مصر الكبرى
ثرثرة تلفزيونية
ابراهيم حاج عبدي
تعتبر الدراما التلفزيونية مادة أساسية في الفضائيات، وهي تحتل حيزاً واسعاً من البث في القنوات المنوعة، فضلاً عن محطات متخصصة في عرض الدراما فحسب، ولا تكتفي الفضائيات بذلك، بل تعيد عرض مسلسلات قديمة، كما تفعل، حالياً، محطة «أن بي أن» اللبنانية التي تعرض مسلسل «الزير سالم» الذي يتناول حرب البسوس بين بكر وتغلب، وهو يتكون من 40 حلقة أخرجه حاتم علي، وكتب النص آنذاك، الراحل ممدوح عدوان.
ما يلفت النظر في هذا المسلسل، بعيداً من كل الجوانب الأخرى، هو المستوى العالي للحوار بين الشخصيات. حوار مكتوب ببلاغة لغوية رصينة، ومن خلال مفردات وتراكيب وجمل مكتوبة باللغة العربية الفصحى لكنها تصل الى المستمع من دون عوائق. هو حوار ينتمي الى نوع «السهل الممتنع»، وينطوي على الحكمة والتأمل، ويأخذ أحياناً شكل قصائد وأشعار، وفي مرة ثانية يأتي كنجوى أو مونولوج. ويأتي حيناً عنيفاً متوعداً، وفي حين آخر يأتي هادئاً رومانسياً صالحاً للغزل. هو باختصار حوار مسبوك بعناية ويعبّر عن كثير من الحالات، ويشتمل على قيمة أدبية وفكرية.
نسوق هذا الكلام لنشير الى أن غالبية المسلسلات العربية تحوي حواراً بائساً في المعنى والمبنى، إذ يتعين على المشاهد أن يسمع فيضاً واسعاً من الثرثرة والكلام المجاني حتى يسمع فكرة جيدة، أو كلاماً له معنى… الحوار، هنا، عبارة عن صف كلام، واسترسال بلا مبرر، وجمل «مفبركة» من دون أي مراعاة لعقل المشاهد. ولا فرق إنْ كان الحوار مكتوباً باللغة العامية أو الفصحى، ذلك ان الوقع الرصين للغة الفصيحة لا يخفي ركاكة الحوار، مثلما ان الايقاع السلس للعامية لا يلغي جمالية الفكرة الموجودة في الحوار، ولنا في ذلك أمثلة كثيرة (الرحابنة الذين كتبوا بالعامية افكاراً وقصصاً جميلة لم تقلل العامية من قيمتها بل زادتها جاذبية).
والمعضلة في حوارات المسلسلات العربية تكمن في أن غالبية العاملين في الدراما تتعامل مع أي مسلسل على انه حكاية وحدوتة فحسب، بمعنى ان الجانب البصري يكاد أن يكون هامشياً، رغم وجود استثناءات أو محاولات قليلة ركزت على ان التلفزيون وسيلة بصرية بالدرجة الأولى، وإذ يغيب الوعي بالجانب البصري وبالاجتهاد على صنع مشهدية جمالية تخفف رداءة الحوار، فإن هذا الحوار يتحول الى عبء ثقيل، ذلك أن المشاهد لا يجد أمامه سوى شخصيات تتحدث في مشاهد فقيرة بصرياً. من هنا يمكن الاستنتاج ان الحوار في مسلسل الزير سالم يعد درساً بليغاً أنجزه ممدوح عدوان في كيفية صياغة حوارات تجمع بين اللغة الرشيقة، والفكرة الطموحة… ولكن يبدو ان ذلك صعب التحقيق في الكثير من المسلسلات التي تطبخ على عجل، وتهمل الكثير من جوانب العملية الفنية، بينها الحوار.