كتاب 11
بين محور «الشر» ومحور «القر»!
المتابع لأحداث المنطقة العربية بصورة عامة يجد أن السعودية هي الحاضر الغائب في معظم المشاهد، سواء بشكل مقصود ومتعمد أو بشكل غير ذلك. فالأحداث المتتالية، سواء أكانت السياسية أم الاقتصادية أم الثقافية، فيها يتم إبراز «الدور» السعودي، سواء أكان ذلك بشكل حقيقي ودقيق أم بمفهوم كاذب وخبيث.
هناك محوران رئيسيان تقع السعودية بينهما؛ الأول مما يطلق عليه محور الشر وتترجمه إيران وقطر وجماعة الإخوان المسلمين وأتباعهم من الفصائل الإرهابية منها «داعش» والحوثيون وحزب الله و«القاعدة». وهناك محور آخر يمكن أن يطلق عليه محور «القر»، وظهر هذا المحور بشكل جلي في الأيام القليلة الماضية عبر واقعتين؛ الأولى الإعلان الأميركي على لسان الرئيس دونالد ترمب عن النية لنقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل، والواقعة الثانية هي الإعلان اللبناني عن تحوله إلى دولة نفطية.
محور الشر معروفة أفعاله الإرهابية الدنيئة، والأمثلة المهولة على مواقفه وشروره سردت مراراً وتكراراً، بحيث إنها باتت معروفة للقاصي والداني، وبالتالي لا يوجد أي داعٍ للتذكير بها مجدداً، فهذا المحور يذكرنا بنفسه يومياً وبلا توقف ولا انقطاع. أما محور «القر» فهو يحمل السعودية خيبات الآخرين والنظر إليها بنظرة الحاسد للنعمة. كيف بالله عليكم من الممكن «تحميل» السعودية ذنب الخلافات البينية الفلسطينية طيلة الأعوام التي مضت؟ أو تحميلها مسؤولية انزلاق بعض الفصائل الفلسطينية تحت «عباءة» و«مظلة» دول وتنظيمات راعية للإرهاب؟ وكيف من الممكن تفسير أو تبرير الهجوم على السعودية «وحدها» وهي التي تبنت أنبل المواقف في الدفاع عن فلسطين، ولم يقتل على أياديها فلسطيني واحد عكس غيرها من الأنظمة؟
أيضاً تابعت بكل أسى وشفقة حجم «الهطل» و«السذاجة» التي تعاطى معها الإعلام اللبناني الخاص ومواقع التواصل الاجتماعي فيما يتعلق باكتشاف النفط فيه، وكيف أنهم «تحرروا» من السعودية، وأن «نفطهم» غير نفط السعودية، وأن المال القادم من النفط لن «يجعلهم» مثل السعودية… وكأن السعودية وحدها لديها حق الامتياز الحصري لسلعة النفط؟ وكأن السعودية وحدها ابتدعت طرق الاستفادة من عوائد الاستثمار بشكل سوي لصالح شعبها، على عكس دول نفطية أخرى لديها السلعة نفسها، ولم تحسن استثمارها، ولا استغلال مواردها بشكل سوي وسليم.
المشكلة في الخطاب «البيني» العربي هائلة وكارثية وتكاد تكون مليئة بالأحقاد والكراهية والغيرة والحسد، فتخرج السلبيات قبل الإيجابيات، وهو ما يضعف خطابنا الموجه إلى «الآخر» ويجعله غير مقنع أبداً.
محور الشر معروف ومفضوح ومكشوفة أوراقه وأساليبه، ولكن محور «القر» موجود بيننا، ووسطنا، وحولنا، يسمم كل ما هو جميل بنفس مريضة، وهي حالة مرضية تستدعي العلاج قبل الإنكار.