مصر الكبرى
حاتم ندا يكتب : سوف نطعمك بقدر ماتنزف
ينظر الكثيرون الى ثورة مصر نظرة احادية وحالة مصرية خالصه حتى ان ما يحدث من حراك ثورى فى المنطقة وكانه لا علاقة له بما يجرى فى مصر ويصورون الامر مجرد صراعا محليا خالصا تجاه نظام استبدادى جثم على صدر الوطن عهدا طويلا وكاننا بمعزل عن العالم وحركة التاريخ وذلك يبدو تهميشا كبيرا لدور مصر الاقليمى على اقل تقدير وتهميشا لمرحلة زمنية هامة جدا ومتكررة فى بداية كل قرن من اعادة تشكل للقوى عالميا واقليميا.
اعتقد ان للحالة المصرية كذا العربية خصوصية ودورا اعمق بكثير مما  للنظرة السطحية للامور فهى اعمق واكثر شمولا من مجرد كفاح اقليمى ضد الاستبداد الشرقى كما يحلو للغرب ان يضعنا فى هذا القالب المسبق التجهيز. هى بحق حركة تحرر واستقلال وطنى كامل لدول المنطقة فى كفاحها المرير والمستمر منذ قرون تجاه دول كبرى انتهازية عنصرية تحكم قبضتها على منابع الثروة فى ارجاء العالم المسمى زيفا بالعالم المتخلف.اننا الان نعيش مرحلة متاخرة من مراحل استعمار غربى للمنطقة بدا بالاستعمار المباشر وانتهى بالاستعمار بالهيمنة عبر وكلاء محليين قام بنزح ثروات المنطقة نحو تدوير عجلة اقتصاديات الدول الكبرى كلا حسب قوته وياتى على قمته سيد العالم الجديد بالطبع المارد الامريكى ولكن تاتى الرياح بما لاتشتهى السفن واثناء اجراء الترتيبات اللازمة للانتقال الى المرحلة الاخيرة من الاستعمار وهى العولمة المركزية البشعة جاء الربيع العربى والذى وان كان متوقعا لكن جاء مبكراا مما اربك الكثير من الحسابات فى المنطقة والعالم وقد يبدو الكلام ليس بجديد ولكن هذا لا ينفى بالطبع حقيقته المؤلمة . من هذا المنطلق يمكن لنا ان نحاول فهم الكثير من الملابسات التى تحيط بالربيع العربى عامة وبالثورة المصرية خاصة بل ايضا فى فهم الكثير من الثورات والانتفاضات حول العالم والتى مني اغلبها بالفشل رغم بداياتها القوية المتفائلة.اكاد اجزم ان لمصر اهمية اكبر ودورا اعمق مما نعتقد وهذه الاهميه نتاج قدرها الجغرافى فى الاساس فالجغرافيا تحدد مصائر الامم وتشكل اهميتها والاهميه بالطبع تخص الدول الكبرى على مر التاريخ وتوزيع ميزان القوى الاستعمارية الذى يميل الان نحو الدولة العظمى المنفردة .نحن لسنا بمعزل عن العالم ولا عن تشكل حركة التاريخ والعلاقة المصرية الامريكية علاقة مركبة جدااا ومصر بالطبع هى المتلقى والمتاثر الاكبر بحكم توزيع القوة بين الطرفان لذا وجب القاء الضوء على مصالح الدولة العظمى فى المنطقة والتى يعتبر امنها القومى شاملا كل دول العالم وتعتبر المنطقة منطقة مصالح حيوية ساخنة جداا لها يمكن ان تستدعى استخدام القوة المسلحة اذا لزم الامر.السياسة الامريكية كذا سياسة الدول الامبراطورية الكبرى عبر التاريخ هدفها الاساسى هو السيطرة الاقتصادية فالسياسة هى ظل المال الذى يخيم على المجتمع كما قال الفيلسوف جون ديوى فى النهاية الصراع مالى اقتصادى بحت.تقوم السياسة الامريكية منذ ودرو ويلسون الذى دعى الى خروج امريكا من عزلتها ومشاركتها فى الصراع العالمى بعد حالة انعزال مزيفة مرت عليها سابقا على عدة مرتكزات كلاسيكية ومعلنة بالطبع ياتى على راسها بالطبع حماية والدفاع عن النظام الراسمالى المتطرف فى كل ارجاء المعمورة بحجة حماية حرية تداول السلع والتجارة العالمية وذلك لضمان النفاذ والسيطرة على الاسواق والتحكم المالى فى التجارة الدولية واستتبع هذا بالطبع ضمان السيطرة على الممرات البحرية الهامة فى مناطق العالم المختلفة فالتجارة تنصب على النقل البحرى فقط والمرتكز الثانى هو الانتقال من مرحلة الاستعمار المباشر الى الاستعمار بالهيمنة والتقليل قدر الامكان من استخدام الجيوش  نظرا للتكلفة العالية للتدخلات العسكرية وتبلور هذا تحديدا بعد حرب السويس عندما ارغمت الامبراطورية الانجليزية العجوز على تفكيك مستعمراتها مع الابقاء على اهم الممرات البحرية التجارية فى العالم نظير علاقة تحالف خاصة يينهما.وبين هذان المرتكزان تاتى تفاصيل كثيرة وما يهمنا هو ان مصر صمام امان لا حتياطات النفط والغاز الضخمة فى الخليج والتى تضخ اموال ضخمة فى بنوك الغرب كما تتحكم مصر فى اهم ممر مائى عالمى كذا تضمن كلفة اقل للسيطرة على المنطقة دون تدخل عسكرى مكلف فى كثير من الاحيانىكلها اسباب كفيلة بعرقلة اى تحول ديمقراطى حقيقى فى مصر والمنطقة .من هنا يمكن فهم كم الاموال الضخمة التى تم ضخها فى بنوك الغرب عبر الوكلاء المحليين فماذا يستفيد دكتاتور من ايداع مليارات ضخمة بهذا الشكل لكن المستفيد الاكبر هو اقتصاديات تلك الدول التى هى فى حقيقتها اقتصاديات هشة وضعيفة عكس ما تبدو عليه من قوة اقتصاديات استمدت قوتها من نهب دول العالم منذ تفتحت شهية الغرب على الاستعمار فى بداية القرن السادس عشر وحتى وصلنا الى هيمنة الدولة الكبرى وامتداد مبدا مونرو من امريكا اللتينينة الى اسيا وصولا للخليج ومصر هذا المبدا الذى يعتمد على ضمان السيطرة الكاملة على المؤسسات الامنية الداخلية والخارجية للدول الواقعة فى نطاقه عبر التسليح والتدريب الامريكى فقط كذا المعونات اللوجستية والمخابرتية بما يضمن الولاء التام للسيد الامريكى الذى يعمل جاهدا على الابقاء على الامور والانظمة التابعة عبر اجراء تغييرات شكلية وديمقراطية هشة على نمط تريده امريكا خاص بالدول فى المنطقة لا ينتمى للديمقراطية الحقيقية حتى لا تصاب مصالحها باضرار جوهرية .من هنا ايضا يمكن محاولة فهم والقاء ضوء على ما يحدث فى سوريا ذات الموقع الجغرافى القريب من دول الخليج وكيف يتم تجاهل مذابح كبرى وابادة جماعية لشعب شبه اعزل فالتغيير الراديكالى مرفوض تماما فى المنطقة كذا ما الت ايه الامور فى العراق من مصير الدولة الهشة المضطربة وتجميد هذا الوضع الوسطى رغم ما تم الوعد به والتكلفة الضخمة لما بشر به العراق من ديمقراطية وجنة امريكية. وناتى مرة اخرى الى الحالة المصرية التى زادت الطين بلة برمزيتها العالمية التى وصل صداها الى وول ستريت نفسه مرورا ببرشلونة والعجيب هو كم العنف الذى قوبلت به تلك الحركات فى الغرب واستخدام اسلحة الغاز  الحديث وغيره مما استخد مع الثورة المصرية ونجاح الغرب فى التقويض النسبى لتلك الحركات الاحتجاجية حتى ان امريكا نفسها وبالقانون منعت اقامة اى اعتصامات فى الميادين الكبرى حتى لا تنقلب المور كما حدث فى مصر . مصر مهد المركزية فى التاريخ اصبحت خطرا على المركزية الحديثة والمسماة بالعولمة واصبحت التفاحة العفنة كما يدعى الامريكان والتى يمكن ان تصيب بعدواها التحررية باقى التفاح من دول العالم فالمنطقة لصيقة بدول جنوب اوروبا ويمكن للدومينو ان يتحرك وتنجح ثورات دول كاليونان ولن يستطيع العم سام هذه المرة ان يشارك فى قتل الالاف من اليونانيين كما حدث سابقا بعد الحرب العالمية الثانية اثناء القضاء على الحركة الاشتراكية هناك وكما قال لى احد اصدقائى من الثوار اننا فى مصر قد اخترعنا المركزية ونحن من سيقضى عليها .وفى النهاية يتحول مفهوم الثورة الداعى الى مواطنة حقيقية الى مفهوم ضيق مقصور على عملية سياسية هشة كى يعود المواطنون الى حياتهم بعيدا عن اى عمل ديناميكى ثورى وتبقى الكلمة الاخيرة للشعوب فكلما كانت التضحيات كبيرة والثورات قوية وعنيفة افرزت دولا ناجحة وكلما كانت الثورات ناقصة وغير مكتملة افرزت دولا فاشلة وتحضرنى مقولة لا اتذكر صاحبها (سوف نطعمك بقدر ماتنزف.فكم من الدماء سوف تنزف مصر حتى تحصل على طعامها كاملا فى هذا العالم