة او يجنب المواطن دفع ثمن لو ظن انه ينتقد الحكم او يسيء الى ما يصطلح عليه في الدولة التسلطية برموز الحكم . ولكن ماهي علاقة المجتمع التسلطي كخشبة مسرح كبير تنقسم فيها الشخصية الى نصفين متساويين ومختلفين في ذات اللحظة: شخصية الممثل الذي يؤدي دورا امام الستارة، وشخصية عادية عندما ينزل من على خشبة المسرح او خلف الستارة؟ ما علاقة هذا التوصيف للمجتمع التسلطي كمسرح كبير بتفسير أعراض المجتمع او كراهيته للنشطاء؟
المهم ان أؤكد ان في قضية كل من منصور الكخيا في ليبيا او رضا هلال في مصر ليس بالضرورة ان يكون الرئيس او الوزير هو القاتل. في المجتمع النازي ايام هتلر كانت هناك مقولة ألمانية تعني “في اتجاه الفهرير ” وهي تعني ان هتلر او الفهرير او الدكتاتور لا يعطي أوامر لتنفيذ تصفية أعدائه يل الناس يخمنون ما يرضيه ويجنبهم غضبه. فان كان قتل صحافي مثل رضا هلال سيبعث في نفس الدكتاتور السرور يتطوع أحد المنافقين بقتله إرضاء لرغبة يظنها موجودة لدى الرئيس او الوزير. احيانا تكون الرغبة في الانتقام موجودة ولكن معظم حالات القتل في الأنظمة الشمولية كانت مجرد تخمين من الأفراد والأجهزة لما سيرضي الدكتاتور ويرسم ابتسامة على وجهه في إطار ما اصطلح عليه في العامية المصرية “بأحلام سعادتك أوامر”، او في عهد مبارك ما كان يقال ( شخبطة اولاد سعادتك تخطيط لمستقبلنا).
تلخيصا المجتمع المصري قبل ثورة يناير وقبل ان ينكسر حاجز الخوف كان مجتمعا مسرحيا يؤدي فيه الفرد دور المواطن الصالح الراضي المرضي منذ ان يصحو من نومه حتى يعود مرة اخره في الليل لينام. عرض مسرحي طويل يعود بعده الانسان الى فراشه مجهدا حتى لو لم يعمل شيئا، فقط هو مرهق من تمثيل دور المواطن الراضي. قد تتاح له فرصة قصيرة داخل اليوم ان يجلس مع صديق يثق به تماماً لكي يخرج عن النص ويسب ويلعن الأوضاع، كما كان العبيد في البيت الأميركي ايام العبودية يخضعون للسادة ويقدمون كل فروض الولاء والطاعة في صحن الدار وهم يمثلون دور العبيد امام الستارة في وجود السادة ثم يلعنونهم عندما يذهبون الى المطبخ خلف الستار. كانت الحقيقة في المجتمع المصري لا تقال على صفحات الجريدة التي هي مسرح للعرض امام الستارة، الحقيقة كانت تقال في المجالس الخاصة او من خلال الرواية. كانت روايات نجيب محفوظ والزيني بركات لجمال الغيطاني او حتى يعقوبيان للاسواني هي التي تقول الحقيقة . تتبادل الرواية والجريدة الأماكن . يصبح ما في الأهرام هو الرواية fiction او الخيال وتصبح الرواية هي الواقع . كنت اذا أردت ان تعرف الحقيقة تقرأ الرواية وان كنت تود الاستمرار في الأداء المسرحي تتأبط الأهرام وانت ذاهب الى العمل إمعانا في التمثيل.
ثورة يناير وكسر خشبة المسرح وتمزيق الستارة:
ما الذي حدث في ثورة يناير وتم التأكيد عليه مرة اخرى في ثورة 30 يونيو؟ ثورة يناير لم تكسر حاجز الخوف بل كسرت خشبة المسرح او مزقت الستارة ليصبح اداء الانسان المصري متسقا مع ذاته. هو هو. نفس الشخص امام الستارة هو نفس الشخص على خشبة المسرح وهذا كان إبهار ميدان التحرير. الثمانية عشر يوما كانت لحظة تعرف فيها المصريون على انفسهم ليس كممثلين بل كبشر من دون تمثيل. كان الميدان يلفظ كل من يحاول ان يمثل، ومن مثل على الناس حتى بقدرات خارقة مثل جماعة الاخوان انكشف في عام واحد ولفظه الشعب بطريقة أعنف في ثورة 30 يونيو التي أكدت وبقوة ان الشعب سيمزق كل الستائر ويحطم كل ما تبقى من خشبة او أخشاب المسرح . الشعب بعد يناير مل التمثيل ومل الأفلام التي رآها من قبل. الشعب لا يريد تغيير النظام، بل الشعب يريد نصا جديدا ومسرحية جديدة نصها مبهر ومبتكر وليس من منقول من ثقافة اخرى او فيلم اكشن اجنبي . الشعب يريد أداء حقيقيا يكون فيه الشخص متسقا مع ذاته يتحدث امام الستارة او على خشبة المسرح كما يتحدث خلف الستارة او عندما ينزل من على المسرح.
25 يناير نقلت الناس من عالم مسرحية المجتمع التسلطي الي عالم الحقيقة. لا شيء يبهر الناس اليوم سوى ما هو حقيقي ومتسق مع نفسه. رسالة ثورة يناير التي أكدها الشعب في يونيو هي انه لا مكان للتمثيل في مصر الجديدة وان الشعب لن يتسامح مع من يمثل عليه.
النشطاء بكل أسف لم يدركوا طبيعة ما حدث ولم يفهموا الرسالة او لم يستوعبوا التغيير الذين شاركوا في صنعه، فاستمروا في فهمهم للمجتمع على انه مسرح ومطلوب ان يؤدي كل منا دورا. وحتى دور النشطاء لم يكن مبهرا كتمثيل فهم لم يغيروا لا في النص المسرحي ولا في الممثلين او ملامح الشخصية، فقط غيروا في الاكسسوار الخارجي . اما شنطة خوجاتي على الظهر او شعر منكوش او حظاظة في اليد او قميص غير مفرود الى اخر قائمة اكسسوار النشطاء، من دقن اخواني الى جلابيه سلفية او نقاب او حجاب الخ الخ. لكن الشعب تجاوز التمثيل والمسرح وكسر الخشبة وقطع الستارة مرتين، مرة في يناير ومرة اخرى في يونيو بعد فيلم الإخوان، ورماها خلف ظهره. الشعب لا يبحث عن ممثلين بل عن أناس حقيقيين. مأساة النشطاء انهم لم يقدروا الذكاء الاجتماعي لهذا الشعب او مرجعيته الثقافية.
واحدة من صفات المجتمع المصري النادرة انه في الحالات التي يمكنه ان يقول رأيه بصراحة فيما يرى قد يبالغ ويتطرف. كلنا يذكر تلك السمة المصرية المعروفة ايام كنا صغارا ونذهب الى السينما ولا يعجبنا العرض. كان الهتاف الوطني أيامها والذي أظنه كان في بحري مثلما كان في الصعيد: “سيما اونطة هاتو فلوسنا ” وغالبا ما كان يتبعه تكسير للسينما نفسها. التكسير والغضب الذي نراه في الشارع ونراه أيضاً في لفظ المجتمع للنشطاء، هو نتيجة ان الناس قد شاهدوا الفيلم من قبل ولم يعجبهم، فهو فيلم محروق اي انهم شاهدوه من قبل بعنوان اخر. والمصري في الظروف الطبيعية لا يحب ان يخدع.
ولو قيمنا بأمانة كمية الأفلام التي شاهدها المصريون والخداع المصاحب لها منذ ثورة يناير التي منحت المصري الشجاعة ان يقول رأيه بصراحة فيما يراه، لربما فهمنا لماذا أدار المصريون ظهورهم لفيلم النشطاء.
الشعب قتل القرد:
لقد شاهد المصريون منذ يناير 2011 حتى الان اكبر عدد ممكن من الأفلام الممكنة وغير الممكنة. ولك ان تتخيل معي فيلم الرجل “ابو دقن” الذي كان يمثل على خشبة المسرح وأمام الستارة رمز العفة والطهر كرجل دين، ثم يتم ضبطه في سيارة في الطريق الزراعي في وضع مخل مع فتاة. يكفيك ان تتذكر الفيلم الهابط لعضو البرلمان الذي غير ملامحه بعملية تجميل لأنفه وادعى انها حادثة اعتداء عليه وضرب وكان رجلا يتبع التيار السلفي . فقط تخيل فيلم الشيخ الذي قرر ان يغنينا عن المعونة الامريكية وماذا حدث لمبادرته لجمع الأموال وأين ذهب ما جمع؟ والشيخ “بتاع هاتولي راجل ” وأفلام صفوت حجازي وفيلم الموسم والعرض الذي استمر لمدة عام بطولة القرد والقرداتي. الشعب المصري لم يعد يشاهد هذه الأفلام . لقد ملها جميعا وأدار ظهره لها. محمد مرسي في لحظة صفاء حسبت علبه أدرك ان الشعب المصري يريد حيله جديدة مبتكرة كي ينبهر بشخص او بتنظيم. أدرك انه في سيرك ومطلوب عرض جديد لذلك عبر عن عقله الباطن في سؤال : “لما القرد يموت القرداتي يعمل إيه؟” وهو اصدق تعبير عن المرحلة لو قرأناه بجد. فالمعنى غير المقصود ولكنه الأساس هو ان الشعب لا تنفع معه مجرد حيلة جديدة لقرد وقرداتي. الشعب يريد نصا جديدا مبهرا بممثلين جدد. هذا لو قبل التمثيل.
لماذا لم يخطر ببال النشطاء بأن الناس أداروا ظهورهم حتى للراقصة سما المصري، تلك الراقصة التي تجاوزت ما هو معهود من الكشف والإخفاء وكل حيل الإبهار. قدمت سما المصري كل ما عندها وفجأة مات منها القرد وأدار الشعب لها ظهره رغم كل ما فعلته من اجل الاحتفاظ باهتمام المشاهد ؟ الشعب المصري بعد ان شاهد فيلم البرادعي ومن قبل فيلم زويل الذي فيه إبهار حقيقي بمقاييس عالمية أيضاً اعرض عنهما. اعرض المصريون عن باسم يوسف بكل بهرجته واضوائه وتكاليف عرضه.. لقد مات قرد النشطاء أيضاً، ولا إبهار هناك، وكما قال مرسي “ماذا يفعل القرداتي عندما بموت القرد”.. طبعا استخدم العبارة هنا مجازا. الناس شافت كل الأفلام المضروبة الممكنة، والنشطاء لا يختلفون كثيرا. الحقيقة هي ان القرد لم يمت لوحده، بل الشعب المصري هو من قتل القرد وعزل القرداتي.
الخير الخجول والشر النرجسي ومسرح الثورة:
النشطاء عير قادرين على التكيف مع التغير الحاصل لصورتهم من وجه خير للثورة الي صورتهم الجديدة كوجه قبيح او سيء للثورة . بكل أمانه ان النشطاء يمثلون الجانب المسرحي من الثورة، او الجانب الذي يريد ان يبقى على خشبة المسرح مشغولا بنفسه وشاغلا للناس، اما الملايين الذين يمثلون الجانب الطيب من الثورة فهم يرون انهم أدوا دورهم في خدمة وطنهم وانصرفوا الى أعمالهم. اذا النشطاء يلعبون دورا مسرحيا بالقواعد القديمة، وقد مل الناس من هذا النوع من التمثيل. لذا يقول المصريون عن شخص ممل ” دا انت قديم قوي. والنشطاء “قدما” قوي، اي أنهم يمثلون أدوارا قديمة على خشبة مسرح متخيلة، حيث لا خشبة ولا ستارة هناك.
أيضاً في عهد مبارك وريما في عهود اخرى تعود الناس على رؤية الشر دائماً يدخل بأسلوب مسرحي مرتدياً كل ثياب الأبهة التي تناسب العرض والأضواء و الشاشات، بينما الخير لا يرى ضرورة في الإعلان عن نفسه، يذهب ويجيء ولا نحس به. الخير متواضع وخجول، والشر مغرور ونرجسي ولا يرضى الا بدور البطولة على خشبة المسرح . هذا إطار حاكم للطريقة التي يرى فيها المصريون النشطاء وهم يملأوون الشاشات ظهورا وضجيجا. هذا هو جانب الشر الممسرح للثورة، أما ثوار الخير الذين ملأوا الشوارع بالملايين عادوا الى بيوتهم. نعم العشرات من النشطاء الاستعراضيين هم من يملأون الشاشات، بينما الجانب الخير من الثورة يخجل لو وصفته بأنه ثوري.
ما يزيد من مأساة النشطاء اليوم هو انهم يقدمون عرضهم لجمهور اخر سواء الكفيل الممول او الراعي السياسي الغربي، فإذا كان العرض ليس معدا بالأصل للمصريين، ترى لماذا يفاجئ النشطاء بأن المصريين أداروا ظهورهم للعرض ولفظوهم كما يرفض البحر ما في جوفه ؟
النقطة الاساسية هنا هي ان الشعب المصري شاهد كل الأفلام المضروبة. من يريد حكم مصر فمطلوب منه ان يؤلف فيلما اوريجنال او يأتي بفكرة مبتكرة وجديدة ومبهرة. أساسها الصدق مع النفس والمجتمع.
الصين تقدمت وأصبحت قوة عالمية من خلال الانتاج وصناعة أقلام الرصاص، ونحن لم ننتج شيئا كل الذي ننتجه ليس أقلاما كالصين، وانما أفلام (بنصيع بيها) على بعض، كما تقول العامية. ما الحل إذن ؟
الحل يكمن لو اننا مصرون على مجتمع المسرح، في مسرحية جديدة بدون بطل فردي، البطل فيها هو النظام لان الفرد لا يبهر الا بعمل خارق وللحظات قد لا تستمر . أي فيلم او عرض غير هذا سيدير له الشعب ظهره، او يكسر السينما كما كان يهتف سابقا. أستغرب كثيرا عندما يتعجب النشطاء من كراهية الشعب المصري لهم. الناس شاهدت هذا الفيلم من قبل وهناك شك كبير لدى قطاعات واسعة من الشعب ان النشطاء يقدمون عرضهم لهم، فجمهورهم غير الجمهور المصري ( للممولين والكفلاء الأجانب )، لذك يكون الاعراض عن مشاهدة الفيلم هو اكثر المواقف تأدبا.
نظرية المجتمع كمسرح وسقوط الخشبة، وكشف ما خلف الستارة وما الذي أمامها، والخير الخجول مقابل الشر النرجسي الممسرح، هو تفسيري لإعراض المصريين عن النشطاء وعن عرضهم القديم المحروق.
مشكلة إصرار النشطاء على الصخب ورفضهم لفكرة ان المجتمع قد تجاوزهم، تجعلهم يثيرون مزيدا من الصخب ومن العنف وهناك إعلام يتبناهم. هذا الصخب بكل اسف يجعل عملية التغيير المنشودة لمجتمعنا صعبة. هذه الضوضاء تشتت العقول وتبعدنا كثيرا عن تحقيق الهدف، وهو نقل مجتمعنا من مجتمع تمثيل الى مجتمع حقيقي، ومن مجتمع ماتت فيه السياسة نتيجة للتمثيل الى مجتمع حي. نصيحتي للإعلام وللنشطاء معا هي ان مزيدا من الصخب او من عرض الصوت والضوء (يغلوش) ويشوش الأذهان في فترة ما أحوجنا فيها الى صفاء الذهن ووضوح الرؤية . فهل يقبل النشطاء ان يعدلوا من دورهم وينزلوا من على خشبة المسرح الوهمية التي كسرها الشباب مرتين في 25 يناير و في 30 يونيو؟ انزلوا من عالمكم الوهمي واهبطوا مصر، تجدوا أهلها مرحبين بكم، لا كممثلين بل كمواطنين حقيقيين وشركاء في بناء الوطن.
تحذير: لو أصر البعض على الإستمرار في تقديم عرض مسرحي أو فيلم لا يتسم بالصدق وجدية الموضوع بعد ان رفض المصريون الزيف في ثورتين عاتيتين، فإن الجمهور لن يتورع في تكسير السينما على من فيها هذه المرة.