آراء حرة
أحمد أبوزيد يكتب: أفول عهد #بوتفليقة ومستقبل الحكم في #الجزائر
يقف نظام الحكم في الجزائر اليوم أمام اختبار تاريخي تنحصر سيناريوهاته بين استمرار مشكوك في إمكانية تحققه للنظام الراهن الذي يقع فيه الرئيس الجزائري الحالي عبدالعزيز بوتفليقة على قمة هرم السلطة منذ تسعينيات القرن الماضي، وبين محاولات إخوانية لاستغلال تعطش الشعب الجزائري للتغيير من أجل الدفع بمرشح رئاسي، وبين آفاق التغيير الديمقراطي الذي تجسده القوى المدنية المطالبة بالإصلاح السياسي وتوفير البديل الحقيقي للنظام الراهن ويمثله رجل الدولة رفيع الطراز ورئيس الوزراء الأسبق الدكتور علي بن فليس وغيره من المرشحين من القوى المدنية والديمقراطية المعارضة، بعيدا عن ثنائية الاخوان واعادة انتاج النظام الراهن.
لقد قرر “إخوان الجزائر” المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائر والمقررة في ابريل 2019، بعدما أعلن ما تسمى “حركة مجتمع السلم” قرار مجلس شورى الحركة الإخوانية بترشيح رئيس الحركة الدكتور عبدالرازق مقري للمرة الأولى بعد 24 عام من آخر مشاركة لهم في انتخابات رئاسية، فقد استغل الاخوان الغموض حول مصير ترشح بوتفليقة واعلان أقدم الاحزاب الجزائرية مقاطعته للانتخابات، للدفع بمرشحهم، وهو ما أعاد إلى الأذهان الخوف من تكرار سيناريو العشرية السوداء وهو مصطلح جزائري يشير إلى عقد من الزمان تاهت فيه بوصلة بلد المليون شهيد في حمام من الدماء نتيجة الحرب بين الاسلاميين والدولة التي حاولوا اختطافها، تماما كما حاولوا في مصر بعدما دفعت جماعة الاخوان بمرشحها الرئاسي الذي كاد يدخل البلاد في نفق مظلم لولا انتفاضة الجماهير ومساندة القوات المسلحة المصرية الباسلة.
ووسط دعوات أخرى لمقاطعة الانتخابات، ولعلها دعوات قد نتفهمها في اطار التشاؤم من امكانية التغيير الحقيقي، وهي دعوات تتشابه تماما مع من يدعون الرئيس الجزائري للاستمرار في الحكم رغم أنه حتى الأن لم يبدي رغبته بالترشح للانتخابات المقبلة. ظهرت تحركات القوى المدنية بتوفير بديل سياسي مناسب يليق بمستقبل الجزائر وتطلعات شعبها الأبي العظيم في مستقبل أفضل، يطمئن فيه الشعب لمستقبل الحكم والانتقال الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة في البلاد التي جربت ويلات الصراع في الماضي، وتعرف مرارة الاقتتال الداخلي وصعوبة السيطرة على الأمور اذا خرجت عن المسار السلمي، وسيما ان الجزائر التي حفظها الله من موجة التدمير الممنهج الذي تعرضت له بعض البلدان العربية، هي في نهاية المطاف جارة لليبيا بحدود تتجاوز ألف كم، وتكافح بعض المجموعات الارهابية في الجبال، تلك المجموعات الكامنة التي تنتظر مشهدا لا يكون التوافق الوطني هو العنوان، لكي تقوم بما فعلت في العديد من بلدان المنطقة، أو أن تتحالف مع الاخوان الارهابيين اذ هم وصلوا للسلطة تحت أي مسمى. لقد وصل سباق من أعلنوا نية الترشح للانتخابات الرئاسية الجزائرية حتى الأن إلى 153 مرشحا، من بينهم 14 رئيس حزب و139 مستقلا، سحبوا استمارات الترشح لانتخابات الرئاسة، المقررة في 18 أبريل المقبل، ويبرز في قائمة الراغبين في الترشح أسماء رؤساء أحزاب شاركوا في انتخابات رئاسية سابقة بينهم رئيس حزب “طلائع الحريات”، ورئيس الحكومة الأسبق الدكتور علي بن فليس.
وفي تقديري ان من ابرز المرشحين الذين يحظون بحظوظ موفورة لقيادة مرحلة الانتقال من عهد بوتفليقة في الجزائر، هو رئيس الوزراء الجزائري الأسبق علي بن فليس المرشح الرئاسي الحالي كقائد للمعارضة المدنية ومسؤول حكومي رفيع المستوى سابقا، حيث أعلن نية ترشحه في الانتخابات الرئاسة، المقرر إجراؤها في أبريل المقبل، ولعلها تكون مناسبة ليبدأ بن فليس ربيعا جزائريا عن حق.
ويعد ابن فليس أحد أبرز رجال الدولة في الجزائر، فرئيس الوزراء الاسبق علي بن فليس ( 74 عاما) كان مدير حملة الرئيس عبد العزيز بوتفليقه عام 1999، ثم رئيسا للوزراء عام 2000. واستقال من منصبه في 2003، ونافس بوتفليقه في 2004، لكن لم يحالفه الحظ للفوز بالرئاسة في ظل استمرار بوتفليقة في السلطة بدعم من ما يمكن أن نسميه “الدولة العميقة” في الجزائر، وكذلك نافسه بن فليس مرة أخرى في 2014، وقد أسس علي بن فليس حزب طلائع الحريات المعارض في 2015، ولعل ذلك ما يمثل نقطة تحول في المسار السياسي لبن فليس الذي أراد من خلال حزبه أن يطرح بديل قوي للحزب الحاكم بنظام سياسي جديد يحافظ على الثوابت ويواكب المتغيرات التي تتطلب تجديد مسار التنمية ومزيد من التفاعل بين الجزائر والمحيط العربي لتتبوأ المكانة التي تستحقها في ظل التحديات الماثلة أمام الأمن والمصالح العربية المشتركة، وهي تحديات لا يمكن مواجهتها في غياب الدور الجزائري واستعاده ماضيه الرائد.
ويقود بن فليس حزب طلائع الحريات الذي يعارض بقاء بوتفليقة في الحكم ويرى أن هذه “الاستمرارية، التي تروج لها بعض القوى السياسية هي مرادفة للجمود والحفاظ على الأمر القائم، في الوقت الذي يفرض فيه التغيير نفسه كحل حتمي وفريد لإنقاذ بلدنا.. وأن هذه الاستمرارية من شأنها تعميق الانسداد السياسي الحالي، وترسيخ سيطرة القوى غير الدستورية على القرار الوطني، و جعل الصراعات داخل النظام السياسي القائم تتفاقم، و تزعزع استقرار البلد، و تُؤزِّم الوضع الاقتصادي أكثر فأكثر، و تثير النزاعات الاجتماعية، و تضعف موقع بلدنا في محيطه الجيوسياسي أكثر فأكثر”. يراهن بن فليس على برنامجه وبديله الجاهز لتولي المسؤولية ولعله بات رهان شريحة واسعة من القوى المدنية، وتراهن الدولة العميقة على بقاء بوتفليقة الرئيس الذي قد يمنعه وضعه الصحي من ممارسة مهامه على الوجه الأكمل، ولعلنا نرى في قادم الأيام ما يمكن أن تصل إليه خطى الجزائريين نحو مستقبل طال انتظاره، أو تجاه اعادة إنتاج لجمود الماضي!