كتاب 11

03:01 مساءً EET

النظريات والواقع

 
كثيرا ما نستمع من البعض الذى يحمل جزء منه صفة النخبة – ولا ادرى ما هى الاسس التى بنى على اساسها هذه الصفة – والبعض الآخر يحمل لقب ناشط سياسى – ولم نرى من احدهم يوما ما دلالة على المامهم بمبادئ علوم السياسة ، كما ان تصرفاتهم لاتتسم بأى وعى سياسى أو حكمة فى التصرف – وجزء آخر يقال عنهم حقوقيين – وفى الحقيقة فإن كل اعمالهم مجرد كلام ليس فيه ما يفيد المجتمع ولا يتفق مع طبيعته وليس فيه ما يتوافق مع كلمة الحقوق الا اذا كانوا يقصدوا الحقوق التى يحصلوا عليها من الجهات التى تمولهم نظير التجسس على المجتمع وارسال تقارير للجهات الممولة والتى لايهمها الا اضعاف المجتمع المصرى وجعله يعيش فى ازمات مستمرة لاتنتهى . وكل هؤلاء لانسمع منهم الا كلام نظرى لم يكلفوا انفسهم عناء البحث فيما اذا كان ما يرددونه يتفق مع طبيعة مجتمعنا وثقافته وميوله وعاداته أم لا ، ونراهم كمن يعطينا محاضرة فى نظريات ابتدعها الغرب ويريدوا ان ينقلوها لنا لكى نقلدهم ونطبقها حرفيا وكأنها فريضة علينا الالتزام بها اذا كنا نريد التقدم واصلاح احوالنا . وفى الحقيقة لقد غاب عن هؤلاء ان كل مجتمع له طبيعته وتكوينه وعاداته التى تختلف من مجتمع لآخر ومن ثم فإنه ليس من المنطقى اذا نجح مجتمع ما فى وضع اسلوب سياسى واقتصادى واجتماعى معين ونجح فيه ، فإنه بالضرورة ان ينجح هذا الاسلوب أو هذه النظرية فى الحكم فى مجتمع آخر ، وان التقليد الاعمى ليس هو الاسلوب الصحيح لاصلاح اى مجتمع أو انقاذه من عثرته .

فعندما وضع الغرب ما يسمى بالنظام الديموقراطى ، لم يكن ذلك تقليدا منهم لمجتمعات اخرى ، وانما جلس الفلاسفة والعلماء الغربيين وفكروا فى وضع نظام يخلصهم من الحكم الدينى الفاشى الذى اوصلهم الى اعماق الجهل والتخلف ، وبالفعل اتفقوا على مبادئ معينة تحكم امورهم الدنيوية واطلقوا على هذه المبادئ النظام الديموقراطى وبعض عدة عقود تقدموا واصبحوا فى مقدمة الدول . لكن هل معنى ذلك ان النظام الديموقراطى مناسبا لكل المجتمعات ؟ – بالطبع لا – فمثلا عندما نريد اجراء استفتاء على الدستور ، فإننا نفترض ان المواطنين قد قرأوا مواد الدستور واستوعبوه وكونوا فكرة عنه ، واصبحوا قادرين على اتخاذ قرار بالموافقة أو الرفض طبقا للفكرة التى كونها كل فرد عن هذا الدستور – ولكن هل هذا يحدث فى الواقع العملى ؟ – اعتقد ان ذلك من المستحيلات للآتى : حوالى 40 % من الشعب المصرى لم يتعلم القراءة والكتابة – جزء كبير من الذين يعرفون القراءة بعيدون تماما عن مجال القراءة وكل معلوماتهم يستقونها اما من التلفاز أو ممن يخطبون فى الجوامع ( خصوصا فى القرى والنجوع ) أو من الاشاعات التى يتعمد البعض نشرها لتحقيق مصالح خاصة بهم – جزء بسيط جدا يقوم بقراءة ما يجب قراءته من اجل الحكم على مواد الدستور وهذا الجزء لايتعدى 5% فى حالة التفاؤل – فهل يعقل ان يقول مواطن رأيه فى شئ لم يعرف عنه شيئا الا من خلال آراء الآخرين أو من خلال الشائعات ؟ – بل وصل الامر بنا ان بعض المضللين افهم الناس البسطاء ان اختياره سواء لنعم أم لا هو الفيصل فى دخوله الجنة أوالنار فهل هذا يتفق مع المنطق أو مع الدين ، رغم ان الدستور عمل بشرى دنيوى لا علاقة له بالدين من قريب أو بعيد ، ولكن استغلال تجار الدين للبسطاء وتجنيدهم للذين يتصدون للخطابة فى الجوامع من اجل اقناع الناس براى معين من اجل تحقيق مكاسب سياسية يفسد الموضوع من اساسه ، فهل من المنطق ان تقوم الدولة بصرف مئات الملايين من الجنيهات على استفتاء خاص بموضوع لايعرف غالبية الناس عنه شيئا وكل ذلك من اجل ان يتشدق المسئولين بانهم ديموقراطيين ، وكأن الديموقراطية من ثوابت الدين التى لايجب ان يحيد عنها احد . ولكن ماذا يجب ان نفعل فى حالتنا هذه لكى نضع دستورا مناسبا للبلاد ، ارى ان يتم تشكيل لجنة من رجال القانون الدستورى ويكون معروف عنهم عدم ميلهم لاى فصيل خاصة الفصائل التى تدعى انها دينية ، واعتقد ان اكتوينا من امثال هؤلاء مثل طارق البشرى وسليم العوا ، ويقوم هؤلاء بالجلوس مع ممثلين من فصائل المجتمع المختلفة مثل الفلاحين والعمال وارباب المهن المختلفة للتعرف على تطلعاتهم ، ثم يبلوروا هذه التطلعات بصيغة قانونية دستورية ، على ان يكون الدستور عبارة عن خطوط عريضة ومختصرة بقدر الامكان بحيث لاتزيد عن ورقتين أو ثلاثة مثلا ، ولا ننسى ان الدستور عمل بشرى يخص امور حياتنا الدنيوية وبالتالى لايجب ان يحتوى الدستور على اى مواد تخص الشريعة أو الدين ، لانه ببساطة من يريد ان يطبق تعاليم دينه فعليه ان يرجع للدين الذى يعتنقه ، اما ان افرض وجهة نظر جماعة معينة لفهمها للدين فهذا لايليق ويتعارض مع حرية العقيدة ، كما ان تطبيق احكام معينة تخص موضوعات معينة مثل المواريث مثلا فهذا يكون فى مواد القانون ، اى اننا يجب ان نفرق بين الدستور والقانون واللوائح . كما ان اى فرد يريد ان يطبق تعاليم دينه فأعتقد انه لاينتظر ان ينص الدستور على ذلك ، فتطبيق الشرع يعود فى الاساس للشخص نفسه .
اذن وضع دستور للبلاد لايحتاج لاجراء استفتاء عليه ، بل يقتصر الامر على وضعه من خلال المختصين فقط بعد الاطلاع على رأى فئات الشعب المختلفة ، وبالتالى نوفر المبالغ التى يتم صرفها فى هذا الشأن ونبنى بها مثلا الف مدرسة نحن فى امس الحاجة اليها ، وبالتالى نوفر آلآف فرص العمل للمدرسين الذين سيقومون بالتدريس فى هذه المدارس ونقلل ولو نسبيا من البطالة ، واعتقد ان مصلحة البلد تتطلب ان يكون تفكيرنا فيما يحقق المصلحة العليا للبلاد وليس ان نقلد الغرب فى اسلوبه حرفيا وكأن الاسلوب الغربى صنما وجب علينا ان نضعه امامنا ونعبده ونركع ونسجد له كل يوم فى الصباح وقبل ان ننام . ومن النظريات التى يصدعونا بها ليلا ونهارا دون ان يستوعبوها جيدا هو ما يسمى بحقوق الانسان ، وهى كلمة رنانة ولكن هل سألنا انفسنا من هو الذى يستحق ان نهتم بحقوقه ، فمن المعروف ان كل حق يقابله واجب فلا حقوق بلا واجبات ، ومن هذا المنطلق فالانسان الذى نكون مهمومين بالحفاظ على حقوقه هو الانسان السوى الذى ادى ما عليه من واجبات وليس اى انسان فى المطلق ، فلا يوجد فرد يحصل على راتبه الا بعد اداء العمل الموكل اليه ، ومن هذا المنطلق فالانسان الملتزم الذى يحترم القوانين ولا يخالف اللوائح ويفعل ما عليه ، لايجوز مطلقا ان اساويه بمن يتعمد مخالفة القوانين ويعمل ضد مصلحة بلده ويتآمر على وطنه ، لاننا بذلك نكون قد كافأنا المخطئ وظلمنا الملتزم ، ولذلك فمن يقوم بعمل شئ ضد الامن القومى مثلا فلا اعتقد انه يستحق ان نطبق عليه مبادئ حقوق الانسان ، بل يجب تأديبه ونفيه لمكان بعيد وعقابه بأشد العقوبات دون شفقة ، وكذلك من يتعمد ان يشيع الفوضى فى البلاد أو يقطع الطرق أو يقوم بأعمال لاحداث ضرر بمرافق الدولة ومنشآتها فإن اعتقاله يكون امر حتمى وواجب شرعى لدرأ الضرر عن البلاد وانقاذ المجتمع من شروره وعبثه ولا يجب ان نلقى بالا لمن يدعون انهم يمثلون منظمات حقوق الانسان لانهم يتخذونها سبوبة فقط ولكنهم لم يفهموا ما يتحدثون عنه جيدا ، حيث ان العبث الذى يقوم به البعض لاحداث ضرر بالبلاد يؤذى باقى الشعب الملتزم الذى يؤدى ما عليه ويحترم القوانين ، وبالتالى فإن المواطن الملتزم هو الذى يجب ان نبحث له عن حقوقه ونهتم بها ونساعده على الحصول عليها لانه الاحق بها . اما المواطن الغير ملتزم والذى يضر بلده ويتجسس عليها ويستدعى الخارج من اجل الضغط عليها فلا حقوق له ، ولا يجب ان يتم الحديث عن حقوق الانسان فى هذه الحالة ، بل ان الدولة تعتبر مقصرة فى حالة عدم اعتقاله وتأديبه واتخاذ كافة الاجراءات التى تضمن الحفاظ على البلاد من شروره ، كما لايجب مطلقا ان يتم الحديث عن امثال هؤلاء بأنهم فصيل وطنى لانهم فى الحقيقة فصيل خائن متآمر . وحقوق الانسان تكون فى حق اى مواطن فى وجود مأوى له وحقه فى ان يختار عقيدته وحقه فى التعبير عن رأيه دون الاعتداء على الآخرين وحقه فى العمل الشريف ، لكن ليس من حق الانسان ان يخالف القوانين ويعتدى على منشآت البلد ويسب جهات سيادية ويحرض عليها علانية ويطالب بإسقاطها وليس من حقوق الانسان ان يمارس الارهاب أو يستدعى عتاة الارهابيين لاحداث الفوضى فى البلاد ثم نجد من يطالب بأن يتم معاملتهم بإنسانية ، لان ذلك لايستقيم ابدا ويتعارض مع المنطق فمن يؤذى الوطن ليس من حقه اى شئ ، بل يجب القصاص السريع منه ومن هنا نجد ان النظريات التى يتحدثون عنها لها اشتراطات للتطبيق وليس مجرد مصطلح نطلقه فى جميع الاحوال والظروف ، مع مراعاة ان المصلحة العليا للوطن تعلو فوق اى شئ وتسمو على اى مصالح ضيقة
 

التعليقات