مصر الكبرى
د. عادل عامر يكتب … سرطان العولمة وحمي الخصخصة
العولمة لا تعني الانفتاح على ثقافات الشعوب الأخرى والتواصل معها في حوار وتأثير متبادل سعيا وراء جوّ الإبداع والتطور، وبعيدا عن محاولات طمس هذه الثقافات والنيل من شعوبها، فهذا ضرب من العالمية لا العولمة،
لأن العولمة أبرز ما تتميز به لدى الوصف الأول هو أنّ طابعها مهيمن وتوجهها أحادي يفرض نفسه ويمارس التسلط والتعسف على ما هو ذاتي خاص يحرص على إقصائه بدعوى الانفتاح والتكيّف مع ما هو جديد ومع ما تتطلبه حاجات ومصالح العالم وبدعوى أنّ مصلحة أيّة جهة من الجهات مرتبطة بمصالح العالم ككل المحكوم بمنجمنت الأقوياء، وفي هذا التعميم للإنتاج الثقافي والحضاري الحديث والمعاصر من أتمتة وتوجّه تقاني في المال والأعمال وفي الإعلام والاتصال وفي السياسة والاقتصاد وغيرها على كافة أقطار العالم وبالكيفية المتسلطة المتعسفة اختراق لكثير من الثقافات ولقيّم الشعوب وخصوصياتها، على الرغم من اتجاه العالم صوب الانفتاح الثقافي المبني على الحوار والتسامح والداعي إلى احترام حقوق الإنسان بما في ذلك الحريات والحقوق الثقافية، وهي مطالب مدونة في مواثيق ودساتير الهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية، الأمر الذي يعكس النوايا والمقاصد وراء محاولات عولمة الفكر والثقافة والسلوك في الغرب الأوربي والأمريكي وعولمة منتجات التقدم الحضاري الحديث والمعاصر، مما يؤكد إرادة الهيمنة والتسلط ونفي الآخر من خلال نفي خصوصياته الثقافية والتاريخية، ومن خلال فرض النمطية الأحادية الثابتة، النمطية الأوربية الأمريكية الغربية الصهيونية، إلاّ أنّ ما تطمح إليه شعوب العالم هو الارتقاء بثقافاتها وقيّمها الخاصة من الخصوصية الضيقة إلى العالمية الرحبة، وممارسة التلاقح بين خصوصيات عدة للارتقاء بها في درجات سلم الحوار والإبداع والتواصل والتعاون والأخذ والعطاء وغيرها نحو ما هو كوني عالمي عام، لأنّ الإسلام أكّد على الحكمة من وجود التعدد الثقافي وتنوع الأجناس والاختلاف بين الشعوب والقبائل في الكثير من الجوانب، وهي حكمة الغاية منها التعارف والتواصل والتعاون لا التباعد والتنافر والتناحر والاقتتال، وبقيّم التعارف والتواصل والتعاون تستقيم حياة الناس وتتحقق الغاية القصوى التي لأجلها خلق الله الإنسان وكرّمه أيّما تكريم وفضّله على كثير من مخلوقاته، غاية العبادة والتعبد.
* لكن طموح الشعوب في الانتقال من المحلية إلى العالمية غير مشروع في ظل العولمة المتوحشة، التي تقف في وجه أيّة محاولة تقوم في أيّة جهة تخرج عن نمطية الغرب الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية وعن نموذجها الثقافي والحضاري الذي تقوده مصالح البلدان المتقدمة والذي لا يبالي بغير مصالح هذه البلدان، ويمارس الاختراقية على النماذج الثقافية والحياتية الأخرى متعاليا على كل ما هو مُشرق في ثقافة الآخرين وفي حياتهم، متباهيا بما لديه بعيدا عن الموضوعية والحياد، الأمر الذي يجعل الآخر يستجيب وينفعل سلبا في وجه توحش العولمة وشراستها ويطالب بأنسنتها، ليحتل هو الآخر مكانته في العالم ويكون محل تقدير واحترام ويتسنى له الإسهام الإيجابي في مجريات الأحداث المختلفة والمساهمة في البناء الحضاري، لأنّ ظاهرة الاحتكار الحضاري تعسفية تسلطية تتنافى تماما مع روح وجوهر الحضارة والتحضر، وسنن التحضر ذاتها تقصي كل محاولة لاحتكار الحضارة، ومحاولة جعل الحضارة حكرا على جهة ما هو بداية لإقصاء سنن التحضر ولانهيار الحضارة، الحضارة التي لا تقوم إلاّ على اكتمال شروط البناء الحضاري وأهمها الطابع العالمي الأممي للتحضر في نشأته وفي مشاركة التعدد الثقافي والتنوع الفكري في ذلك واستفادة الجميع من منتجاته بعيدا عن الاحتكار والهيمنة التي يمارسها توجه العولمة المعاصر من حيث احتكاره للتقدم العلمي والتكنولوجي ولسائر التقنيات المعاصرة المستخدمة في كل مجالات الحياة، مستغلا ضعف الآخر ومستخدما هذه التقنيات في تكريس تبعية هذا الآخر له واستغلال طاقاته البشرية ونهب ممتلكاته وخيراته بدون هوادة ومن غير مشفقة، هذا الأسلوب في توجه العولمة يعكس بجلاء خط العولمة الذي لا يراعي البتة أدنى مبادئ وقيّم الإنسانية من عدل ومساواة وتعاون وغيرها، وهو ضرب من العنف والتعانف لا يجلب سوى العنف المضاد ولا يصنع سوى منظومات فكرية تكون وراء منظمات وتنظيمات تنطبع بالعنف والتعانف، وهو حال الواقع الإنساني في العالم المعاصر الذي تهيمن عليه العولمة المتوحشة الشرسة، واقع مليء بالظلم والاستبداد وبالحروب التي تفتك بالأفراد والجماعات، وهذا ناتج عن تصور العولمة وممارستها في الفكر الغربي وهو الفكر الذي ظهر في الغرب وانتشر بعد ذلك خارج الغرب.
انتشرت حمى الخصخصة مرة أخرى في أرجاء دول العالم، حيث جنت الحكومات في العام الماضي عائدات بنحو 213 مليار دولار لمبيعات شملت كل شيء تقريباً من الهواتف إلى الموانئ وشركات الغاز. وفاجأت أميركا العالم بريادتها في العام الماضي من حيث المبيعات الحكومية بحصدها لنحو 49 مليار دولار من العائدات. ومن المنتظر أن يستمر التوجه ذاته على نحو عالمي في العام الحالي الذي شهد حتى الآن مبيعات قدرها 150 مليار دولار، مما يشير إلى أن عائدات الخصخصة قريبة من مستوى العام الماضي وهو أعلى رقم حققته الحكومات منذ بدئها بيع الأصول قبل ثلاثة عقود. يعتبر اقتصاد الخصخصة غاية في البساطة، وهو الخصخصة عند ارتفاع معدل الديون، والتأميم عندما تسمح الأحوال المالية بذلك”. ويوجدعدد من الفروقات الخاصة بالانتعاشات السابقة في عمليات الخصخصة. ياسات الخصخصة وتطبيقاتها في عدد من الأقطار العربية، التي احتلت وما زالت تحتل مكانة مبالغاً فيها في سياسات الإصلاح الاقتصادي لهذه الأقطار، على حساب الاهتمام بشؤون أكثر تأثيراً في بناء الاقتصاد وتكوين قواعده الإنتاجية، بل وعلى حساب الاهتمام بالمبرر الأساسي لسياسة الخصخصة، وهو تحرير الأسواق ومكافحة الممارسات الاحتكارية فيها؛ إذ ركزت تلك التطبيقات بدلاً من ذلك على بيع الممتلكات والأصول العامة للقطاع الخاص، وإجراء ذلك أحياناً بإحلال الاحتكار الخاص محل الاحتكار العام، أي في صورة تتناقض في الأساس مع الفلسفة الاقتصادية الليبرالية التي تتمّ باسمها تلك التطبيقات. وقد انطوى ذلك الانحراف في سياسات الإصلاح الاقتصادي على تشجيع لعوامل تزيد من الفساد، أخطرها إضعاف الدولة، ليس من خلال سلبها ملكيتها لمرافقها العامة فحسب، بل أيضاً من خلال تمكين المصالح الخاصة في قطاع الأعمال من التغوّل على سلطات الدولة، وإضعاف مستوى عنايتها بمصالح الشرائح الأقل حظاً في المجتمع، وما يعنيه ذلك من توسيع للفوارق بين الحيز العام والحيز الخاص، وجعل إمكانية تحقيق طموحات الشعوب بالحرية والديمقراطية والعيش الكريم، تتراجع إلى أفق زمني بعيد الأمد.
كانت الدولة قد باعت نفس هذه النسبة من 5 سنوات بحوالي 40 مليون دولار ومن بين عمليات الخصخصة أيضاً في سنة 1993 تم عرض فندق المريديان للبيع وتبلغ مساحته 21 ألف متر مربع في موقع نادر في أقصي الطرف الشمالي لجزيرة المنيل وكان سعر المتر في هذا الموقع لا يقل عن 30 ألف جنيه في هذا التوقيت وقيمة الأرض كانت تزيد 630 مليون جنيه مصري و185 مليون دولار ولكن إنه تم بيعه إلي أمير سعودي بمبلغ 75 مليون دولار فقط وبالتقسيط أي بنحو 40% عن قيمة الأرض وحدها فضلاً عن أن سعر بيع الفندق ألا يتجاوز قيمة الأرباح الصافية للفندق في أربع سنوات أما شركة النصر للإسكان والتعمير التي تأسست في 1959 كشركة قطاع عام وأقطعتها الدولة مئات الملايين من الأراضي بغرض تعمير الضواحي بمدينة نصر وظلت الشركة تقوم بدورها لما يزيد علي ثلاثين عاماً وفي منتصف التسعينيات ومع بدء برنامج الخصخصة طرحت الدولة 65% من أسهم الشركة في البورصة، بالإضافة إلي 10% لاتحاد العاملين فتحولت من شركة تخضع للقانون 159 إلا أن الدولة ظلت صاحبة الحصة الأكبر 35% مما أتاح لها الاستمرار في تشكيل مجلس إدارة الشركة ورسم سياستها والسيطرة علي كنز الأراضي بينما تفرقت الحصة الباقية علي أفراد بحصص أقل أنه حتي آواخر 2006 كان للشركة القابضة للتشييد والتعمير 25% ولاتحاد العاملين 10% مما يجعلها أكبر المساهمين بـ 35% وكان معروفاً أن هناك محاولة لتجميع أسهم الأفراد من البورصة بواسطة مجموعة من التحالفات للسيطرة علي اتخاذ القرار في الشركة حيث اشترت شركة بيلتون كابيتال القابضة للاستثمارات بتاريخ 24/12/2006، 4.26% من الأسهم بمبلغ 464 مليون جنيه تزامن ذلك مع رغبة جامحة من وزير الاستثمار لبيع الأصول العامة وتسابق العديد من رؤساء الشركات القابضة والتابعة لإرضائه ومن هذا الإطار بدأ الضغط لبيع جزء من حصة الشركة القابضة للتشييد والتعمير وحذر الكثيرون دون جدوي من أن ذلك سيفقد الدولة السيطرة علي القرار الخاص بكنز الأراضي واضطر رئىس شركة مدينة نصر السابق طاهر المغربي إلي تقديم استقالته ورغم كل ذلك وافقت الجمعية العامة للشركة القابضة للتشييد والبناء برئاسة وزير الاستثمار علي بيع 10% من حصة الشركة القابضة وباع اتحاد العاملين 5% من أسهمه لتخفيض حصتها معاً إلي 20% فأصبحت شركة بيلتون هي صاحبة الحصة الأكبر والمسيطرة علي مجلس الإدارة لأول مرة أي أن الملاك الجدد أصبحوا يتحكمون بمبلغ 464 مليون جنيه فقط في اتخاذ القرار الخاص بكنز من الأراضي تزيد قيمته علي 20 مليار جنيه