كتاب 11
من قمة القدس إلى قمة الاقتصاد
انعقدت القمة. ولعل هذا هو الخبر الأهم لأن مشاهد الانقسام الحادة بين الدول العربية كانت تهدد انعقاد القمة نفسها، حسب آراء أكثر المتفائلين. والإنجاز الأبرز لهذه القمة هو إعادة القدس إلى صدر المشهد السياسي العربي، بعد محاولات خطف هذا الملف من قبل إيران وتركيا.
هناك حالة من «الإنكار» لدى بعض الحكومات العربية التي لا ترغب في تسمية إيران وتركيا بأنهما يهددان الأمن الوطني العربي من خلال احتلالهما الصريح لأراضٍ عربية، وتدخلات صريحة في سياسات بعض الدول العربية من جهة أخرى.
إيران تحتل 4 عواصم عربية، حسب تصريحها الرسمي والمعلن بذلك، بالإضافة إلى الجزر الإماراتية الثلاث. كل هذه المشاهد تجعل من إيران وتركيا خطراً حقيقياً وواقعياً عملياً وليس فزاعة أو تنظيراً. اتفاق العرب «الرمزي» على الموقف السعودي الرائد في إعادة قضية العرب الأولى المركزية إلى واجهة الساحة والتركيز على إبراز الموقف المعارض على قرار ترمب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس واعترافه بها كعاصمة لإسرائيل، فيه إحياء لموقف موحد في قضية كبيرة، وفيه أيضاً دعم واضح وصريح وعملي للقيادة الفلسطينية ضد مخططات التقسيم البيني الداخلي.
كان واضحاً، وبشكل لا يقبل الجدال والشك، العزلة الهائلة والعظيمة التي تعيشها دولة قطر ووضعها الشاذ والمنبوذ، فالكل كان يتفادى التعامل معها ومع مندوبها الذي حضر. إنه التحجيم لقطر في أمرّ وأقسى صورة مستحقة. كل الأمل أن تفكر جامعة الدول العربية في تبني الاقتصاد هدفاً وحيداً للقمة القادمة في تونس، وأن تتم فيها مناقشة مشاريع محددة مثل ربط الكهرباء بين الدول العربية ومد السكك الحديدية.
مشاريع من شأنها أن تكون بعيدة عن الشعارات والتجاذبات، مشاريع قابلة للإنجاز وبالإمكان قياسها فعلياً على أرض الواقع، مشاريع من الممكن أن تسهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين من الدول العربية المختلفة، وتوفر مئات الفرص الوظيفية، ليكون الاقتصاد هو الهدف ولتأخذ السياسة قسطاً من الراحة المستحقة. الاقتصاد يبعث على الأمل ويُنبت الهمم، أما السياسة فهي محبطة ومقرفة ومؤدية إلى التشرذم.
آن الأوان لأن يكون الاقتصاد سيد القمم العربية، فلقد أخذت السياسة وقتها وحجمها، وكانت إخفاقاتها أكثر بكثير من أي إنجاز يُحسب لها. بل إن القضية الفلسطينية نفسها لو يتم التركيز عليها من الجوانب الاقتصادية التي فيها تعزيز للوجود سيكون الإنجاز أوقع وأهم.
جرّبنا السياسة بما فيه الكفاية فلنفتح المجال للقمم الاقتصادية من باب التغيير. ليس لدينا ما نخسره بعد أن خسرنا الكثير من قبل. نجاح السعودية في تنظيم قمة عربية مركّزة وفعالة يبعث الأمل في إمكانية تحقيق المزيد من الأفكار الجديدة.