كتاب 11
الحرب على الصين!
تهديدات المرشح الأميركي دونالد ترمب في 2016 تحولت إلى سياسة تعرفة مضافة بقيمة 25 في المائة على واردات الحديد و10 في المائة على واردات الألمنيوم، واقتراح بجمارك إضافية على ما قيمته 60 مليار دولار أميركي من المنتجات الصينية.
هناك من استيقظ وتنبّه واعتمد ذلك بمثابة جرس إنذار للغير، وكان أول المتنبهين لذلك كوريا الجنوبية التي «وافقت» من تلقاء نفسها على تخفيض صادراتها من الحديد إلى أميركا وتمديد التعرفة الأميركية على شاحناتها الصغيرة. ويبدو أن الصين مقدمة على مباحثات لتخفيض في الجمارك على السيارات الأميركية وزيادة المشتريات من الشرائح الإلكترونية، وفتح المجال بشكل أكبر للمؤسسات المالية الأميركية.
الإعلان المفاجئ عن العقوبات التجارية ضد الصين فاجأ الجميع، لأنه كان بمثابة إعلان حرب تجارية، ولعل أكبر المتفاجئين من هذا الإعلان كان غاري كوهن رئيس المجلس الاستشاري الاقتصادي للرئيس دونالد ترمب نفسه، لأن إعداد هذا القرار كان خارج دائرته، ولكن يعود الفضل فيه إلى شخص مهم، ولكنه لا يظهر كثيراً وهو روبرت لايتشيزر مندوب الولايات المتحدة التجاري، وهو محامٍ متمرس ومخضرم وعتيق أسهم إبان حقبة الرئيس الأسبق رونالد ريغان في الثمانينات الميلادية الماضية في تطبيق الفقرة 301 من قانون التجارة لعام 1974، لإجبار اليابان على الحد من صادراتها إلى أميركا، هذه المرة استخدم القوانين نفسها، وقام قسمه بإعداد تقرير مهم من أكثر من مائتي صفحة يحذر فيه من تكاليف باهظة تحمل أميركا أكثر من 50 مليار دولار سنوياً جراء الممارسات التجارية غير العادلة للصين، وهي التي جعلت دونالد ترمب يتبنى الموقف الحاد جداً ضد الصين بشكل مفاجئ وفوري.
ولكن المعضلة المهمة التي تتبع قرار أميركا ضد الصين أنه لا يطول الصين وحدها أبداً، ولكن يطول اقتصادات دول آسيا كتايوان واليابان وماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وتايلاند. الرقم اللافت أن أكثر من 30 في المائة من قيمة البضائع التي تصدرها الصين إلى أميركا «مجمعة» في دول أخرى في آسيا، وهذا يعني أن سلسلة الإنتاج الموجودة في أكثر من بلد قبل وصول للصين ستكون أول المتأثرين، وبالقيمة الإجمالية ستكون اليابان أكثر الدول المتضررة، لأنها أكثر الدول التي تصدر للصين، ومن ثم يعاد تصدير بضاعتها لأميركا من هناك. فبعض الدول في آسيا من 1 إلى 2 في المائة من اقتصادها يعتمد على التصدير للصين، ثم إعادة التصدير إلى أميركا، ما يعني أن الألم من هذه القرارات لن يكون في الصين فقط، ولذلك تجاوبت الأسواق بشكل سلبي للغاية مع القرار، واعتبره المراقبون الاقتصاديون والمحللون الماليون أنه شرارة لحرب اقتصادية كبرى.
الصين تستعد لرد مؤلم، فهي باعتبارها المستهلك الأكبر للنفط في العالم، ترغب في أن يكون لها دور أكبر في سوق النفط، وتكون لاعباً مؤثراً جداً في حركته. في 26 مارس (آذار) أطلقت الصين الشراء المستقبلي للنفط لكي يكون لها تأثير على حراك السلعة الأهم، وهناك من يعتقد أنها لو نجحت ستتمكن من إعطاء عملتها «اليوان» فرصة ذهبية للضغط لكي يكون بديلاً للدولار الأميركي في شراء النفط. الصين تقدم على ذلك لهدفين؛ الأول أن تمنح شركاتها «نفساً» مريحاً لإدارة مواردها وتسعير مشترياتها بكفاءة أفضل وفاعلية أدق، والهدف الثاني والأهم هو أن تؤسس الصين قياساً جديداً ومعياراً بديلاً، للنفط المنافس «برنت» و«غرب تكساس» في أميركا، معياراً يعكس استهلاك وشراء الصين نفسها. إنها جولة جديدة في حرب اقتصادية انطلقت بقوة.