مصر الكبرى

07:12 مساءً EET

لصوص لكن ظرفاء

جلست أتحدث مع أبنتي عن الشحاذين والنصابين الذين ينتشرون في شهر رمضان، وعدت بذاكرتي إلى الماضي وتذكرت أول عملية نصب وقعت معي أثناء طفولتي،عندما أرسلتني والدتي لشراء كيسا من المعكرونة من محل البقالة المجاور لبيتنا،

فتقدم نحوي رجل لا أعرفه يسألني ( هل ذهبت إلى عم حسين؟) فأجابت بالنفي ؟،الا أنه عاجلني بالقول إن والدي أحضر لي فوانيس رمضان ويجب أن أذهب لعم حسين لأخذها منه.وطلب مني أن يصطحبني إليه، وبعد خطوات قليلة سألني عن النقود التي أغلق عليها يدي، فأخبرته بالمبلغ، فنصحني ألاأظهرها أمام العم حسين كي لا يزعل لأنه منح والدي الفوانيس كهدية لنا ، فأحكمت يدي عليها أخبئها، إلا أنه أخبرني أنه مازال يراها داخل يدي وعلي أن أعطيه النقود حتى يخفيها.
وأعطاني لفة صغيرة من ورقة جريدة وأخبرني أن النقود بداخلها، ثم أشار إلى محل بعيد وأخبرني أنه محل عم حسين بائع الفوانيس، وذهبت ولم أجد أحد ولم أجد أية فوانيس ،وعدت إلى المنزل وعرفت أمي أنني وقعت ضحية لنصاب ولا اثر للنقود داخل ورقة الجريدة، وحمدت الله على عودتي سالمة، ونهرني والدي و حذرني من تصديق أحدا أراه في الشارع ولاأعرفه مهما حدث.
وفي شهر رمضان أيضا وأثناء عودتي من الجامعة وتحديدا أمام احد المخابز التي ازدحمت بالناس، اقتربت مني سيدة ظهر عليها التعب والإرهاق وقلة الحيلة، وأعطتني ورقة كتب عليها اسم كتاب باللغة الانجليزية، وأخبرتني أنه كتاب لأبنها طالب الطب وإنها فقيرة لا تستطيع شراءه لإرتفاع ثمنه، فانهمرت دموعي وبشكل تلقائي مددت يدي داخل حقيبتي لأجمع كل ماأستطعت من نقود لأعطيها للمرأة.
وواصلت سيري إلى المنزل باكية، وعندما دخلت البيت سألتني والدتي بفزع عما يبكيني ، فقصصت لها الحكاية،وأستفزتني ضحكات أخي المرتفعة والذي قال لي( اللي مامعهوش مايلزموش) لماذا يلتحق ابنها بكلية الطب وهي كلية لا يقدر عليها سوى الأغنياء؟، وأكد لي ان تلك المرأة نصبت علي . فشعرت بالضيق والنفور من أخي الذي تحدث بنبرة لا ترحم الفقراء، حتى شاهدت تلك السيدة وبعد ثلاثة شهور تقريبا وهي تستعطف المارة بنفس الأسلوب ومازالت في يدها القصاصة التي كتبت عليها اسم الكتاب.
ابتسمت وأنا أسترجع الذكريات عندماقامت والدتي بدعوتي على الإفطار وكنت لاأزال عروسا لم يمض على زواجي سوى عدة شهور، وعندما هممت بالنزول من السيارة فوجئت بامرأة تهجم علي وتنحني لتقبل يدي وهي تخبرني بأنها ستطرد من الغرفة التي تعيش فيها غداً إذا لم تدفع الإيجار.
ولم أتمالك دموعي ومددت يدي سريعا داخل حقيبتي واقتطعت من مالي ما يمكن أن يسدد ثمن ايجار الغرفة ومنحته للمرأة، وعندما قصصت على أمي الحكاية، ضحكت وأخبرتني ا أن هذا السيناريو يتكرر كثيرا من تلك المرأة ويوميا في هذا المكان.
وذات يوم وأثناء انشغالي في العمل دخل المكتب شاب يبدو في الخامسة والثلاثين من عمره وأكد لي أنه قصدني بالذات لأنه يعرف أني امرأة بمائة رجل وأني سأساعده في المحنة التي ألمت به فقد أتى إلى البلد(أبوظبي) بتأشيرة زيارة لعله يجد عملا إلا أنه لم يحالفه الحظ ويريد أن يعود إلى وطنه ثانية وقد جمع له الأصدقاء جزءاً من ثمن التذكرة.ولم يتبق منها إلا حوالي 400 درهم وإنه مستعد لمنحي كافة الضمانات وسيعطيني عنوانه ليرد لي المبلغ،فأشتعلت نيران الجدعنه في دمي خاصة وأنه أبن بلدي ونحن في غربة ،و طلبت منه أن ينتظرني بضع دقائق، وقمت بجولة سريعة، ولم يقصر الزملاء في المساهمة، ومنحت الرجل ما أراد وعندما قصصت الحكاية لزوجي ضحك متسائلا (هو وصل ليكم أنتم كمان ،،ده كان عندنا في الشغل وطلب نفس الطلب أمبارح ؟).
وضحكت مع أبنتي على عمليات النصب التي لا يمكن اكتشافها إلا بعد فوات الأوان. e_kandeel@hotmail.com

التعليقات