مصر الكبرى

04:30 مساءً EET

د. عادل عامر يكتب … مخطط هدم الدولة

وماً بعد يوم تعيش الساحة المصرية من بعد ثورة 25 يناير على وقع أزمات متنقلة، منها المفتعل ومنها الطبيعي نتيجة غياب الدولة، وغياب المسئولين عن الاهتمام بمسئولياتهم ونتيجة إرث من التسيب والفساد والهدر وعدم المساءلة، وغياب حكم القانون عقوداً طويلة.

لكن ما يحصل اليوم يشير بشكل لا لبس فيه، أن هناك ضرورة ماسه لرفع مستوى الإنذار ليقارب الخط الأحمر المسموح معه ترك البلاد والدولة على غاربها، وترك السفينة تبحر بمفردها بدون قبطان يقودها إلى برّ الأمان في أتون عاصفة إقليمية هوجاء تكاد تقتلع دولاً، وتفتت أخري وتشظي بتداعياتها البعض الآخر. وعلى ما يبدو أن هناك خطة منهجية لتقويض ما تبقى من هيكل دولة منهوبة منخورة بالفساد، عند هذه النقطة المفصلية تذكرت جميع شرائح المجتمع المصري ما عدا من ينتمي للتيار السياسي الإسلامي الدعوات الصادقة التي أطلقناها في منتصف العام الماضي مطالبين أن ‘ يتم الإنتهاء من وضع الدستور أولاً ثم تجرى الإنتخابات البرلمانية وبعدها الإنتخابات الرئاسية ‘ لكي لا نفتح الباب لتصادم بين المؤسسات التشريعية من ناحية والتنفيذية من ناحية ثانية وإذا كان المجتمع الثوري المصري يؤيد ويساند التظاهر من أجل مناصرة قضية عامة، فليس من العدل ولا الثورية أن يستخدم نفس المنطق لمناصرة قضية شخصية ومحدودة التأثير مهما كانت قدرة صاحبها على توجيه وتحفيز مناصريه. العبث الأكبر جاء من جانب القوى السياسية الأخرى التي وقفت لمدة أربعة أيام كاملة تتفرج وكأنها تشاهد صورا من مشاهد تفجيرية تجري على أرض أخرى لن تصل إليها نيرانها قوى سياسية بدى للمراقبين أنها لا ترى أبعاد الفوضى التى تتراكم طبقاتها فوق ارض مصر وفي محيط واحدة من أهم مؤسساتها السيادية، ولا تدرك مخاطر التخطيط للتعدي على هيبة الدولة ممثلة في حصن قواتها المسلحة الحصين هذا الحصن الذي يضم المنطقة المركزية لقوات الجيش المصري التي تتمثل في وزارة الدفاع بكل قطاعاتها والقياة العامة للقوات المسلحة ومركز قيادة الشرطة العسكرية وغرفة العمليات الرئيسية بما فيها من أما ملامح هذه الخطة فتظهر كما الآتي:
أولاً تقويض المؤسسات، وفيها نرى ما يلي:
– انهيار الثقة بكافة مؤسسات الدولة ، وينوط بها مجتمعة إدارة البلاد وتسيير شؤونها، أما انهيار الثقة هذه، فيعود إلى كونها تبدو مؤسسة معطلة مشلولة، لا تستطيع أن تأخذ قراراً حازماً، مناسباً وفي التوقيت المناسب، فإما أن تكون القرارات غير حازمة، مائعة لا لون لها ولا طعم ولا تتصدى للمشكلة وجذورها، وإما أن تستمر المماطلة والتسويف، فيأتي القرار في غير توقيته المناسب، بعد أن تكون الدولة قد تكبدت خسائر كبيرة، أو بعد أن تكون مصداقية الحكومة قد انهارت في هذا الملف وطغت الشياطين على تفاصيله، فأتى مشوهاً، مسخاً لا يحلّ قضية، بل يهرب بها إلى الأمام لتنفجر في وقت لاحق.
ثانياً: زعزعة الأمن والاستقرار
وفي هذا، ندرج بداية عدم الثقة بالقوى الأمنية، التي ظهرت منذ استئثار تيار المستقبل بالسلطة، وكأنها إقطاعية يحكمها شخص فوق المحاسبة وفوق المساءلة، زد على ذلك، ما يثار همساً وفي الإعلام عن ضلوع تلك المؤسسة في عمليات خرق القانون المفترض بها أن تحفظه وتطبقه،
ثالثاً: تعطيل المرافق الحيوية والحياتية
وهي ازمة السولار والمواد البترولية وأنابيب البتوجاز ورغيف العيش في النهابة لا يكفي أن نقول إن هناك أيادي خارجية تريد العبث بأمن مصر وتقويض الدولة ومؤسساتها وهي موجودة بالفعل، لكن تبقى المسؤولية بأيدي المصريين أنفسهم، الذين ارتضوا بالديمقراطية سبيلا   وإذا كانت بعض القوى السياسية في الداخل ترى أن ما شهدته منطقة العباسية بما فيها من مؤسسات تابعة لوزارة الدفاع وما تحتويه من مقار حكومية ومناطق آهلة بالسكان ومتاجر ومستشفيات ومدارس وجامعة كبرى، يعبر عن رغبة الثورة في التغيير عن طريق الهدم من أجل البناء أو أنه مواجهة بين القديم البالي والجديد المستحدث أو أنه صدام مع الثورة المضادة، فالأمر في حقيقته خطير لأن الأحداث برهنـــت على ان هذا الجديد لا يعرف ماذا يريد؟ وانه يتحرك في شكل متخبط لم ينتج عنه سوى إضاعة للوقت وتبديد للموارد وتثبيت لأبعاد الرؤية الغائمة هذا إذا صدقنا معهم ان الثوريين الحقيقيين هم الذين كانوا يسعون هذا المسعى. حقيقة ما جرى في منطقة العباسية لا تخرج عن كونها مشهدا متكررا من مكونات مسلسل العنف الذي لم يتوقف منذ شهر فبراير عام 2011 والذي زادت وتيرته بعد أن جرى إنتخاب أعضاء مجلسي الشعب والشورى، بسبب الخلاف العميق غير المبرر الذي بذرت بذوره الأغلبية البرلمانية على خلفية المطالبة بإنفاذ حقها في تشكيل السلطة التنفيذية وفي حين لم تلتفت ـ هذه الأغلبية – للقاعدة الدستورية التى لا زالت تمنح هذا الحق للقائم بإدارة شؤون البلاد، رفضت الإستماع لكافة الأصوات التي نصحت بترك الأمر إلى حين الإنتهاء من كتابة دستور البلاد الجديد الذي سيحدد شكل نظام الحكم ومن ثم حجم اختصاصات رئيس الجمهورية وبالتالي أبعاد علاقة المؤسسات الثلاثة فيما بينها : المؤسسات التشريعية، المؤسسة التنفيذية، سلطات رئيس الجمهورية ولم يبق هذا الخلاف وحيداً في الساحة فسرعان ما إنضم إليه خلاف الغالبية البرلمانية مع كل القوى الأخرى في المجتمع، عندما أصرت على تفسير إعلان مارس 2011 الخاص بتشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور بما يخالف التفسيرات والآراء كلها، حتى المعتدلة منها وتعطل عمل اللجنة حتى هذه اللحظة بعد أن صدر حكم المحكمة الإدارية العليا بعدم دستورية تشكيلها، بسبب الخلاف الذي لا زال مستمراً بين الغالبية والقوى السياسية والمجتمعية التي تطالب بضرورة إتاحة الفرصة لجميع قوى الشعب للمشاركة في وضع الدستور بينما تصر الأغلبية على الإحتكام إلى معاييرها هي في الإختيار دون الالتفات إلى مبادرات الآخرين في هذا الخصوص بما فيهم المجلس الأعلى للقوات المسلحة والتي إقترح من خلالها مجموعة من المعايير ذات الثقل بالإتفاق مع غالبية القوى السياسية التي لها صوت في الساحة.
الأكثر لفتاً للإنتباه ان هذه الصيحات الزاعقة صاحبها تواجد لرايات سوداء نزلت إلى الساحة منادية بالجهاد ضد أعداء الله وشهدت حضوراً لبعض كوادر تنظيمات جهادية تروج للعنف وسفك الدماء لأجل إعلاء كلمة الله وظهر السلاح الأبيض وسمعت طلقات الرصاص الحي والخرطوش على إمتداد الساحة، وقيل أن مسجد النور القريب من مكان التظاهر والإعتصام تحول إلى ترسانة عسكرية بينما إعتلى مأذنته بعض المدججين بالرشاشات أي هذا الحق من أهم مكاسب الثورة الشبابية التي احتضنها الشعب بكل فئاته وأمنتها قواته المسلحة، خاصة وأنه أصبح واحداً من الادوات الفاعلة في دعم حق الشعب في إمتلاك أجندة تحديد مصيره بلا وصاية من أحد. وبنفس القدر من الإصرار يجب ان نقف ضد كل من يريد أن يفرض أفكاره السياسية الخاصة على الأخرين تحت غطاءات من البراءة والشعارات الدينية غير الصالحة لزماننا هذا، لأنها تُعد من قبيل الفوضى التي تقود فقط إلى تقويض دعائم الدولة المصرية فوق رؤوس مواطنيها ولا يتحقق من ورائها بناء وتعمير.

التعليقات