حوادث
التفاصيل الكاملة لمذبحة #أبو_النمرس
محضر بقسم شرطة أبو النمرس جنوب محافظة الجيزة باكتشاف تاجر ماشية سرقة مبلغ مالي خلال عيد الأضحى المبارك كان بداية انتقام انتهى بمذبحة أسرية جديدة.
منذ نحو 11 سنة، قرر “أسعد” توديع حياة العزوبية، وقع اختياره على ابنة بلدته “ش. ع.” التي تصغره بنحو عامين، رشحها له أحد أقاربه أثنى على دماثة خلقها ونقاء قلبها وأنها جديرة بأن تحمل اسمه وترعى شؤون المنزل وتربية الأطفال لاحقا.
لم يتردد تاجر الماشية العشريني في التقدم لخطبة “ش.” مستندا إلى وصلة الشكر والإشادة بسلوكياتها، وحظي بموافقة أسرتها نظرا لما يتمتع به وعائلته من سمعة طيبة في القرية.
في حفل زفاف بسيط وسط حضور الأهل والأحباب، عُقد قران الزوجين، وانتقلا إلى عش الزوجية الذي أسسه “أسعد” وتحديدا في منطقة “الريغة” بقرية زاوية أبو مسلم التابعة لمركز أبو النمرس، تعاهدا على السير معا، وتخطي الصعاب مهما بلغت، وأن يكون الحب والتفاهم ذلك العش.
رُزق الزوجان بطفلين هما: “دنيا” و”عامر”، راحت توزع ربة المنزل مجهودها ما بين تربية الصغيرين ومباشرة شؤون البيت إضافة إلى مساعدة شريك حياتها في أعمال الفلاحة، إذ يمتلك قطعة أرض زراعية قريبة من مسكنه لينعما بحياة سعيدة وهادئة.
وسط أجواء الفرحة التي تسود شوارع المحروسة خلال الاحتفال بعيد الأضحى المبارك -أغسطس الماضي- كان منزل تاجر الماشية على موعد مع خبر غير سار باكتشافه سرقة مبلغ 20 ألف جنيه، بادر بسؤال زوجته عن آخر المترددين على البيت لحصر المشتبه بهم، وتوجه بعدها لتحرير محضر اتهم فيه أشخاص عدة أبرزهم نجل شقيقه “صابر” وفقا لزوجته.
تحريات المباحث خلصت آنذاك إلى براءة “صابر” دون التوصل إلى اللص الحقيقي، إلا أن سمعة الفتى ازدادت سوءا مع تناقل الخبر بين قاطني القرية فضلا عن معرفة الكثيرين تعاطيه للمواد المخدرة.
تعاقبت الليالي والأيام وتناسى “أسعد” وزوجته “ش.” تلك الحادثة تاركين الأمر بين يدي رجال المباحث، إلا أن غضبا تملك من “صابر” مع فشله في التخلص من نظرة الشك التي تلاحقه، بات أسير ذلك الكابوس فتشبع قلبه برغبة جامحة في الانتقام.
“كْم نظرةٍ فعلتْ في قلب صاحبها.. فِعْلَ السهامِ بلا قوسٍ ولا وتـرِ”، لخص قول “المتنبي” حالة “صابر” فـ”مُعظَمُ النارِ مِنْ مُستَصْغرِ الشَرِرِ”، أضحى ابن الـ17 سنة ينتظر لحظة تنفيذ خطته الشيطانية للانتقام غير عابئ بما قد تؤول إليه الأمور.
مساء أول أمس الاثنين، بدت شوارع منطقة “الريغة” خالية من المارة كحال قاطني القرى، يخلدون إلى النوم للاستيقاظ مبكرا ومباشرة أعمالهم في عادة ورثوها عن الأجداد، على بعد أمتار من منزلها تبادلت “ش.” الحديث مع جارتها وعادت سريعا لتغلق الباب دون أن تدري أنها لن تغادره ثانية إلا محمولة على الأكتاف.
بعد منتصف الليل، تنامى إلى الأهالي صوت صرخة خاطفة تلاها ارتطام جسم صلب بالأرض، هرع الجميع لمعرفة مصدره، وقفت أقدامهم أمام منزل جارهم “أسعد” عثروا على طفله “عامر” التلميذ بالصف الأول الابتدائي ملقى على الأرض فاقدا للوعي.
أسرع الجيران إلى الداخل للاستغاثة بأسرة الطفل، لكنهم كانوا على موعد مع فاجعة توقفت معها مؤشرات الساعة، عثروا على الأم العشرينية داخل غرفة النوم غارقة في بركة دماء وإلى جوارها طفلتها “دنيا” الطالبة بالصف الرابع الابتدائي وبها جرح ذبحي بالرقبة.
لحظات صمت ممزوجة بحسرة سيطرت على الحضور، عيون مشدوهة، ألسن فقدت النطق، أرجل تسمرت في موضعها قطع كل ذلك صرخات إحدى السيدات التي انهارت من هول المشهد، فانقسم الأهالي نصفين، الأول همَّ بنقل الطفل الناجي، والبقية بإبلاغ النجدة والاتصال بالزوج.
بالانتقال إلى ديوان مركز أبو النمرس، لم يكن المقدم إكرامي البطران رئيس وحدة المباحث قد غادر مكتبه بعد، ثمة قضية قيد الفحص، يقطع انهماكه اتصالا عبر جهاز اللاسلكي بوقوع جريمة قتل بمنطقة “الريغة”.
أيقن رئيس المباحث أن يومه الطويل المكتظ بالبلاغات لم ينته بعد، وأنه على موعد مع أمسية صعبة سيقضيها بحثا عن فك لغز “مذبحة أسرية” لم تبح جدران المنزل بأسرارها بعد.
انتقلت قوة إلى محل البلاغ بقيادة العميد طارق الأحول مأمور القسم، وفرضت القوات كردونا أمنيا بمسرح الجريمة ومنعت حركة الدخول والخروج لحين وصول فريق الأدلة الجنائية والنيابة العامة، إذ كشفت معاينة النقيب أحمد ماهر معاون مباحث أبو النمرس، عن تلقي الأم 7 طعنات بالظهر وثامنة بالكتف الأيمن، وابنتها بجرح ذبحي بالرقبة وآخر قطعي بالأذن.
لم يذق رجال المباحث طعم النوم، قضوا ليلتهم في جمع المعلومات حول ملابسات الواقعة والمشتبه بهم بقيادة العميد علاء فتحي رئيس قطاع الجنوب، والعقيد أحمد نجم مفتش المباحث، والرائد عماد رشدي، وكيل الفرقة.
شكوك رجال المباحث توجهت في البداية إلى الزوج، لاسيما مع إدلاء شهود عيان بأقوال تفيد بمغادرته المنزل قبل اكتشاف الجريمة بوقت قصير، وجرى التحفظ عليه بديوان القسم واستجوابه، لكن التحريات أكدت عدم تورطه في الحادث.
صباح اليوم التالي، عمد المقدم إكرامي البطران إلى تطوير مناقشة الشهود، تلك الخطوة التي حملت معها مفتاح حل اللغز، إذ أخبره شاهد “شوفنا عيل جسمه صغير بينط من السطح”.
وجه العميد عاصم أبو الخير مدير المباحث الجنائية بالجيزة، بتكثيف التحريات من خلال المصادر السرية حول وجود خلافات بين الزوجين وشخص يحمل هذه الأوصاف فجاءت الطامة الكبرى لدى توصل ضباط وحدة المباحث إلى هوية الجاني، وتبين أنه نجل شقيق زوج المجني عليها ويدعى “صابر م. ج.” (17 سنة- عامل بمزرعة).
عقب تقنين الإجراءات واستصدار إذن من النيابة العامة، تمكن المقدم إكرامي البطران ومعاوناه النقيب أحمد ماهر ومصطفى عثمان من ضبط المتهم الذي أقر بجريمته دون إنكار قائلا “الست دي بتضايقني ومش بحب حد يضايقني”.
أمام اللواء محمود السبيلي مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة، أدلى المتهم باعترافات تفصيلية، وأشار إلى سابقة اتهم المجني عليها له بسرقة 20 ألف جنيه من المنزل، وأنه عقد العزم على التخلص منها بدافع الانتقام، تسلل خلسة إلى المنزل لدى حديث الضحية مع جارتها، أحضر سكينتين من المطبخ، واختبأ بغرفة النوم، وباغت زوجة عمه بطعنات من الخلف ثم أجهز على طفلتها.
ثمة جديد طرأ على الخطة الموضوعة من “القاتل الصغير” لدى محاولته الهرب عبر السطح، فوجئ بنجل الضحية “عامر” الذي أطلق صرخات أفقدته اتزانه، فحمله وألقى به من أعلى، ثم قفز ولاذ بالفرار، وتخلص من أداة الجريمة في الترعة المواجهة للمنزل.
أسدل رجال المباحث الستار على قضية هزت الرأي العام خلال الساعات الماضية، واقتادت قوة من القسم المتهم لإجراء المعاينة التصويرية وسط صدمة الأهالي ومن بعدها عرضه على النيابة العامة التي باشرت التحقيق.