مصر الكبرى

08:47 صباحًا EET

نهاية نظام يوليو

 بداية لابد من التفرقة بين حركة الضباط الاحرار التى فجرت ثورة يوليو ١٩٥٢ وبين النظام الذى أسس له عبد الناصر منطلقا من هذه الحركة واصطلحنا على تسميته " نظام يوليو " والفارق لو أمعنا التفكير شاسع حركة يوليو قام بها مجموعة من الضباط الشباب المسيسين كانت لهم علاقات واتصالات بتيارات سياسية منظمة ومعارضة بالتحديد تنظيم الاخوان المسلمين والحركة الشيوعية المصرية وكان الهدف الرئيسى الواضح فى أذهانهم الانقلاب على قيادة الجيش الفاسدة والمترهلة والسيطرة عليه ثم فرض بعض الإصلاحات السياسية فى اطار الدستور القائم دستور ٢٣ والقانون نجحت الحركة فى ضربتها المفاجئة واذاعت بيانها الاول يحمل هذا المضمون وكانت المفاجأة الحقيقية ارتباك النظام باكمله وتصدعه العاجل ورعبه والمفاجأة الأهم رد الفعل الشعبى التلقائى والفورى المرحب بشدة بحركة الضباط وهنا ظهرت عبقرية عبد الناصر ومجموعة محدودة من رفاقه عندما التقطوا الخيط بسرعة مذهلة وطوروا على الفور أهدافهم ووجهوا للنظام ضربات سريعة متلاحقة إجبار الملك على التنازل عن العرش ثم تشكيل حكومتهم حتى وصلوا الى إسقاط النظام الملكى وإعلان الجمهورية  فى ١٩٥٣ وتمكنوا من السيطرة على مفاصل الدولة كلها بسرعة مذهلة بعد ان حازوا على ثقة والتفاف اغلبية الشعب الذى رأى فى الحركة خلاصا من القهر والهوان والفقر وبدأ الحديث عن الثورة وأهدافها الستة وبدأ عبد الناصر رحلة صعوده احكم السيطرة على تنظيمه وتخلص من المعارضين واحكم السيطرة على الجيش بفضل رفيقه عامر وكان لا بد له منطرح مشروع اجتماعى كبير بدأه بالإصلاح الزراعى وتحرير حركته من القيود فأنهى مشكلة السودان بتقرير المصير واستقلاله وأنهى مشكلة الاحتلال بمعاهدة الجلاء وتخفق من تحالفاته السابقة سواء مع الاخوان او الماركسيين وابعد الجيش عن مشروعه السياسى وان كان احتفظ به فى الخلفية كعنصر ردع وبدأ فى تأسيس نظامه الذى نسبه ليوليو ليكسبه شرعية سمتها نخبه الانتهازية بالشرعية الثورية التى تسمح له بالسلطة المطلقة ورفع سقف الطموحات والشعارات الى عنان السماء والبقية معروفة انجز الكثير واخفق فى الكثير ولكن جاءته الضربة القاصمة بهزيمة يونيو ٦٧ والتى واقعيا أنهت مشروع عبد الناصر ولكنها لم تنهى نظامه استنادا على إنجازاته الاجتماعية فى المقام الاول

وجاء السادات فحافظ على سند ما يسمى بشرعية يوليو واستمر النظام الذى اصبح نظاما شموليا بامتياز وكان امام السادات فرصة إنجاز وطنى ضخم وهو حرب اكتوبر ٧٣ ونجح فى الإنجاز بفضل الشعب المصرى الذى لم يلتفت سوى لواجب تحرير الارض ثم استكمل السادات مسيرته لاستكما التحرير والذى لم يكن متاحا بغير الاتجاه الى ما عرف بعملية السلا برعاي امريكا ونجح أيضاً رغم كل التحفظات واخترع السادات شرعية جديدة اطلق عليها شرعية اكتوبر ورث الحكم على أساسها لمبارك وهو لا بدرى ما يخفيه القدر قتل السادات وجاء مبارك ليحافظ على النظام الشمولى ولم تكن أمامه تحديات سوي الحفاظ على بقائه مهما كان الثمن لتشهد مصر عصر من أسوأ عصور انحطاط الحكم على مدى ٣٠ عاما وحكمت مصر عصابة لم تشهد مثيلتها فسادا وقهرا وامتهانا وسلبا لكل مقدرات الوطن وأبقت الجيش فى خلفية المشهد كقوة ردع بعد ان احكم سيطرته عليه بتولية اتباعه وأعراقهم فى مجالات تفتح أمامهم ابواب الفساد على مصراعيها وكان يتعمد غض البصر عنهم وهو ما فعله مع الجميع فى كل اجهزة الدولة خاصة الجهزة القمعية ليربط مصالحها ببقائه على رأس النظام وطور الامر لإقناعهم بان استمرار النظام يتحقق بتوريث الحكم لنجله ليسير على نفس الدرب حتى أراد الله ان يستقيظ هذا الشعب المهان فى الخامس والعشرين من يناير لتتداعى الامور بشكل لم يكن يتصوره اكثر الناس ثورية وتفاؤلا واجبر الشعب مبارك على الانسحاب ولكنه ترك للشعب لغما شديد الخطورة عندما ترك مصر لقائد الجيش ومجموعته من المعاونين التى شكل منها المجلس الاعلى للقوات المسلحة وكان الهدف ان مبارك وان كان ابتعد عن المشهد.. فهذا يكفى لإخماد الثورة .. وعلى من ترك لهم الامر ان يحافظوا على أركان النظام ولكن جرت الرياح بما لاتشتهى السفن وللحق كان هذا برعاية من الله سبحانه وتعالى وتضحيات ابناء الشعب من البسطاء حيث استمرت المؤامرات والألاعيب التى لا تنتهى والكل يعلمها لا داعى لتكرارها،  حتى جاءت لحظة سوف يتوقف عندها التاريخ طويلا وشاء الله ان يهيئ كل الظروف للأمر الجلل ..إقالة طنطاوى ومجلسه العسكرى وإنهاء الدور السياسى للقوات المسلحة بتعيين قيادات شابة نسبيا ومهنية  واحترافية للتتفرغ لإعداد وتفرغ القوات المسلحة لواجبها المقدس فى الدفاع عن الوطن وحمايته ولاخراجه من خلفية المشهد السياسى لتبقى فى قلب المشهد الوطنى سيف ودرع للوطن وبداية التأسيس لجمهورية جديدة مدنية ديموقراطية حديثة تليق بمصر وشعبها وهذه مسئوليتنا جميعا وعلينا باليقظة والحرص والإرادة فهى فرصة مصر الحقيقية حتى نلحق بركب الحضارة التى تخلفنا عنها كثيرا لا نخشى حزبا او جماعة طالما تعمل فى الإطار الوطنى بإرادة شعبية ولكن على القوى الوطنية الاخرى ان تبنى تنظيماتها وإحزابها لتنافس بقوة ولتبقى فى المشهد السياسى اغلبية او معارضة قوية ……. حركة الضباط الاحرار ستبقى حركة وطنية رائعة سجلها التاريخ اما نظام يوليو بكل ما له وما عليه فقد دخل التاريخ ليقول فيه كلمته …أمامنا عمل وجهد كبير .. افيقو يرحمكم الله 

التعليقات