مصر الكبرى
تحديات التحول الإقتصادي في مصر
يمرّ الاقتصاد المصري بفترة حرجة، في وقت تتحوّل فيه البلاد إلى الديمقراطية. وفي حين أن التحوُّل من السلطوية يلقى ترحيباً بالتأكيد، ألا أنه أثار عدم استقرار لم تعرفه مصر على مدى السنوات الثلاثين الماضية.
ويمثّل تنفيذ الإصلاح الاقتصادي في ظل عدم اليقين هذا تحدّياً على وجه الخصوص، فيما تحظى المطالب السياسية بالأسبقية. حاولت الدولة مرات عدّة إنعاش الاقتصاد المصري منذ انتهاج سياسة الانفتاح، أو "الباب المفتوح" التي بدأها الرئيس أنور السادات في منتصف سبعينيات القرن الماضي. وساهمت برامج الإصلاح المتعاقبة، على الرغم من فشلها، خلال السبعينيات في تفشّي الفقر الذي كان بمثابة المحرّك الأساسي للثورة المصرية في العام 2011. ويمكن لخبرات وتجارب الماضي أن تقدّم دروساً مفيدة لما يتعيّن تجنّبه في المستقبل، لكن تجربة الماضي غير قادرة على تبيان ماينبغي القيام به بالضبط.
يمكن تسهيل عملية انتقال ناجحة إلى الديمقراطية من خلال اقتصاد سليم يحقق رفاهاً اقتصادياً للمواطنين. والحقيقة أن الحكومة الانتقالية التي يقودها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يتولى إدارة البلاد إلى حين اجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، تواجه تحدّيات هائلة. ومع ذلك، سارعت وعلى نحو لايتّسم بالحكمة، إلى تلبية المطالب الشعبوية للثورة، من دون أن تأخذ التأثيرات طويلة الأمد لذلك بعين الاعتبار. وفي حين أنها قد تكون ملائمة سياسياً، فإن التدابير التي جاءت كرد فعل – مثل الزيادة الحكومية الأخيرة في الحدّ الأدنى للأجور في القطاع العام، وتمديد العقود الثابتة لـ450 ألفاً من الموظفين العموميين – تضع، ضغطاً إضافياً على الموازنة بما يؤدّي الى زيادة العجز الذي لايمكن أن يستمر. وستكون الآثار طويلة الأجل لاستمرار السياسات الاقتصادية القائمة على التوسع في الإنفاق العام سيئة.
لايزال الاقتصاد المصري في حالة تراجع منذ تنحّي حسني مبارك في شباط/فبراير 2011. ويعود ذلك جزئياً إلى حالة عدم الاستقرار المتأصّلة في الدول التي تمرّ في مرحلة انتقالية، وتفاقم الأمر في مصر بسبب تزامن مرحلة التحول مع الانكماش في الاقتصاد العالمي. والآثار المترتّبة على التباطؤ الحالي تبدو أكثر وضوحاً في مجالات الاستهلاك المحلي، والاستثمار الخاص المباشر، والسياحة. ولعكس هذه الاتجاهات الأخيرة والمضي قدماً في الاقتصاد ككل، يتعيّن على الحكومة الانتقالية أن تعطي الأولوية للأمور التالية في المدى القصير:
استعادة الأمن. الاعتراف بتحفّظ وتردّد القطاع العام والردّ عليه – على المستويين المحلي والأجنبي – مع وجود خريطة طريق واضحة من شأنها ضمان الاستثمار خلال هذه الفترة من التقلبات. الكفّ عن شيطنة القطاع الخاص وإقامة شراكات جديدة مع أصحاب المشاريع المستقلين. اعتماد مقاربة أكثر تشاركيّة وشفافية في عملية صنع القرار. ضمان توافر الأموال اللازمة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة عن طريق تقديم ضمانات للبنوك التجارية لفترة محدودة من الزمن. توجيه المنح والقروض الأجنبية نحو مشاريع البنية الأساسية والإسكان للفقراء وللمرافق العامة الأخرى.في المدى المتوسط بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، الحكومة في حاجة إلى:
تعزيز دور المؤسسات. معالجة المعدّلات المنخفضة للاستثمار ورصد الموارد المالية اللازمة ما أمكن. تصحيح الاختلالات بين المنتجين والمستهلكين. توسيع عملية التساقط المحدودة الآن الناجمة عن النمو، والتي تؤدّي محدوديتها إلى توسيع الفجوة في الدخل بين الأغنياء والفقراء.
إن معالجة هذه المشاكل وتنفيذ التدابير قصيرة ومتوسطة الأجل المذكورة أعلاه سيساعدان على وضع الاقتصاد على المسار الصحيح، وتجنّب التوسّع في الإنفاق العام إلى مستويات لايمكن تحمّلها أكثر من ذلك. حتى الآن، فشلت الحكومة الانتقالية في اتخاذ خطوات جريئة في الاتجاه الصحيح، ولم تعط الاهتمام الكافي للجوانب الاقتصادية لعملية الانتقال. فقد كان أداء مصر ضعيفاً تاريخياً في مؤشرات الحوكمة، مثل سيادة القانون، ونوعية الأنظمة التجارية، والفساد المرتبط بالإنفاق الاجتماعي غير الفعال. ونتيجة لذلك هناك سوء في توزيع الموارد. وبالتالي، يمكن أن تواجه الحكومة أسوأ سيناريو من التدهور الاقتصادي المستمر والارتكاس إلى السلطوية.