تحقيقات

12:03 مساءً EET

«الثورة كده.. وصال ودلال.. ورضا وخصام» .. 25/30: توائم أم ضرائر؟!

“نصر أكتوبر هو العبور الأول للشعب المصري، وثورتا 25 يناير و30 يونيو هما العبور الثاني للحرية والديمقراطية” ــ هكذا عبر الفريق أول عبد الفتاح السيسي عن الثورتين اللتين هزتا مصر خلال أقل من ثلاث سنوات. أما الدستور الجديد فقد تقدم خطوة على هذه الرؤية بإعلانه إيمانه بأن الحدثين ثورة واحدة، حيث يشير في ديباجته إلى “ثورة 25 يناير ــ 30 يونيو”.

بوجه عام، تدور الصورة السائدة في الخطاب الرسمي والعام بمصر حول أن الثورتين تكملان بعضهما البعض. وقد لاقت هذه الرؤية اعترافًا دوليًا، مثلما كشفت تصريحات المتحدث الرسمي باسم الخارجية الفرنسية، رومان نادال، التي أكد خلالها أن بلاده تعتبر ما جرى في 25 يناير و30 يونيو “كتلة واحدة.”

ورغم هذا التشابه، الذي يرقى في نظر البعض لدرجة التوحد، بين الحدثين الثوريين العظيمين، تبقى هناك تباينات لافتة، أبرزها موقف الإخوان من الثورة الثانية واعتبارها “انقلابًا على الشرعية”، فضلاً عن غياب معظم الأسماء الشبابية التي تصدرت المشهد الثوري في 25 يناير. وما يزيد هذا الغياب غرابة الفارق الهائل بين تقديرات أعداد المشاركين في الثورتين من جموع المصريين، فبينما بلغت المشاركة في الثورة الأولى ذروتها في يومها الأخير، 11 فبراير 2011، وقدرت بـ12 مليون، دارت تقديرات المشاركين في الثانية في يومها الأول، 30 يونيو 2013، حول 30 مليون، ما اعتبرته دوائر غربية حدثًا غير مسبوق في التاريخ.

من التباينات الفارقة أيضًا بين الثورتين المشاركة النشطة لشخصيات لطالما كانت محسوبة على نظام مبارك، وكانت مصنفة في معسكر “الفلول”، في الوقت الذي انتقلت عناصر الإخوان المسلمين التي انضمت للثورة الأولى متأخرًا لمعسكر “الفلول”، لتبلغ بذلك دراما المشهد السياسي المصري ذروة السخرية، في غياب “ثوار يناير” ومشاركة “فلول مبارك”. أما الفريق الأكثر طرافة فيضم عناصر ظلت تحشد لـ30 يونيو، ثم انقلبت عليها بعد نجاحها واستجابة الجيش لمطالبها، واصفة إياها بـ”الانقلاب العسكري”!

(1)

بصورة عامة، يكشف تحليل المشهد العام عن اتفاق ثلاث فرق، بالطبع بخلاف الإخوان المسلمين، على العمل الدؤوب على بتر الحبل السري الواصل بين 25 يناير و30 يونيو، رغم تباعد أهدافها. يتألف الفريق الأول، للأسف، من أسماء شبابية ثورية ذاع صيتها مع ثورة 25 يناير، وتوارت عن الأنظار في 30 يونيو. وبعد أن أتت الثورة الجديدة ثمارها وهدأ الغليان في النفوس، عادت أصوات هذا الفريق لتعلو محاولة التقليل من أهمية ثورة 30 يونيو، حيث اعتبرها بعضهم مجرد موجة ثورية من توابع الثورة الأم في يناير 2011، بينما وصل الأمر بالبعض الآخر إلى اعتبارها عودة لـ”حكم العسكر”.

  أحمد ماهر، أحد مؤسسي حركة 6 أبريل، وصف ما جرى في 30 يونيو وما بعدها بأنه “انقلاب عسكري”، ليعدل الوصف بعد ذلك، بعد تعرضه لهجوم شديد حتى من قبل رفقاء ثوريين، مثل إسراء عبد الفتاح، ليصبح “موجة ثورية تستهدف استكمال أهداف ثورة 25 يناير”. ثم بدأ في اصدار تصريحات معادية لما أثمرته 30 يونيو، منها ما ورد بمقال له في صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية بعنوان “المؤسسة العسكرية المصرية تسطر فصلاً جديدًا من الخوف”.

وبالمثل، جاء موقف أسماء محفوظ، التي لم تشارك في 30 يونيو بسبب ظروف حملها، لكنها أعلنت تأييدها لها، ثم انقلبت عليها، مما دفع الكويت، تضامنًا مع الثورة المصرية، لمنعها من دخول أراضيها مرتين. ويجري حاليًا التحقيق معها بتهمة إهانة السيسي ومحاولة إيهام الرأي العام بأن ما جرى بمصر كان انقلابًا عسكريًا.

وكما هو متوقع، أحدثت المواقف السابقة شرخًا في المعسكر الثوري تجلى في مظاهرات مجلس الشورى، 26 نوفمبر، حيث انبرت شخصيات ثورية بارزة في توجيه انتقادات حادة للرفقاء السابقين المشاركين بالمظاهرة. أبرز المنتقدين كان دكتور حازم عبد العظيم، الذي أكد خلال مداخلة هاتفية مع قناة “أون تي في” على ضرورة تطبيق قانون التظاهر الجديد بحزم على المشاركين، وقال: “معظم هؤلاء أعرفهم شخصيًا وأعرف موقفهم من 30 يونيو، هم لا يعتبرونها ثورة.”

أثارت هذه المواقف المتخبطة التساؤلات حول ما إذا كان الغياب عن 30 يونيو، ثم إعلان العداء للنظام الذي أفرزته ليس سوى نتاج لمشاعر غيرة مراهقة في نفوس هؤلاء الناشطين الشباب أثارها الغضب من انحسار الأضواء.

(2)

أما الفريق الثاني الساعي للفصل بين 25 يناير و30 يونيو فيضم شخصيات عرفت دومًا بعدائها الشديد للثورة الأولى وتأييدها لنظام مبارك. ورغم سعيها الحثيث خلال العامين الماضيين لتغيير هذه الصورة، فإنها عاودت المجاهرة برفضها لـ25 يناير، مقابل دعمها ومشاركتها النشطة في 30 يونيو. ويروج أبناء هذا الفريق، ومنهم الكثير من الإعلاميين والشخصيات العامة والبعض من “حزب الكنبة”، إلى أن عدم مشاركتهم في 25 يناير كان نتاجًا لاقتناعهم بأنها ليست سوى “مؤامرة”، وأنه عندما حانت لحظة “الثورة الحقيقية” خرجوا إلى الشوارع من تلقاء أنفسهم.

أكثر من يعبر عن هذا الفريق المستشار مرتضى منصور، الذي أكد في لقاء على قناة “التحرير”، أغسطس الماضي، أن 25 يناير كانت مؤامرة، بينما 30 يونيو “ثورة حقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معاني”.

وبالمثل، جاء موقف الإعلامي توفيق عكاشة، أحد أشهر من حرضوا ضد 25 يناير، ثم اعترف بها بعد نجاحها، ليعادو انقلابه عليها بعد 30 يونيو. ويرى صاحب قناة “الفراعين” أنه “مفجرها”. وبلغ الأمر به أنه سب من يصف 25 يناير بالثورة بأنه “حمار”.

(3)

والآن نصل إلى الفريق الأطرف على الإطلاق، ويضم من أيدوا وشاركوا في 30 يونيو، ثم انقلبوا عليها معتبرينها “انقلاب عسكري دموي”، مثلما وصفها الناشط والشاعر عبد الرحمن يوسف، الذي أعلن عدم اعترافه بالنظام الحالي، رغم مشاركته في مظاهرات 30 يونيو. ويصر على أنه “لا ثورة غير ثورة يناير”، وأن 30 يونيو مجرد موجة ثورية تحولت لانقلاب عسكري. ويشرح موقفه بأن “الناس نزلت لتطالب بشرعية جديدة عبر صندوق الانتخابات”. لكن لو أن نزول أكثر من 30 مليون مصري إلى الشوارع لم يفلح في دفع الرئيس المعزول لإعلان عقد انتخابات رئاسية مبكرة، علاوة على إعلان الإخوان المسلمين رفضهم المتكرر للفكرة، فماذا كان البديل عن تدخل الجيش لتحقيق مطالب الشعب؟

وجاء موقف الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس حزب “مصر القوية”، متطابقًا مع الموقف السابق، فبعدما كال الاتهامات لمرسي، وأكد على مشاركة حزبه في 30 يونيو للمطالبة بعقد انتخابات رئاسية مبكرة، تحول موقفه لوصف ما جرى في 30 يونيو بأنه “موجة ثورية تحولت لانقلاب عسكري.” وهنا قد يسأل سائل: وماذا عن ثورة 25 يناير وتدخل الجيش لصالح أهدافها؟!

ما بين مشارك في 25 يناير يسعى لقصر صفة الثورية عليها ونزعها عن 30 يونيو، وآخر ناصب 25 يناير العداء بينما حشد بقوة لـ30 يونيو ويعمل على تصويرها باعتبارها “الثورة الحقيقية”، تستمر محاولات فصل التوأمين وتحويلهما لضرائر.

التعليقات