مصر الكبرى
الطائفية المقيتة والعيد السعيد
لم يحُل العيد الذي جمع المسلمين دون استمرار الفتنة الطائفية، السنية الشيعية العلوية، وغيرها. نحن اليوم في ذروة الصراع الثقافي المذهبي في الإسلام الحديث، الذي أشعلته الخلافات السياسية وانتشر كالنار في الهشيم على مساحة جغرافية واسعة.
وعندما أعلن اثنان من سادة الشيعة في لبنان، هاني فحص ومحمد حسن الأمين، عن وقوفهما ضد نظام بشار الأسد كان موقفا شجاعا في خضم الانقسام الشيعي السني حول ما يحدث في سوريا. وليس سهلا أن تبحر ضد التيار في داخل مجتمعك لأنك تعتقد أنه الحق. وفي العراق أيضا تنادى عدد من القيادات الدينية والثقافية محذرين من عودة الفتنة الطائفية، بعد جريمة قتل استهدفت ثلاثة من قادة السنة هناك. وبعيدا عن المنطقة العربية، هز قتل عشرين شيعيا في باكستان المجتمع هناك وتنادى كثيرون من السنة يطالبون باعتقال القتلة ومحاسبة دعاة الطائفية.
وأهم خطوة تلك التي أعلن عنها الملك عبد الله بن عبد العزيز في مؤتمر مكة، داعيا إلى مركز للحوار منعا للفتنة الطائفية التي ابتلي بها العالم الإسلامي. وفي سبيل معالجة المرض الطائفي اختلفت الآراء بين داعٍ لتجريم الحديث الطائفي، ومطالب بثقافة رسمية تحث على التعايش. لكن تبقى الأصوات عالية تلك التي تجاهر بطائفيتها وتعتبره جهادا يجب خوضه دفاعا عن قناعاتها الدينية.
ومعظم الفتنة بين السنة والشيعة بدأت جدلا سياسيا، ثم لجأت إلى التاريخ والدين، وصارت الآن صراعا مذهبيا. وهي تعكس حالة التوتر والتنافس السياسي الذي ينتهي بشحن الأتباع كما هو قائم في الخليج بشكل طارئ لم يسبق له مثيل. في الكويت، مثل غيرها، الجدل الطائفي جزء من الترفيه الخطير. أحد النواب قال: «لدي معلومات خطيرة بأن أطرافا مرتبطة بجيش الاحتياط الطائفي بالكويت تقوم بشراء أسلحة من سوق سوداء بكبد والجليب وبنيد القار استعدادا لساعة الصفر». وسواء كان ما قاله صحيحا أم غير صحيح فإن الحديث عن التسلح خطير، تجاوز كل ما تسمح به الملاسنة السياسية بين النواب.
والخطوة الأولى لمحاربة الطائفية هي أن يقتنع كل الناشطين في المجال السياسي والإعلامي بأنها تمثل أكبر خطر على نسيج المجتمع والدولة. فالقتال الدائر اليوم في سوريا يجب أن لا يصنف على أنه سني ضد العلويين، طائفة الرئيس. فالكثير من السنة عملوا مع النظام، وقاتلوا إلى جانبه، وشاركوه آثامه لعقود طويلة. إنه نظام يمثل نفسه وإن كان حريصا على دفع الثورة نحو حرب طائفية هو يبشر بها منذ نحو عام.
الحرب على الطائفية عمل ثقافي بالدرجة الأولى، تستهدف القناعات التي أفسدتها دعوات التنازع. ولهذا دعت السعودية إلى إقامة مركز للحوار لتدارس المشكلة، وليس مستحيلا إعادة الوضع إلى سابقه. فالخلافات المذهبية عاشت مع المسلمين معظم تاريخ الإسلام، وتعلم الكثيرون التعايش معها، واحترام الاختلاف. وقد يجد المتحاورون أننا في زمن يستوجب حقا اللجوء إلى تجريم التحريض الطائفي، لأنه سبب في القتل والتخريب وهدم الدول، ولا يقل خطره عن خطر الإرهاب الذي استخدم الدين لتبرير أعماله، ولم ينكمش الفكر المتطرف ويحاربه المجتمع إلا بعد أن اقتنع الجميع أنه يمثل خطرا يجب ردعه، بالثقافة والسلاح معا.
alrashed@asharqalawsat.com