مصر الكبرى

08:47 صباحًا EET

نحو نخبة جديدة

هل المجتمع المصري يستعد حالياً لإفراز نخب جديدة ذات سمات أكثر قدرة على وضع وتنفيذ مشروع نهضة؟

أعتقد أن أمام هذا السؤال سينقسم الناس إلى فريقين: فريق مؤيد بحماس شديد وفريق معترض وبانتقادات شديدة. ولكني أرى أنه يجب قبل الإجابة على هذا السؤال أن نحدد التوجه الذي سنعتمد عليه في التقييم: هل سنتعرض للمسألة من منظور تحليلي غارق في تفاصيل الوضع الراهن أم سنتطرق إليها بعين قادرة على رصد العلامات الأولية للتغير المجتمعي بمنظور استشرافي ورغبة في استثارة محفزات التغيير الدافعة للوضع الراهن نحو بناء المستقبل المأمول.
للتوضيح سأتعرض أولاً للوضع الحالي، وذلك طبعاً وفقاً لرؤيتي الذاتية، ثم سأرصد محركات التغيير في المجتمع المصري حالياً من وجهة نظري، وأخيراً سأوضح كيف أننا نسير نحو بناء نخبة جديدة ومختلفة.
تنقسم النخبة الحالية إلى قسمين. القسم الأول هم المستفيدون من نظام مبارك والذين يعملون جاهدين لضمان عدم تغييره، والقسم الثاني هم وجوه ثائرة ونصف ثائرة بعضها كان موجود قبل الثورة وبعضها ظهر بعد الثورة. وعلى الرغم من أن الفريقين تباينا في الهدف إلأ أنهما اتفقا في الأسلوب المؤدي إلى إرباك المتلقي وفقدانه القدرة على الرؤية الواضحة اللازمة لترتيب الأولويات، وذلك عبر إغراقه تحت سيل من المعلومات المتوسطة والضعيفة الأهمية التي لا تؤدي سوى لتشتيت ذهنه في معارك ومهاترات عديمة الجدوى. اعتمدت النخبة الحالية على استجابة المواطن المصري القوية لنداء الثورة ورغبته في أن يمكن من مصير وطنه سياسياً وبدأت صولات في شرح المفاهيم والمصطلحات السياسية والاقتصادية والتنظير الأيدولوجي. وزاد الطين بلة، قيام العسكر بتصعيد التيار الديني المتشدد في إطار تطبيقه لسياسة إعادة الشعب المصري إلى حظيرة الخوف وإجباره على اللجوء إليه طلباً للحماية. وقد صاحب تصعيد التيار الديني إدخال المجتمع المصري في حلقة أخرى من الإغراق في المفاهيم والمصطلحات والتنظير الايدولوجي.
ومع ذلك، فالوضع ليس قاتماً، فالثورة وما أحدثته من حراك شعبي مستبسل في تمسكه بحقه من أن يُمكن الشعب المصري ويصبح سيد مصيره خلقت ديناميكية في الشارع متغيرة ومتطورة من مظاهرات رافعة مطالب سياسية أو اقتصادية، واعتصامات، وفعاليات فنية وحركات مدنية ومبادرات وطنية،… كل هذا يشير إلى عدم رضا المواطن المصري عن الوضع الحالي ورفضه للاعتراض السلبي والاكتفاء بالمراقبة والتحليل ورغبته العارمة في المشاركة في تقرير مصير وطنه. وقد أدرك البعض أن تمكين هذا الحراك الشعبي الجميل الذي وقع في غرامه العالم من مقاليد الوطن يستلزم تغيير بعض السمات مجتمع عبر حركات ثقافية وفكرية وتنموية مكثفة. وهذا ما يفسر ظهور الكثير من الحركات والمجموعات الداعية للتغيير سواء على أرض الواقع أو عبر الفضاء الألكتروني.
من وجهة نظري، فإن هذه الديناميكية الفكرية الوليد تعد محفزاً قوياً لإحداث ثورة فكرية من شأنها بزوغ نخبة مصرية جديدة مختلفة عن النخبة الحالية من حيث قدرتها على طرح وتنفيذ مشروع لنهضة المصريين (لم أقل نهضة مصر ولكن نهضة "المصريين" لأنها ستكون نهضة قائمة على قدرة الأفراد على التفكير سوياً بفعالية والعمل كفريق). هي نخبة نأت بنفسها عن ترهات التنظير الأيدولوجي لأنها مدركة أن الاستقلال السياسي المؤدي لتكوين التوجه الفكري لا يمكن أن يتأتى قبل الاستقلال الاقتصادي، فمن يملك المال يملك القرار والتبعية السياسية لا يمكن فصلها عن القوة الاقتصادية وبالتالي فالنخبة الجديدة تضع نصب أعينها القضاء على التبعية الاقتصادية وتحقيق الاستقلال المالي. ينطبق ذلك على الأفراد وعلى المؤسسات على حد سواء، فالمؤسسات التي لن تتمكن من ضمان استقلالها الاقتصادي لن تستطيع الصمود في إطار الخريطة المجتمعية التي يتم رسمها حالياً ولن تتمكن من ضمان استقلاليتها الفكرية.
النخبة القادمة لن تلهث وراء مناصب والقاب جوفاء بل ستعتمد سياساتها على نهج المشاريع والقدرة على العمل الجماعي الذي هو تميمة النجاح في القرن الواحد والعشرين التي ارتضاها العالم ويسير على نهجها.
النخبة القادمة تدرك أن الجرف الذي ينحدر عليه الشلال لا يمكن أن يتكون بضربة واحدة أو بتفجير مدوي بل يحتاج إلى كثير من المثابرة والهمة العالية وعدم التخاذل عن أخذ المبادرة التي هي أول الطريق للنجاح الشخصي والمجتمعي.
وعلى الصعيد السياسي، فإنني أعتقد أن الحزب السياسي الذي سيتمكن من الصمود والاستمرار وسط التغيرات الحالية هو الحزب الذي سيعمل على إعداد واحتضان هذه النخبة الواعدة القادرة على بناء قاعدة شعبية عبر نجاحات اقتصادية حقيقية بشراكات مع المجتمع المدني مما سيؤدي إلي تحقيق استقلال حقيقي للفرد وللمؤسسة الحزبية التي ستتمكن عند ذاك من وضع مشروع نهضة واقعي وخلاق في نفس الوقت.

التعليقات