تحقيقات
مئوية الشيخ زايد.. صاحب مسيرة الخير والعطاء والتسامح والإخاء
في اليوم السادس من مايو 1918 ، كانت قبائل الإمارات السبع ( أبو ظبي، دبي، الشارقة، عجمان، أم القيوين، ورأس الخيمة، والفجير) على موعد مع مولد مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة ودوره في بناء الوطن والإنسان، وهما الركيزتين للاستراتيجية وللفلسفة التي أعلنها الشيخ زايد كأساس لمشروعه السياسي، بدأ بأصغر جماعة، وهي القبيلة، حيث كانت إمارة أبوظبي عبارة عن قبائل، ومنها وسّع رؤيته السياسية لتشمل أول اتحاد عربي ناجح هو دولة الإمارات العربية المتحدة، بعد أن كانت إمارات متفرقة، وبهذا الإعلان انتشر فكره السياسي في أرجاء العالم وعرف به.. ويضيف الباحث الإماراتي، محمد خلفان الصوافي: في فلسفة الشيخ زايد لا يقتصر بناء الدولة على الجانب السياسي فقط، بل إن ضمان استمرارية ذلك البناء يتطلب بناء الإنسان في الوقت ذاته، لذا كان يردد دائماً أن الثروة الحقيقية هي الإنسان، وكان يُعنى بزرع القيم الدينية والأخلاقية وعلى رأسها حب الوطن، لأن الإنسان إذا أحب وطنه فلابد أن يكون عطاؤه خلاقاً، وهو ما حاصل على أرض الواقع.
صفات قيادية
وتقول الباحثة الإماراتية، فاطمة ماجد السري: كثيرة هي العوامل التي أدت إلى بروز نجم الشيخ زايد في ظل الصعوبات الموجودة في تلك الفترة آن ذاك، سواء في العين أو أبوظبي أو عموماً في المنطقة، ولكن لأن الشيخ زايد قد تربى على الحكمة والصبر والجلد والعادات العربية والإسلامية التي زادته حكمة وأعطته مزيداً من الولاء لأهله وقبيلته وخدمت منطقته والتفكير بشكل كبير بحنكة ورجولة فأعطته صفات قيادية ظلت تبرز فيه مع الأيام، وبتواضع مع أهالي المنطقة وإنسانية، كسب حب البعيد والقريب إلى أن بدأت الوفود من خارج الإمارات تتكلم عنه وتود مقابلته لاكتساب خبرة في حب الناس والمصالحة بينهم.
تاريخ نشأة الشيخ زايد
وترسم الباحثة الإماراتية، صورة لحياة مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة.. وتقول: هو الشيخ زايد بن سلطان بن زايد بن خليفة بن شخبوط بن ذياب بن عيسى بن نهيان آل نهيان الفلاحي المولود في السادس من مايو/ آيارعام 1918، في قصر الحصن في أبوظبي، والده الشيخ سلطان بن زايد بن خليفة، حكم أبوظبي في العشرينيات من القرن الماضي، والدته الشيخة سلامة بنت خادم القبيسي، عاش فترة في أبوظبي ثم أخذته والدته إلى العين هو وإخوانه عندما توفي والده الشيخ سلطان..وتكفل أخواله القبيسات بتربيته إلى أن اشتد عوده فدرس القرآن والسنّة عند مطاوعي العين، وبين فترة وأخرى كانت والدته تخبره عن جده زايد الأول، وفي هذه الأثناء كان يذهب إلى جبل حفيت ليراقب الغزلان ويراقب الصقور والحبارى ويحب رؤية النخيل وكان يجلس كثيراً تحت شجرة الغاف التي تجاور قصر المويجعي ويتأمل كثيراً في الطبيعة إلى أن أصبح رجلاً مشهوداً له بالسخاء والعطاء والخير في العين.
بناء دولة وفق مفاهيم وقيم عالمية
وتحمل مسألة ربط نشأة دولة الإمارات بمئوية الشيخ زايد، دلالات شديدة الأهمية فيما يتصل بدور وحضور شخصية القائد في بناء الأوطان. فكل من عرف هذه البقعة من العالم لم يكن يعتقد أن هناك إمكانية لتحقق «حلم زايد»، بل اعتقد كثيرون أن ما كان يذكره الشيخ زايد في لقاءاته مع المستشرقين، وحتى مع بعض أفراد شعبه، لا يتعدى كونه أحلاماً طوباوية.. لأن هذه المنطقة كانت خارج اهتمام السياسة الدولية، ولم يكن هناك ما يشير إلى أساسيات قيام دولة. لكن زايد وضع جانباً كل ما كان يقال ويكتب حول استحالة مشروع قيام دولة اتحادية في هذه الأرض، ونزل إلى الميدان باعتباره إنساناً إماراتياً، وليس كقائد فحسب، ليعمل مع مَن آمن من شعبه بحلم الدولة الاتحادية ومن الذين قدموا من أنحاء العالم للعمل في الدولة الوليدة. بدأ يبني دولة ويصنعها وفق مفاهيم وقيم عالمية، وهو اليوم يشار إليه كواحد من أعظم رواد البناء الوطني في العالم، وكصاحب فكر في العمل الجماعي، حيث وضع قواعد بناء دولة الاتحاد، على أسس قوية بعدما أدخلها ضمن الفعاليات الإقليمية والدولية.
حكيم العرب
ويضيف الباحث والأكاديمي الإماراتي، د. البدر الشاطري: الفضل في ذلك يعود إلى طبيعة النظام السياسي المبني على شرعية تاريخية، وأسلوب في الحكم ينشد الإجماع والتوافق في اتخاذ القرارات، ففي الأعراف القبلية والتقاليد المتوارثة، فإن المحصلة النهائية، جعل الجميع في وضع مريح، بالوصول إلى حلول وسطى بالتراضي.. ويختلف هذا الأسلوب في الحكم، عما يسمى في الأدب السياسي الحديث، بالبرغماتية السياسية، فقد كان أسلوب الشيخ زايد في الحكم أقرب إلى المفهوم الأرسطوطاليسي «الفرونيسيس»، وعادة ما يترجم هذا المفهوم بالإنجليزية إلى «الحكمة العملية». أي تبصر الوسائل لتحقيق الغايات النبيلة.. ويطلق عليها الفيلسوف المسلم الفارابي «التعقل». أي أخذ الأمور بكثير من الحصافة والتأمل، وتحقيق الأهداف بأفضل الوسائل.. وهنا الاختلاف الجوهري بين هذا المفهوم والبرغماتية السياسية. فمفهوم الفرونيسيس «يركز على السياق الأخلاقي للوسائل والغايات».. ويتميز المفهوم بالتوازن بين المعرفة والعاطفة بتوحيد العقل والمشاعر الوجدانية.. والاحتفاء بمئوية زايد أمر مهم لعدة أسباب، أهمها: الاعتراف بالفضل لمؤسس هذه الدولة، والتي تعتبر أنموذجاً فريداً بين أترابها من دول المنطقة.
أسس فكراً حول الدول الحديثة
وبالعودة بالذاكرة إلى عام 1966، وفي مجتمع دولة الإمارات، يمكن القول بأن رؤية «الشيخ زايد» لدولة وطنية كانت الشمعة المضيئة في المنطقة، فمثل هذه المفاهيم لم تكن متداولة حينها، لكن الشيخ زايد أسس فكراً حول الدول الحديثة سرعان ما بدأ علماء علم الاجتماع والسياسة يتحدثون عنه في أنحاء العالم. وكان يشرح أفكاره في المناسبات الإعلامية، وكان يثير اندهاشهم بما يقوله وما يحققه، وخلال فترة وجيزة استطاع مواجهة كل التحديات السياسية، مثل الاعتراف السياسي بالدولة الجديدة، وإيجاد حل لمشاكل الحدود مع دول الجوار، كما تغلب على المشكلات الاجتماعية، مثل التعليم والصحة والتشغيل والإسكان، علاوة على الأمن، وأصبحت دولة الإمارات في صدارة العمل العربي والإقليمي، وهي اليوم أيقونة الدول الناجحة في العالم.