مصر الكبرى
أحمد حمدي يكتب : ليبرالي والعياذ بالله
وقف (حمدي أحمد) أمام (جميل راتب) و (صبري عبد المنعم) خافض الرأس , مقفهر الوجه , غير مصدق لما سيقول .. وسط نظرات زائغة مذهولة من (صبري عبد المنعم) , و أخري ماكرة متحفزة من (جميل راتب) .. و(أحمد زكي) في الخلفية لا يدري كنها المؤامرة التى تحاك ضده .. ليعلن (حمدي أحمد) عن الفاجعة الكبري قائلا .. ( طلع والعياذ بالله .. ديموقراطي! ) .. لينتفض (صبري عبد المنعم) غاضبا للبطش ب (زكي) .. و تتهلل أسارير (جميل راتب) الذي خدع الساذجان (صبري) و(حمدي) , وأوعز لهما بفكرة ان الديموقراطي هو كافر , ملحد , لا يؤمن بوجود الخالق .. و الديموقراطية بالطبع هى التهمة التى لم ينكرها (زكي) عن نفسه , بل افتخر باعتناقه اياها دون أن يعي أن هنالك مفاهيم أخري للديموقراطية !
لا أدري لماذا أتذكر هذا المشهد من فيلم البداية للعبقري الراحل (صلاح ابو سيف) .. وأنا اتابع ما يدور فى واقعنا السياسي من عبث وإتجار بالدين , والاستغلال السئ لقلة الثقافة والوعي السياسي لجموع الشعب الذي عاني التغييب و التجهيل والتعتيم الفكري طوال اكثر من نصف قرن من الفساد و القمع و الاستبداد .. فما بين (الفلوطة) و (غزوة الصناديق) , نجد أن الليبرالية أصبحت سبة على جبين من ينتهجها أو يؤمن بها أو يدعو اليها .. أو يمر بجوار من يدعو اليها ! .. ففجأة وجدنا أن لفظ ليبرالي أصبح يقترن في جمل مفيدة مع الكفر و الالحاد واللا دين .. و مصطلحات العلمانية و الماسونية والفاسونية ..وجميع عائلة (نية) !
ولأن (نية) الشعب بيضاء ! و غيرته على دينه غير موضع شك .. فنجد أن اقتران الليبرالية بالكفر تضع الليبراليين في مأزق حقيقي ..
ولكن دعونا نتسائل أولا عن كنها الليبرالية , فلو عدنا الي نشأة الكلمة , نجد أنها مشتقة من كلمة (ليبر) وهى كلمة لاتينية تعني الحر , فالليبرالية تعنى التحرر , وتهدف الي تحرير الانسان كفرد و كجماعة من القيود السلطوية وفق أخلاق وقيم المجتمع الذي يتبناها , ومن أهم مبادئها ان حريتك تنتهي عند حدود حرية الاخرين , ومن هنا نكتشف بقليل من التفكير وكثير من التعقل .. أن الليبرالية هى خير حصن للاسلام والاسلاميين !
فمع حق الجماعات في التحرر نستوضح أن حظر جماعة الاخوان المسلمين كجماعة دعوية كان من جرائم النظام السابق في حق الليبرالية , ونستوضح أيضا عدم شرعية وجود جماعات ذات أفكار شاذة أو خارجة عن المألوف لأن ذلك انتهاكا لقيم و أخلاق المجتمع .. و نكتشف أن الليبرالية هى من تشجب الرسومات المسيئة للسلفيين علي موقع احد الساسة الأقباط , والليبرالية هي من تدين استخدام مكبرات الصوت في الافراح والملاهي الليلية الصاخبة , والليبرالية هي من تجرم الألفاظ الخارجة التحرش الجنسي بالفتيات .. والليبرالية هى من تدعو لإرساء قيم العدل و الخير و المساواة ..
فدعونا نخرج من مستنقع الشعارات , إلي بحار المضمون , ومضمون الليبرالية يلتقي في نقاط وفاق رئيسة مع إسلامنا , دون مزايدات و إدعائات و اللعب علي وتر المشاعر المتيمة والمرتعشة , فبالنظر لمبادئ الليبرالية يجول برأسي خاطر باسم وأنا أري خطيب الجمعة ذو اللحية البيضاء وهو يشحذ همم المصلين خاطبا .. أيها المسلمون .. نريدها ليبرالية .. ليبرالية .. ليبرالية !