الحراك السياسي
#المفتي: أننا بحاجة إلى تفعيل قيم التعايش السلمي والحوار والمواطنة المشتركة من أجل مواجهة خطاب الكراهية
أكد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية أننا بحاجة إلى تفعيل قيم التعايش السلمي والحوار والمواطنة المشتركة من أجل مواجهة خطاب الكراهية وتحويلها إلى واقع ملموس، خصوصا بعدما تفاقمت مخاطر قوى شريرة تزكي نيران الكراهية والتعصب والشقاق والطائفية والتطرف والإرهاب وتعتدي على الكرامة الإنسانية.
جاء ذلك في كلمته الرئيسية التي ألقاها في مؤتمر “دور الدين والإعلام والسياسات في مناهضة خطاب الكراهية وتعزيز التعايش السلمي” الذي بدأت فعالياته اليوم في العاصمة النمساوية “فيينا” وينظمه مركز الملك عبدالله بن العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات (كايسيد) بحضور 200 من القيادات والمؤسسات الدينية وصانعي السياسات والإعلاميين وممارسي الحوار.
وأوضح المفتي في كلمته أن المولى عز وجل خلقنا متنوعين مختلفين في لغاتنا وألواننا، وأدياننا وتوجهاتنا، إذ يقول سبحانه وتعالى: {ولا يزالون مختلفين* إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم}، ومن يفقه الحكمة الإلهية من هذ التنوع يدرك التكليف الإلهي باحترام الناس جميعا الذين هم مظهر إرادته ومشيئته، مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه واله وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”، ثم نقرأ هذا التكليف الإلهي الذي يوضح الغاية والهدف من هذا التنوع فيقول سبحانه: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثىٰ وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ۚ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ۚ إن الله عليم خبير}.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن المسلمين سجلوا في تجربتهم التاريخية سطورا ذهبية في التعايش والتعامل الراقي مع المختلفين، ولم يعرفوا هذه النزعة الجاهلية البغيضة من الكراهية أو التمييز القائم على الجنس أو اللون أو حتى الدين، فقد عايشوا أهل الأديان والحضارات والأمم بما لها من ثقافات متنوعة وأديان متعددة وأعراف مختلفة، لافتا إلى أن رسالة الإسلام تتلخص في الرحمة والعدل والمحبة؛ ومنطلق هذه الرسالة هو التكامل والتعاون بين الناس.
وأضاف المفتي أن الإسلام أرسى قواعد وأسسا للتعايش مع الاخر في جميع الأحوال والأزمان والأماكن، بحيث يصبح المسلمون في تناسق واندماج مع العالم الذي يعيشون فيه، وجعل ذلك هو الأصل في التعاون والتعامل، فقال تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}، كما شرع الله تعالى للمسلم أن يوطد علاقة الأخوة والحب مع الناس جميعا، هذه العلاقة التي تصل إلى التزاوج بين المسلم وأهل الكتاب وهو أمر ثابت في القران الكريم: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا اتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الاخرة من الخاسرين}. وخاطب مفتى الجمهورية حضور المؤتمر قائلا: “لقد جعل الله تعالى لنا في رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر، وقد كانت سيرته وسنته صلى الله عليه واله وسلم نموذجا لتفعيل التسامح ونبذ الكراهية والعنصرية”، موضحا أن الرسول صلى الله عليه واله وسلم دعا إلى اجتثاث الكراهية من جذورها، وقدم الدواء الناجع لها، فعن الزبير بن العوام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد، والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، حالقة الدين لا حالقة الشعر، والذي نفس محمد بيده، لا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم»، مشددا على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن نبذه للكراهية والتباغض بين الناس كلاما مجردا، وصيحة في الوادي، بل هو تطبيق واقعي بعد بيان قولي، ولقد كان أول ما دعا إليه نبينا إبان دخوله المدينة المنورة هو تفعيل المحبة عمليا بين الناس، وكانت رسالته الأولى وقت دخوله المدينة المنورة بعد رحلة الهجرة: «يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام». وشدد المفتي في كلمته على أن العالم بات بحاجة إلى إجراءات عملية تفعل هذه القيم الراقية حتى نئد الكراهية ونحيي المحبة والسلام، كما يحتاج إعلامنا المعاصر لأن يتعاون على الحب والإخاء وألا يتعاون على نشر الكراهية وإذكاء نار الفرقة، وكذلك ما أحوج تعليمنا المعاصر إلى أن يدرب الطلاب صغارا وكبارا على أن يتكاملوا في اتفاقهم واختلافهم، فضلا عن دعاة حقوق الإنسان في العالم إلى أن يكون منطلق دعوتهم العناية بالإنسان ومساندته بصرف النظر عن اعتبارات الجنس واللون والدين، والنظر بعين الاعتبار إلى المشترك الإنساني من ناحية، وإلى احترام الخصوصيات والتنوعات من ناحية أخرى، فضلا عن حاجة المؤسسات أيضا إلى أن تفشي السلام والمحبة والحوار قولا وفعلا بينها. وفي إطار متصل نبه مفتي الجمهورية إلى أن الحوار البناء لا ينقلب أبدا إلى حديث أحادي لإلحاق الهزيمة بالمخالف، لكنه محاولة لفهمه وبناء جسور التفاهم والتعاون معه تنفيذا لمراد الله عز وجل، فقد خلقنا سبحانه وتعالى شعوبا وقبائل ليتعرف بعضنا إلى بعض.
وأكد المفتي على أن “دار الإفتاء المصرية” في الفترات السابقة سعت بخطا حثيثة لجمع الشمل وتوطيد الأخوة ونبذ الكراهية في مجال الإفتاء، فأنشأت الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم للتحاور والتعاون على البر والتقوى وجمع شمل المفتين على المحبة والسلام ونبذ الكراهية محليا وعالميا. وأضاف كذلك أن دار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم حرصت كل منهما على ترجمة هذه القيم في فاعلياتها وفتاويها وبياناتها ومبادراتها ومؤتمراتها العالمية المختلفة، وأنشأت الدار مراصدها وأطلقت مبادراتها لخدمة هذا المقصد النبيل، فكان على سبيل المثال أن أنشأت مرصدا لفتاوى الكراهية التي يحاول المتطرفون بثها في العالم وينسبونها زورا وبهتانا للإسلام، باسم مرصد الفتاوى التكفيرية والشاذة، وذلك بالموازاة مع مرصد اخر يرصد ممارسات الكراهية في ثوبها الاخر وهو مرصد الإسلاموفوبيا، يعنى بما يسمى الكراهية ضد الإسلام والمسلمين في العالم، كما أطلقت المؤشر العالمي للفتوى لقياس ثمار الوسطية والكراهية في مجال الإفتاء، مؤكدا أن كلا من المرصدين والمؤشر اتى أكله طيبا خلال فترة العمل السابقة، ولا زلنا في انتظار المزيد.
وفي ختام كلمته وجه المفتي رسائل إلى الحضور من القيادات الدينية ورجال الإعلام والسياسة قائلا: “لا شك أننا في هذه المبادرات وبالإضافة إلى النيات الطيبة من هنا وهناك، نحتاج إلى مناهج تعليم مساندة ومنابر إعلام معينة، وأن تتبنى هذه المبادرات كل أسرة، بل يتبناها المجتمع بكل مؤسساته الحكومية والمدنية لكي تثمر الثمرة المرجوة .. نحن مسئولون أيضا عن أجيال قادمة لم ير بعضها إلا خطاب الكراهية وممارسات البغضاء، وبعضهم قد رأى مشاهد الذبح بعينه أو من خلال أجهزة الإعلام، هؤلاء يحتاجون منا إلى برامج تربوية أو برامج إعادة تأهيل نحفظ بها مستقبلهم ومستقبل البشرية معهم”، راجيا أن يكلل جهود المؤتمر بالنجاح وأن يسهم في بناء الثقة بين الناس في كل مكان، ويكون تفعيلا لتواصل جاد راق قائم على أساس التعددية والتنوع، وحوار يجمع العمل إلى القول والفعل إلى التنظير.
يشار إلى أن مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات يعقد لقاء دوليا، يجمع أكثر من 200 شخصية من القيادات والمؤسسات الدينية وصانعي السياسات والجهات الفاعلة الحكومية وممثلي المنظمات الدولية والمجتمع المدني والإعلاميين والتربويين وممارسي الحوار، وذلك في مدينة فيينا، لمناقشة “دور الدين والإعلام والسياسات في مناهضة خطاب الكراهية وتعزيز التعايش السلمي”، بمشاركة خبراء من مؤسسات القيم الدينية والإنسانية ونشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي وخبراء في السياسات من المنظمات الدولية والأهلية؛ وذلك في فيينا خلال الفترة من 30 – 31 أكتوبر 2019م.
ويهدف اللقاء الدولي إلى تبادل الاراء والتجارب بين المؤسسات والقيادات الدينية والإعلامية وصناع السياسات والمنظمات الدولية، لتفعيل التعاون والعمل المشترك في سبيل مناهضة خطاب الكراهية، الذي أصبح يشكل تهديدا حقيقيا وملموسا للنسيج والتماسك الاجتماعي في مناطق متعددة من العالم، مما أدى إلى تداعي العديد من المنظمات الدولية والحكومات عبر العالم إلى تطوير مبادرات وخطط عمل نوعية وسن مشاريع قوانين، بهدف مناهضة خطاب الكراهية والتحريض على العنف وتعزيز التعايش السلمي، لتتوافق مع خطة العمل الخاصة بالقيادات والجهات الدينية الفاعلة لمنع التحريض على العنف والجرائم الوحشية، التي أقرت عام 2017 من قبل مكتب الأمم المتحدة الخاص بمنع الإبادة الجماعية، وذلك بالتعاون مع العديد من الشركاء الفاعلين عبر العالم، ومنهم مركز الحوار العالمي.