مصر الكبرى

07:54 مساءً EET

حسن سعد يكتب … الديمقراطية … بين السياسة والدين

الديمقراطية …..تلك اللفظة المجنى عليها دائما، مهما كانت طبيعة نظام الحكم من ثيوقراطى.. أو أوتوقراطى ..أو ديكتاتورى، فأبواق النظام تتغنى فقط بالديمقرطية والتقدمية، ومن الأقوال المنسوبة إلى الفيلسوف هيجل " تعلمنا من التاريخ أن أحدا لم يتعلم من التاريخ” .

ومن الظاهر فى صفحات التاريخ الإنسانى الأولى، الخلط والأختلاط المباشر بين السياسة والدين ، بل لم تقف العلاقة  بينهم إلى هذا الحد فتجاوزت إلى محاولات سيطرة أحدهم على الأخر بدءا من الفرعون الذى كان بمثابة ابن الأله والناطق بلسانه والحاكم بأمره والمنسوب لنسله، بل وتعدى الأمرإلى أنه  أدعى بأنه الرب الأعلى ومرورا بعصور أوروبا الوسطى وفيها تدخلت الكنيسة فى شئون الدنيا بجانب الدين وأختلط بين أيدى البابا  ما هو نسبى "السياسة " بما هو مطلق "الدين"، وأصبح مجردالأستقلال فى الرأى عن الكنيسة ورأيها هى الهرطقه التى تستوجب الحرق حتى الموت، وصولا لحكم ملالى إيران والعصمة الألهية التى يتمتع بها أئمة حكم طهران .
ومن الواضح فى السياسة العالمية بأن بعض ما تجيزه السياسة يحرمه الدين ووبعض ما يجيزه الدين تحرمه السياسة، فمثلا وعود "فرانسوا هولاند" المرشح الأشتراكى لأنتخابات الرئاسة الفرنسية الأخيرة و-الرئيس الحالى لفرنسا- وفيها يتعهد فى حال فوزه بالرئاسة بمزيد من الحريات للمثليين –الشواذ جنسيا- بل والأعتراف بزواجهم، وأظن أن مثل هذا "الوعد الأنتخابى" يتنافى مع جميع الأديان السماوية ، مستغلا فى الوقت نفسه الحديث عن أحترام الحريات وحقوق الأنسان والتى هى عناصر أساسية فى صلب العمل الديمقراطى، وفى سياق متصل تعهدت " مارى لوبان "مرشحة اليمين المتطرف فى الأنتخابات ذاتها بمنع أرتدار الحجاب فى الأماكن العامة وهو يتناقض مع الحريات الشخصية وحقوق الأنسان التى تمسح فيها هولاند من قبل فى دعوته .
وإذا كان النظام العالمي هو نظام القطب الواحد متمثل فى الولايات المتحدة وإن تواجد قطب منافس لها على المستوى الأقتصادى كالصين، وقطب أخر تاريخى منافس لها على المستوى العسكرى  متسلحا بترسانتة النووية الضخمة كروسيا بجانب قوى أخرى كالأتحاد الأوروبى فالظاهر أن الصياغة العامه لطبيعة العلاقات الدوليه بينهما وبين جميع الدول هى السياسة الأمبريالية المعتمدة على فرض الأملاءات والتعجيز للسيطرة والهيمنة كشكل من أشكال الأستعمار الجديد، دون أدنى جهد لمساعى تفاهم أو تقريب فقط.. دكتاتورية الأقوى وفرض الأيديولوجيات المعلبة،  فأين الديمقراطية فى هذا النظام العالمى؟وعلى الرغم من دعوات تلك الدول المتكررة وغير المنقطعة على احترام ليس فقط حقوق الإنسان بل والحيوان، ولا تتوانى فى فرض العقوبات بحسب رغباتها، مع ما تتمتع به نفس تلك الدول من تاريخ أسود فى نفس الموضوع التى تنادى بأحترامه  مع تضييق لكافة الحريات وخنق أبسط وسائل المعرفة و حرية الرأى وتكميم الأفواه سواء كانت الصين الشيوعية او روسيا، بجانب معتقلات التعذيب والأعتقال وأبرزها ما وصفته العفو الدولية "بهمجية هذا العصر" معسكر جوانتانامو التابع للولايات المتحدة.
وبالحديث عن ربيع الشعوب العربية والذى بفضله كسرت جميع القيود التى كانت مفروضه على كل الحركات السياسية وغير السياسية، وبالدوران العادى لعجلة التاريخ التى لا تعرف صعودا للأبد أو سيطرة سرمدية، ، تزامنا مع ظهور كافة ألوان طيف الإسلام السياسى على الساحة بعد عقود من القمع –عليها وعلى غيرها من القوى- بزع نجم تلك الحركات فى كل الأنتخابات التى أجريت فى جميع الدول العربية، وبما أن دائما ما كانت محاولات القمع لتلك الحركات يكون رد الفعل الطبيعى لها هو التشدد والتطرف لدرجة حمل السلاح فى مواجهة الدولة، ومادام التعايش الطويل مع الأستبداد ترك أثارة السيئه على شخصيتنا، وفى حين أن داخل كل مقموع يكمن طاغية ضغير يتحين الفرصة لكى  يمارس ولو لمرة واحدة الأستبداد الذى مورس عليه وهو ما يكرس المخاوف عند البعض بأن تكون سياستهم بعد أن أصبحوا فى مقاعد صناع القرار هو فرض أفكارهم و برامجهم بالقمع مثلما أنطبع على شخصياتهم من العهود السالفة
ومع هذا لا نستطيع أن ننكر بأن بعض تلك الحركات  لها مشروعها السياسى منذ عقود، ولكن البعض الأخر كان منعزلا فى زاويته يتحدث فى أمور الدين من منظوره فقط، بل أن السبب الدافع وراء دخولهم لحلبة السياسة هو دافع دينى، وتبنوا لغة خطاب غير واعيين بأثرها على المجتمع، و لذلك صبغوا الحياة السياسية بصبغة الحلال والحرام و وصل الأمر إلى الأفتاء بحرمانية التصويت لفصيل ووجوب التصويت لأخر وهو ما يندرج تحت مفهوم الأرهاب الفكرى وفرض الوصايا القصرية على العقول، وإذا كان الواقع السياسى فى المنطقه العربية حاليا هو أن القوى السياسية الحاكمة يشكل الدين جزء أو كل من منظورها للحياة السياسية، فيجب أن يكون الدين والقيم التى يمثلها هو سلوكهم، وألا يكون مجرد الخلاف الفكرى معهم هو خروج عن الملة ، أو بمعنى أخر أن  يصل الدين إلى قلب السياسى و لا يصل الدين إلى السياسة وخصوصا فى مفهوم السياسة الواسع حتى لا يكون الدين جزء من منظومة ميكافيلية لأخضاع الشعوب وتسكينها أو أبتزازها لأنتزاع ديموقراطيتها، وللسيطرة على الحريات  كنسخة جديدة للقرون الوسطى التى عانت منها أوروبا، وإذا كان كل تحرك ثورى شعبى يواكبه أو يسبقة إصلاح دينى فإن الفترة الحالية تحتاج إلى عقول مستنيرة قادرة على استيعاب حساسية المرحلة من التاريخ الأنسانى ومقتديات العصر.
وختاما ..لا قيمة للتاريخ الذى نقرأة ونستمد منه العبرة  إن لم نصونه ، ولا قيمة للوطن إن كان حكامه تخونه، ولا قيمة لحرية الكلام إن لم يكن لدينا ما نقولة .

التعليقات