مصر الكبرى
المرأة المصرية وحكم الإخوان
تتفاقم مخاوف المصريات على حقوقهن وحرياتهن منذ تعرض النساء لانتهاكات على يد العسكريين من جهة وصعود التيارات الإسلامية إلى الواجهة من جهة أخرى، ولكنهن تواصلن العمل على تحقيق أهداف الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك في فبراير 2011 ونادت بالحرية والكرامة والمساواة.
رغم أنها كانت في الصفوف الأولى للثورة في مصر العام الماضي، تخشى المرأة المصرية اليوم من ضياع حقوقها خصوصا بعد اكتساح الإسلاميين للساحة السياسية.
وتتهم ميرفت التلاوي رئيسة المجلس القومي للمرأة بمصر، في مقابلة مع وكالة رويترز، أنصار التيار الإسلامي في بلادها بالسعي لتهديد حقوق النساء في مجالات عديدة مثل الطلاق وحضانة الأطفال وكذلك العمل على تقويض المجلس باتهامه إنه من بقايا عهد الرئيس السابق حسني مبارك التي أطاحت به ثورة فبراير 2011، والتي لعبت فيها النساء المصريات بنزولهن الكثيف إلى الشارع -إضافة إلى وسائل الاحتجاج الأخرى من مدونات وغيرها- دورا رائدا.
وقالت ميرفت التلاوي في مقابلة مع وكالة رويترز "هم يحاولون سحب حقوق للنساء ضمنتها الشريعة الإسلامية" وأضافت أن الانتقادات التي توجه للمجلس هي محاولة للجور على حقوق النساء.
وكانت جماعة الإخوان المسلمين محظورة في عهد مبارك لكنها برزت كقوة سياسية كبرى في مصر بعد إسقاط مبارك وشغل حزبها الحرية والعدالة أكثر من 40 في المئة من مقاعد مجلس الشعب ونحو 60 في المئة من مقاعد مجلس الشورى في الانتخابات التي أجريت بين نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي ويناير/كانون الثاني هذا العام. وجاء حزب النور السلفي تاليا للحرية والعدالة.
ويتوق حزب الحرية والعدالة إلى شغل منصب رئيس الدولة في جولة الإعادة التي ستجرى يومي 16 و17 يونيو/حزيران الحالي والتي سيخوضها رئيس الحزب محمد مرسي أمام أحمد شفيق آخر رئيس للوزراء في عهد مبارك.
وانخفض تمثيل المرأة في مجلس الشعب في مصر بعد الثورة من 12 إلى 2 بالمئة وألغيت الحصة التي كانت مخصصة للمرأة في ظل النظام السابق وهي 64 مقعدا
– المجلس القومي للمرأة مؤسسة كانت "سلاحا للنظام السابق لتفتيت الأسرة والقضاء عليها"
وتقول جماعة الإخوان المسلمين التي يهيمن حزبها -الحرية والعدالة- على البرلمان في بيان على موقعها على الإنترنت إن المجلس القومي للمرأة مؤسسة كانت "سلاحا للنظام السابق لتفتيت الأسرة والقضاء عليها". وتأسس المجلس بقرار جمهوري عام 2000 وأشرفت عليه زوجة الرئيس المخلوع إلى أن أطيح بمبارك في انتفاضة شعبية في فبراير/شباط العام الماضي.
ويعرف المجلس بدوره فيؤكد أنه يتمثل في اقتراح السياسات التي تتصل بالمرأة وتطبيق الاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها مصر مثل اتفاق الأمم المتحدة بشأن إنهاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة الذي صدقت عليه مصر عام 1981.ويتسبب ارتباط المجلس القومي للمرأة بالرئيس المخلوع وقرينته سوزان في تعقيد الأمور أمام المدافعين عن حقوق المرأة الذين يحذرون من ارتباط فكرة الحفاظ على حقوق المرأة في الأذهان بالأنظمة السابقة، موضحين أن صورة الجمعيات والمجالس "النسائية" لم تكن سوى واجهة دعائية لنظام القمع.
وهو ما أكدته لفرانس 24 الناشطة والمدونة المصرية سميرة إبراهيم البالغة من العمر 25 سنة.
فمن الانتهاكات الحقوقية التي تعرضت لها النساء في مصر بعد الثورة نذكر التعذيب و"كشف العذرية" من قبل عسكريين وهي ممارسات عاشتها سميرة إبراهيم التي اعتقلت في ميدان التحرير في مارس/آذار 2011، وأكدت لنا سميرة إبراهيم التي رفعت قضية ضد جلادها رغم تهديدات القتل التي وصلتها ورغم ضعف آمالها في إظهار الحق أن "ميرفت التلاوي هي يد الحكومة في مصر".
واتهمت ميرفت التلاوي -التي عينت في المنصب بقرار من الحكومة المؤقتة المعينة من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة- حزب الحرية والعدالة بتشويه صورة المجلس بالقول إنه كان أداة لحكومة مبارك استعملت في خدمة أهداف أجنبية.
– "العسكر ينتهكون حقوق المرأة أكثر من الإسلاميين"
وأضافت سميرة إبراهيم "التلاوي تشكل تهديدا لحقوق المرأة لا يختلف بالنسبة لي عن خطر الإسلاميين، بل وحتى يتجاوزه. فهي تشغل منصبا حكوميا يقف وراءه العسكر. والعسكر ينتهكون حقوق المرأة أكثر من الإسلاميين. فالإسلاميون منشغلون بتحقيق مصالحهم الشخصية والوصول إلى مناصب نافذة ويروجون لأحزابهم دون التمييز بين الرجال والنساء فكلاهما يمثل بالنسبة إليهم طاقة انتخابية لا يمكن التفريط فيها"، ويقدرعدد الناخبات في مصربـ 23 مليونا. وينص البرنامج المكتوب لحزب العدالة والحرية على "تمكين المرأة من كافة حقوقها بما لا يتعارض مع القيم الأساسية للمجتمع وبما يحقق التوازن بين واجبات وحقوق المرأة". وتعهد مرسي بأنه إذا انتخب سيبقي للمرأة على حق العمل وارتداء ما تريد من ملابس.
وتواجه النساء في مصر عدة مضايقات أبرزها التحرش الجنسي المتفشي في البلاد والتي كشف عنها، مؤخرا فيلم "الباص 678" للمخرج محمد دياب وهي حوادث أفزعت المجتمع المصري المحافظ وكان مسكوتا عليها لسنوات طويلة بدعوى أن ما يثار مجرد حوادث فردية لا يمكن اعتبارها ظاهرة. ويميل بعض المصريين إلى نوع من التأييد للتحرش الناتج حسب وجهة نظرهم عما يعتبرونه تصرفات وملابس غير لائقة ترتديها الفتيات والسيدات
كما ظهر في مصر جدال واسع حول ظاهرة ختان البنات التي يدافع عنها البعض مؤكدا أنها من التعاليم الإسلامية في حين يستنكرها آخرون ويقولون إنها لا تمت إلى الدين بصلة. وحسب تحقيق أجرته السلطات المصرية، خضعت عام 2008 أكثر من 90% من الإناث في سن الإنجاب للختان.
ويخشى الليبراليون المصريون وكثيرون من الأقلية المسيحية من أن يكون الإخوان المسلمون يبيتون النية لكبت الحريات الفردية وفرض رؤيتهم الإسلامية المحافظة على المجتمع. وقالت ميرفت التلاوي إن النواب الإسلاميين طالبوا بإلغاء قوانين مثل قانون الخلع الذي يتيح للزوجة الحصول على الطلاق أمام المحكمة إذا ردت للزوج ما أعطاها من مال ومهر أو هبة. وأضافت إن النواب لم يتراجعوا الشهر الماضي إلا بضغط منسق عليهم من عدة جهات منها الأزهر ووزارة العدل… وإن نوابا حاولوا تعديل قانون الحضانة الذي سمح للنساء بحضانة أطفالهن حتى سن الخامسة عشرة. لكن مسؤولين في حزب الحرية والعدالة قالوا إنهم يؤيدون قانون الخلع وقوانين الحضانة.
وسألنا سميرة إبراهيم عن موقفها من الخطر الذي يمثله حسب الكثيرين المد الإسلامي بعد أن حققت أحزابهم مكاسب انتخابية وسياسية غير مسبوقة فقالت "أنا متخوفة من الإسلاميين لكن أؤكد على انتهاكات العسكر لحقوق النساء، وبالنسبة لي فلول مبارك والعسكر وجهان لعملة واحدة".
ويعمل العديد من الناشطين السياسيين والحقوقيين في مصر من أجل ضمان تمثيل مناسب للنساء في الجمعية التأسيسية التي ستكتب الدستور الجديد للبلاد.
وقضت محكمة في أبريل/نيسان بحل جمعية تأسيسية انتخبها الأعضاء المنتخبون في البرلمان بعد دعاوى أقامها محامون وناشطون قالوا إن الإسلاميين هيمنوا أيضا على تشكيل الجمعية التي تتكون من مئة عضو وإنها لا تمثل التنوع القائم في مصر. ونجحت اليوم جهود استمرت أسابيع لإعادة تشكيل الجمعية لتمثل التنوع المصري وسيجتمع الأعضاء المنتخبون في مجلسي الشعب والشورى يوم الثلاثاء لانتخاب جمعية تأسيسية جديدة.
أما عن نظرتها للمستقبل الذي يبدو بترشيح مرسي وشفيق إلى جولة الإعادة من الانتخابات عالقا بين سندان الإسلاميين ومطرقة الفلول فتقول سميرة إبراهيم إن "الحل هو ثورة ثانية " وتقول "الثورة الثانية قائمة، أو بالأحرى فالثورة الأولى متواصلة فنحن اليوم مازلنا نملأ الميادين بالآلاف"، ونزل ألوف المصريين إلى بعض الميادين والشوارع في القاهرة ومدن أخرى الجمعة الماضية للتظاهر تأكيدا لمطلب عزل مسؤولين في حكومة الرئيس السابق حسني مبارك.