آراء حرة

07:44 مساءً EET

وحيد حامد يكتب: الطبّـال..!!

فى طفولتى والتى صارت بعيدة، شدّ انتباهى «طبال» قريتنا وكثيراً ما كنت أتأمله، الرجل كان طويلاً عريضاً وليس لديه عمل أو مصدر رزق سوى «الطبلة» الكبيرة والمستديرة التى يعلقها فى رقبته لتستقر فوق أسفل الصدر.. فى الجنائز ومواكب توديع الموتى كان يلف استدارتها بقماش أسود ويدق عليها دقات رتيبة جنائزية وهو يتقدم الموكب الحزين.. وفى الأفراح والليالى الملاح يلفّها بقماش أحمر ويدق عليها دقات راقصة وهو يتقدم الموكب، وفى شهر رمضان يتجول بها فى شوارع القرية وأزقتها حتى يوقظ أهلها للسحور، وفى مواسم الحصاد يطوف بها فى الحقول وأجران القمح طالباً «الباروكة».. الحرفة واحدة والأداة واحدة فقط يتغير لون قطعة القماش التى تكسو محيط الطبلة ويتغير إيقاع الدق عليها حسب المناسبة، كان يودع الموتى بلا حزن، وكان يقود «زفة» كل عريس بلا فرح وكان يجمع «الهبات» بحسد ونهم.

الآن أتأمل الحال الذى نحن عليه، فأجد أن «طبال» قريتنا قد صار «طبال» دولتنا، وهو على النهج القديم يسير وينطلق بعد أن صار له أهل وعشيرة. الذين هتفوا وغنوا لمبارك هم الذين سخطوا عليه ولعنوه بعد أن غاب عنهم، إنهم رقصوا أمامه ومدحوه شعراً ونثراً، وهم الذين رفعوا الرايات ودقوا طبول النصر للمجلس العسكري، وعندما انتهت ولايته، ومع قدوم جماعة الإخوان صاروا جميعاً من الإخوان وتغيرت أشكالهم ولغتهم ورحبوا بالفاشية الدينية وزعموا أنها طوق النجاة الذى ترجوه البلاد، كانوا الدعاة والرعاة والداعمين لهذا الحكم الجاهل المتخلف، ومع قيام الثورة كانوا أول من رقصوا فى أفراح رحيلهم، وغاب عنهم أن أفعالهم بات من الصعب إنكارها، لأنها مسجلة ومحفوظة، وكان الأجدر بهم الاختفاء أو الانزواء، ولكن أبداً.. تم تغيير لون قطعة القماش التى تغطى محيط الطبلة وتم تغيير نغمة الإيقاع، وهم بكثرة فى الإعلام بكل أنواعه، ومنهم رجال أعمال وسياسيون وموظفون كبار فى كافة روافد الدولة، وهذا أمر ليس بعجيب مستغرب بالنسبة لهم.. ولكن العجيب والمستغرب والمحير أن أى دولة تتآلف وتتعايش مع الطبالين.. لقد تمت إعادة تدوير القمامة..!!

التعليقات